حوار مع المطرب السوداني عمر أحساس

عمر احساس فنان سوداني متعدد المواهب، يغني ويلحن معظم أغانيه، بالإضافة إلي كتابتها، وهو أحد رواد جيل التجديد في الأغنية السودانية المستندة علي التراث المحلي، فهو يقدم لوناً غنائياً مختلفاً يقوم على الإيقاعات المتنوعة التي يزخر بها السودان.

هو أحد أهم الفنانيين السودانيين الذين جابوا العالم كرسل فنية للموسيقي السودانية المعاصرة في معظم الدول الأوربية والعربية والأفريقية.

اسمه عمر أحمد محمد مصطفى، وشهرته «عمر احساس»، ولد في مدينة نيالا، بحاضرة ولاية جنوب دارفور غرب السودان في 21 مارس 1958. فيها ظهرت موهبته في الغناء والتلحين في سن مبكرة، ثم انتقل إلى العاصمة الخرطوم حيث حصل على إجازة صوتية معتمدة من قبل لجنة اتحاد الإذاعة والتليفزيون، وفي نفس العام التحق بكلية الموسيقى والمسرح قسم الدراسات الإضافية.

أثناء وجوده في مصر، التقت به «الأخبار المسائي»، فدار هذا الحوار.

حدثنا عن بداية مسيرتك الفنية.. وأين بدأت الغناء؟

بدأت الغناء بدرافور في مرحلة مبكرة وكنت في سن 15 سنة، ومن حينها كنت أغني ولكن لا أستطيع أن أحسبها كمحاولات أو بدايات جادة إلا في بداية السبعينات، ففي البداية بدأت أغني بما يسمي “أغاني الحقيبة” وهي شكل غنائي يكون الفنان يحمل آلة الرق ويكون في أصوات مصاحبة بالنسبة له ككورال يرددوا من خلفه، وكان الهدف أننا نشتغل بآلات موسيقية بسيطة اخترناها لأننا كنا صغار في السن في هذا العمر-15 أو 16 عام- ولم يكن لدينا إمكانية امتلاك آلات أو تعلمها، والفرقة الموجودة في نيالا كانت فرقة كبيرة وبعمرنا هذا كانوا لايقبلون أن نستخدمها لأننا صغار، ولا يسمح لنا أن نغنيها كجانب تربوي منهم بأننا لابد من أن نهتهم بدراستنا، ولكن فيما بعد بدأنا بهذا الشكل لغاية ما امتلكنا عدد من الآلات الموسيقية مثل الأكرديون والعود والكمان والإيقاع، وتعلمنا هذه الآلات في 78 وبدأنا في تقديم بما يمكن أن نطلق عليه الأغنية السودانية الحديثة.

لماذا اشتهرت بالاسم الفني “عمر أحساس”؟
أنا كل الألقاب التي لقبت بها جاءت من بعض أغنياتي، ولقبت قبل أحساس عندما كنت في نيالا في بدايتي الفنية كانوا مسميني “عمرالنُدامة”، فقد غنيت أغنية اسمها “الندامة” وهي عن الأصدقاء الذين يتجمعون حول الشراب، بمعنى نديم الكأس أو صديقه أو رفيقه، وهذه أول أغنية غنيتها في ولاية نيالا بدافور للفنان الكبير الراحل الخير عثمان، والناس أطلقت عليً عمر النُدامة، ولكن الناس تنطقها الندامة من الندم وكانت شائعة عند أغلبية الناس، وكنت أتضايق من هذا اللقب أو الاسم، ولكن عندما انتقلت للخرطوم 1981، تركت اسم النُدامة خلفي وعرفت باسمي بعمر أحمد، ولكن عندما تقدمت للجنة اتحاد الإذاعة والتليفزيون لإجازة صوتي كمطرب بأغنية “أحساس” التي نالت شهرة كبيرة وكانت من ألحاني، أصبح يطلق على اسمي منذ ذلك الوقت “عمر أحساس”، والحقيقية أني حاربت هذا اللقب حيث كنت لا أريد ألقاب أصلا لكن ماذا أفعل؟، وبقيت مشهور به إلي أن أستسلمت لتغير الاسم، وهو اسم يضعك في مسئولية كبيرة ويمنعك من اتخاذ مواقف حازمة رغم أنك تكون علي حق في مواقفك الحياتية، فقد تجد شخص يقول لك “يا أخي ما أنت أحساس”، خلي عندك أحساس، وأصبحت كلمة شائعة في المجتمع السوداني.

