وجدي عبد العزيز يكتب: إهانة القانون الدولي

نتابع بحزن المأساة الإنسانية في قطاع غزة المحتل، ففي كل يوم يسقط عشرات الضحايا والمصابين بينما يقف جانب من المجتمع الدولي مع قوات الإحتلال مسانداً وداعماً ومانعاً لأي خطوة يمكن اتخاذها لوقف حرب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، ولعل المجزرة الأخيرة التي وقعت فجر يوم الجمعة الماضي واستشهد خلالها مائة وأربعة عشر فلسطينيا من الذين تكالبوا للحصول على نصيبهم من المساعدات الإنسانية الشحيحة التي تصلهم في شمال قطاع غزة، وحاصرتهم نيران الرصاص الصهيوني بدعوى الخوف من تقدم الحشود نحو دبابات متمركزة بالمنطقة، تلك المساعدات التي تقف الحكومه اليمينية الأكثر تطرفاً في تاريخ الكيان الصهيوني حائلاً دون وصول أي نوع منها سواء الغذائية أو الدوائية أو حتى الوقود إلى قطاع غزه منذ بدء العدوان الإسرائيلي البربري على القطاع في أعقاب هجوم مقاتلي حماس على مستوطنات غلاف قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي.

فعلى مدار خمسة أشهر استمر العدوان وتستمر المأساة الفلسطينية، وهناك مخاوف حقيقية من تزايدها وتفاقمها بما يعيد إلى الأذهان ما حدث في النكبة الأولى في عام 1948 عندما قامت العصابات الإرهابية الصهيونية بقتل وحرق الفلسطينيين وتدمير منازلهم وتهجيرهم من أراضيهم، وكما حدث أثناء حرب الأيام الستة في يونيو عام 1967، حيث تتشكل الغالبية العظمى من أهالي وسكان القطاع من اللاجئين الفلسطينيين الذين طردوا من أراضيهم وديارهم، وتسعى القيادة الصهيونية المتطرفة إلى طردهم مجددا إلى الحدود المصرية الفلسطينية، ويحدث ذلك في ظل تواطؤ ودعم أمريكي مطلق وغير منقطع النظير حيث استخدامت في أعقاب مجزرة يوم الجمعة حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن الدولي للمرة الرابعة على التوالي لمنع صدور أي مشروع قرار يطالب بوقف الحرب وحماية المدنيين الفلسطينيين من آلة الحرب الصهيونية المدمرة، بما يمثل إهانة للقانون الدولي وتعطيلاً للدور المرسوم لمجلس الأمن طبقاً لنصوص ميثاق الأمم المتحدة وانتهاكاً خطيرا للمادة الأولى من الميثاق التي تنص على اتخاذ التدابير المشتركة الفعالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم والأمن الدولي وإزالتها، وتقمع أعمال العدوان.

وفي حين يعتقد الكثيرون في صحة مطالبتهم لإسرائيل بالسماح بمرور المساعدات بإعتباره معروفاً لسكان غزة إلا أن الحقيقية أنها ملزمة بذلك ويجب عليها بذل الجهود لتوفيرها بشكل آمن، طبقا لقواعد القانون الإنساني الدولي وخاصة في اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، وتنفيذاً للمادة 55 التي تنص على واجب دولة الاحتلال أن تعمل، بأقصى ما تسمح به وسائلها، على تزويد السكان بالمؤن الغذائية والإمدادات الطبية، ومن واجبها على الأخص أن تستورد ما يلزم من الأغذية والمهمات الطبية وغيرها إذا كانت موارد الأراضي المحتلة غير كافية، ولا يجوز لدولة الاحتلال أن تستولي على أغذية أو إمدادات أو مهمات طبية مما هو موجود في الأراضي المحتلة إلا لحاجة قوات الاحتلال وأفراد الإدارة، وعليها أن تراعي احتياجات السكان المدنيين.

إن مسألة وصول المساعدات الإنسانية ليست ترفا في اللحظة الحالية، فهناك تحذيرات ومؤشرات خطيرة على تردي أحوال المعيشة في غزة لدرجة تنذر بحدوث مجاعة حقيقية قد تؤدي بحياة الآلاف من الأطفال الذين يعانون من نقص حاد في التغذية، ولذلك يجب العمل على فتح المعابر وعدم الإنصياع للرغبة الإسرائيلية في تفتيش وعرقلة وصول المساعدات، وتكثيف عمليات الإغاثة الجوية وفتح ممر بحري للمساعدات كما وعد الإتحاد الأوروبي في بداية العداون على قطاع غزة.