هناك الكثير من الملحنين السودانيين وأنت تعتبر أحدهم فهل اعتمدت على ألحان غيرك؟

بدأت ملحنا، وعندما كنت بقدم أغاني الحقيبة ألفت بعض الأغاني، وكنت أستحضر عمل سجع وليس شعر لأنني كنت صغير في السن، وكانوا في البيت يقولوا لي تعال غني لنا أغنية كنت أجيب شئ يصدر أيقاع وأغني بكلمات  ليست مفهومة أصلا، فهذه كانت البوادر لملكة التلحين، في البدية كنت بحب الغناء ولم يكن أمنياتي أن أكون فنانا وكنت آراها حاجة بعيدة المنال، ولكن غنيت لأول مرة في المدرسة خلال انتقالي من الثانوي العام للثانوي العالي، وكان أستاذي معتصم كردمان قال نريد اثنين من الطلاب يمثلوا المدرسة في الغناء فقام  زملائي باختياري وأنا لم أرشح نفسي لأني كنت خجول جدا، وتحت إلحاح الطلبة والأستاذ وافقت وغنيت أغنية “الندامة” و”أحلي منك” للأستاذ حمد الريح، ومن وقتها بدأت أستجيب لطلبات الجمهور في أي مكان حيث يطلبوا مني الغناء، حتي وضوعها في رأسي واضطريت بعد ذلك أن أسير علي نفس النهج، وبعد ذلك قلت لنفسي لازم ألحن بسبب صعوبة الحصول علي شعراء في هذه الفترة، وعدم وجود انتشار إعلامي لكي تستطيع أن تلتقي بشاعر معروف ، ولكن الصدفة لعبت دورها حتي لقيت بعض الشعراء، ولكن كنت بلحن بعض القصائد المنشورة في مجلة الإذاعة والتلفزيون التي كانت توزع في السودان كله، فلحنت بعض القصائد وبعد فترة اكتشفت أنها ملحنة وموجودة، كان عندي 17 عاما عندما لحنت أغاني الحقيبة، وفي نهاية السبعينات بدأت ألحن الأغاني الحديثة، وعانيت في البداية ولكن بعد ذلك وجدت بعض الشعراء مثل الأستاذ الراحل إبراهيم الديرديري، والأستاذ الراحل تيجاني محمد خير، والأستاذ كمال مصطفي صاحب أغنية “أحساس” نفسها وبعد ذلك أنتظمت في مسألة العمل الخاص.

كم أغنية من أغانيك قمت بتلحينها؟

98 في المائة من أغنياتي من ألحاني، ولكن مع التلحين قدمت أغاني لكبار الفنانيين السودانيين من الرواد، ولكن عند قدومي للخرطوم جئت بـ 22 أغنية خاصة، وألزمت نفسي بتقديم أعمالي الخاصة وكان صراع كبيرا جدا جدا لأن هذه الفترة التي وصلت فيها إلي الخرطوم كان هناك ظاهرة التقليد، فعندنا الفنان سيد خليفة تجد بعده في سيد خليفة الصغير، والفنان محمد الأمين يأتي بعده محمد الأمين الصغير، ووردي الصغير وزيدان الصغير وهكذا، ففي هذه الفترة في بداية الثمانينات ظهرت مع هذه الظاهرة، وكان صعب جدا أنك توصل أعمالك الخاصة في هذه البيئة، ولم استسلم حقيقة كنت مصر علي موقفي والحمد لله حتي الأعمال الخاصة وصلت للجمهور بأسمي بدون أضافة لقب الصغير.

كيف حدث انتشارك الفني؟

انتشارى الفني كان محليا في بداية مشواري، من خلال الحفلات العامة في السودان، وفيها شئ مختلف عن مصر بأنك تقول “فنان بيوت أفراح” وهذه تكون كمذمة أو شئ معيب، ولكن في السودان الوضع مختلف فهي الحاجة الشائعة أن الناس تغني في الحفلات والأفراح، وفي السودان كبار الفنانيين السودانيين يغنوا عادي في بيوت الأفراح، وبعدها يأتي الإنتشار، حيث الإطلالة تكون في البيوت والأفراح أكثر انتشارا للنشاط بسبب الإقبال الكبير في بيوت المناسبات، ولكني في الحقيقة انتشرت فعليا من خلال الإذاعة حيث بثت الأغاني التي حازت على أعجاب الجمهور خلال الحفلات الجماهيرية التي تقيمها الإذاعة، وكنت مركز علي الإذاعة بشكل خاص، وسجلت العديد من الأغنيات في الإذاعة والتي كان يتم بثها بشكل مستمر، وبعد ذلك جاءت مرحلة الكاسيت وأول كاست طبعته بشكل احترافي سجلته في القاهرة في شركة حصاد 1995.