إن تشدق الدعاية الصهيونية بأنها دولة أخلاقية وتقوم بالدفاع عن نفسها تكذبها الممارسات التي تمثل انتهاكاً صارخاً لقواعد القانون الدولي فيما يتعلق بحقوق الإنسان الفلسطيني في الأراضي المحتلة بما فيها القدس والضفة الغربية، فيما تحصل على الدعم الهائل والمساندة الأمريكية والغربية باعتبارها صنيعة القوى الإستعمارية وحارسة مصالحه الإستراتيجية في المنطقة منذ لحظة تأسيسها وحتى الآن، وتضرب عرض الحائط بالقانون الدولي وقررات مجلس الأمن والجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان، وبما يعتبر انتهاكاً مستمراً  لحق الشعب الفلسطيني المحتل في تقرير المصير عبر الإحتلال طويل الأمد للأراضي الفلسطينية والعمل على ضمها، فضلا عن محاولاتها في تغيير التكوين الديمغرافي للضفة الغربية ومدينة القدس الشريف، واعتمادها لتشريعات وتدابير تمييزية تعمق سياسة الفصل العنصري التي تنتهجها بحق الشعب الفلسطيني.

إن العجز الدولي عن وضع حد للمأساة في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة واستمرار الإنتهاكات الصهيوينة للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني يمثل خطراً حقيقياً ومحدقاً على الأمن والسلم الدوليين، ويهدد بإتساع نطاق الصراع العسكري في المنطقة بعدما ساندت الجبهة اللبنانية ممثلة في قوات حزب الله المقاومة الفلسطينية الباسلة وكذلك الهجمات التي يشنها الحوثيون في اليمن ضد السفن المتجهة إلى إسرائيل في البحر الأحمر، ولايمكن أن يستمر العدوان ورفض وقف الحرب بانتهاج سياسة إزدواجية المعايير التي تتبناها القوى الدولية المؤيدة لإسرائيل، فعلي المجتمع الدولي رفض تلك الممارسات وهذه السياسة التي نراها يومياً، فكل الدماء سواء وليس الدم الأوكراني أغلى من الفلسطيني، فعندما قامت روسيا بالإعتداء على أوكرانيا سارعت القوى الغربية بإدانة العدوان الروسي وفرضت العقوبات الإقتصادية والعسكرية وحتى الرياضية على روسيا، وحركت المحكمة الجنائية الدولية دعوى ضد الرئيس الروسي وأصدرت مذكرة اعتقال بحقه تمهيدا للقبض عليه إذا قام بزيارة دولة موقعة على اتفاقية روما المؤسسة للمحكمة، بينما نيتنياهو وعصابته الإرهابية الحاكمة تمرح وتدمى غزة تدميراً كلياً وتتباهى بقداراتها وتهديدها بترحيل الفلسطينيين من أراضيهم، فضلاً عن عمليات القتل والمذابح والمجازر اليومية التي يقترفونها بدم بارد بما يذكر بالمأسي الإنسانية في عهد النازية في المانيا.

وأعتقد أنه يجب على المجتمع الدولي الإستمرار في الضغط على إسرائيل لوقف سياستها العدوانية وانتهاكاتها المستمرة ضد الفسطينيين، وعلى الدول العربية اتخاذ مواقف أكثر جرأة وجدية في إسناد الشعب الفلسطيني، وخاصة تلك الدول التي تربطها علاقات مع اسرائيل، ولتفعل مثلما فعلت دولة جنوب أفريقيا والعديد من دول أمريكا اللاتينية التي قطعت علاقاتها مع إسرائيل، وكولومبيا التي أوقفت وارداتها من الإسلحة الإسرائيلية، وكذلك نيكاراجوا التي اتهمت المانيا بمساندة اسرائيل في محكمة العدل الدولية التي فشلت في اتخاذ قرار ملزم لاسرائيل بوقف الحرب أو حماية المدنيين طبقا لاتفاقية منع الإبادة الجماعية الموقعة عليها، وعلى الصعيد الشعبي لابد من الإستمرار في حملات المقاطعة الشعبية للمنتجات والشركات الداعمة لإسرائيل، فهذه المقاطعة تعتبر آداة فعالة في مكافحة التغول الإسرائيلي على الحقوق الفلسطينية، أما الإنشغال العربي الرسمي بتقديم مكافأة لاسرائيل بالحديث عن اعادة إحياء مبادرة السلام العربية مقابل وقف الحرب فذلك أمر لايمكن فهمه إلا في سياق استمرار تلك الأنظمة العربية في سياساتها للحفاظ على مصالحها دون تقديم الدعم والمساندة الحقيقية والواجبة للشعب الفلسطيني.