لماذا لم يحدث  انتشار للأغنية السودانية في المجتمع المصري؟

هذا السؤال مهم جدا وكبير جدا في نفس الوقت، في الحقيقة يلقي الجميع باللإئمة علي السلم الخماسي، ولكن السلم الخماسي بريئ كل البراءة، لأننا لو جئنا قسمنا العالم كله سنجد أن ثلثي العالم يتناول الغناء بالسلالم الخماسية، ولكن أنا أميل إلى أن هناك اعتقاد خاطئ بعض الناس وضعوه في أذهانهم فقط بأن سبب عدم انتشار الأغنية السودانية هو استخدام السلم الخماسي بدليل أن مصر هي العاصمة الإعلامية للوطن العربي كله ولازالت، والفنان الكبير محمد منير يتغني احيانا بنفس المقام لأغاني لفنانين سودانيين لوردي ولشرحبيل، والفنان محمد فؤاد غني أيضا بهذا المقام، ويعتبر هاتين الحالتين بوادر قبول للأغنية السودانية، ومعني ذلك أننا ليس أمامنا مشكلة وبعد ذلك نسعي أننا كيف نوصل موسيقانا للجمهور المصري، الآن اتحاد الموسيقيين العرب الذي يقوم بضيافتنا في مقره بوسط البلد واحدة من أهدافنا أننا لا نقول نخترق إنما نصل لأخواننا المصريين بهذه الجماليات الفنية السودانية ونكون في وسطهم لخلق التاثير اللأزم لقبول هذه اللونية والتعامل معها، وهذا لا يتأتي بالحديث فقط، والزمن الفئات كان الناس تتكلم فقط، ما عدا تجربة الفنان سيد خليفة الذي أساسا كان في القاهرة.

وماذا عن تقيمك لتجربة الفنان السوداني سيد خليفة في مصر؟

نقدر تماما مجهودات الراحل سيد خليفة التي قام بها وهي مجهودات ليست سهلة لأنه كان فرد والمثل يقول اليد الواحدة لا تصفق، وخليفة حقيقة صفق بيده الواحدة هذه، وخلق وجود للأغنية السودانية ليس في مصر فقط بل في العالم العربي كله، ونحن نقول أن مركز الإشعاع الإعلامي هو مصر، وما فعله خليفة لم يجد متابعة داخلية في السودان ومن الفنانيين السودانيين، وفي هذه الفترة لو الفنانيين السودانيين حذت نفس حذو الفنان سيد خليفة  لكانت الأغنية السودانية الآن معروفة وموجودة في مصاف الأغنية المصرية أو السورية أو غيرها، رغم خصوصية التكوين الموسيقي، والأغنية السودانية نزكيها بأنها تصل للجمهور المصري لأنها بها نصوص جيدة جدا جدا، والبناء اللحني جميل جدا، ولكن نري أن الأنسان ابن بيته حيث نري أن البيئة المصرية مكتفية بما قدمت، وهي قائدة في هذا المجال، فنحن لا نستطيع تغيير المزاج المصري ولكن يمكن أن نضيف له وهذه الإضافة محتاجة احتكاك مباشر، ونعيب علي أنفسنا أننا لم نقيم مهرجانات اقليمية أو عالمية لكي نستضيف الفنانيين ونحتك بهم.

وماذا عن انتشارك خارج السودان وحفلاتك بالخارج؟

بداية الانتشار الخارجي كانت في أول محطة في “مهرجان الأغنية العربية” في تونس1994حيث شاركت معي من مصر المطربة أنغام،والفنان صابر الرباعي من تونس وسونيا مبارك وزيرة الثقافية حاليا، وفايز السعيد من الإمارات وأمل عرفه من سوريا، وتلقيت دعوات من دول عربية وأفريقية وأجنبية كثيرة، وتقريبا أقمت حفلات في معظم الدول العربية، والعديد من الدول الأفريقية وكذلك البلدان الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية حيث تشرفت بتقديم أغنياتي التي تعبر عن الحالة والمورث الثقافي والموسيقي السوداني، كما تجددت الدعوة للغناء في تونس  في 2017 وشرفت بالغناء في ليلة افتتاح المهرجان بجوار الفنان المصري الكبير محمد الحلو، وتتميز تونس بوجود مقر الإذاعات العربية أعطت لها خصوصية في هذا النشاط الفني الثقافي.

مع بداية انتشارك وتعرف الجمهور السوداني عليك في الثمانينيات شهد السودان العديد من الأحداث السياسية الهامة، هل تناولت أغنياتك هذه الأحداث؟

في هذه الفترة كانت هناك الحرب مع الجنوب وكان البعض يطلق عليها حرب دينية، وكنت أرى أننا أبناء وطن واحد لذلك قدمت العديد من الأغاني في هذه الفترة تدعو للوحدة وسافرت إلى الجنوب أكثر من مرة في رحلات فنية لنقدم أغاني للناس تدعو للسلام والوحدة الوطنية، ومنذ بداية عملي الفني قدمت أغنية لـ”درافور بلدنا”  المشهورة  تدعو لنبذ الخلافات وقبول الآخر والدعوة للتعايش في سلم وأمان بين القبائل وقبول الآخرغنيت هذه الأغنية ترتكز علي إطلاق نداء لكل القبائل التي كانت محصورة في دارفور، وعندها مشاكل سواء خلافات قبيلة تحدث من فترة لأخرى وتتجدد على أبسط النزاعات بين شخصين فيتم استدعاء المورث القبلي فتحدث مشكلة قبيلة، لذلك في هذه الأغنية اطلقت نداء لكل القبائل بأسمائها بأنها قبائل مسالمة، ولاقت قبولا جماهيريا كبيراً، كما لاقت هجوماً من بعض القبائل التي لم يرد ذكرها في بقية أنحاء السودان، وبعد ذلك تمت اضافة تلك القبائل لتصبح أغنية شاملة وطنية تشمل كل القبائل، وأخذت الصفة القومية لكل السودان، وفي أغنيات آخري قدمتها، وعندما استفحل الوضع في دارفور قدمت أغنية “أمي دارفور الحبيبة” تقول أمي دارفور الحبيبة ” أمي دارفور الحبيبة .. التفرُق ما شبهنا .. نحنا في حضنك ربينا وكنا في خيرك بنهنأ .. نحنا ما كان ح يحصل لينا لو كنا انتبهنا.. القرى المحروقة وصمة الدم المهدور حرام .. المدارس والجوامع فاضية والدارات حطام .. والصغار نزحوا ويعشوا في الرواكيب والخيام”، وهذه هي الانتباه التي كنا نغفلها للأسف التي ولدت في هذا الزمن كل هذه الكوارث، والآن ولدت أم الكوارث نفسها، والفنان لابد أن ينحاز لمجتمعه، كما قدمت أغنية “عرب وفور نعيشوا سوا”.

هل تناولت اغنياتك مأساة النازحين في دارفور في معسكرات النزوح واللجوء؟

غنيت أيضا للنازحين واصفا حال معسكرات النزوح في دارفور داعيا لوضع حدا لتلك المأساة في أغنيه”صرخة نازح” التي تقول “كان عندي يا ما كان .. كان عندي أسرة وبيت .. وكان عندي لمبة وزيت .. وكان عندي ليل ونهار.. وصباح ملان أطيار.. والحي بدون أسوار.. والجار يسند الجار.. لكني صرت خبر في نشرة الأخبار..كيفن يطيب الحال والدار دي ما داري” كما غنيت للمرأة حتي النهب المسلح الذي استشري في أواخر الثمانينات غنيت له أغنية تقول “في الأخر ليك الحلال بين.. عليك تسعي وربنا الرزاق.. متين كان الرزق زندية.. ليه شايل سلاحك ديما وتروع خلايق الله.. وحرمت الدرب للناس.. كيف عن ديننا تتخلي”.

هل سيطرة الجبهة الإسلامية علي الحكم لمدة 30 عام  شكل بشكل سلبي علي التعاطي مع عدم الانتشار والانتاج الفني؟

أكيد أحد أهم الأسباب عدم الانتشار حكم الإسلاميين، فثلاثون عاما تعتبر خصما علي الأغنية السودانية، وخلقت هوة وجاب فجوة كبيرة جدا جدا وتوقفت الأجيال الطبيعية، في جيل لجيل يستلم من الجيل السابق له، في جيل أصبح مفقود أو جيليين هذا الفراغ خلق مشكلة كبيرة، الناس تحاول تعالج فيه، ومن ضمن أهداف الاتحاد هو تجميع الموسيقيين السودانيين في مصر واحدة من أهدافنا، وكذلك تجميع الدراميين في مجالهم والشعراء في مجالهم  والموسيقيين في مجالهم، وكان عندنا ليلة كبيرة كانت ستقام في الأوبرا ولكن ظروف حرب غزة تأجلت، في وشائج كثيرة جدا جدا تجمع بيننا وبين الأخوة المصريين، شاركت في ليالي الأوبرا مع الفنان عثمان مصطفي في المسرح المكشوف في 2004، وشاركت أيضا مع الفنان الفاتح حسين 2010 في قلعة صلاح الدين، وتوالي هذا الطرح هو السبيل السليم للناس لكي تصل وهو الاحتكاك المباشر مع الجمهور المصري.