لميس الأصبحي: وطني اليمن الذي كان سعيدا 

منذ طفولتي وحقبة مبكرة من حياتي كنت اشعر بالحنين للقراءة عن تاريخ وطني اليمن الذي كان الحاضن الأول للعروبة فمن اليمن خرجت الهجرات العربية الأولى إلى أفريقيا وأسيا وصولا إلى الأندلس، وقد حملوا الثقافة العربية لغة وعقيدة، وكان أجدادي اليمنيون بمثابة العمود الفقري لكل تللك الفتوحات التي نشرت الإسلام والثقافة العربية في كثير من بقاع العالم قبل أن يعرف المسلمون المذاهب بمعناها الضيق الذي أضر الإسلام كثيرا.

كنت أزور صنعاء وكنت أتحرق شوقا لزيارة بقية المدن اليمنية وفي كل مرة كنت أشعر وكأن ماسا كهربائيا يخترق جسمي، وتعرفت على الكثير من أهل وطني الطيبيبن، وفي كل مرة كنت أتجول في صنعاء القديمة التي لامثيل لها في المدن العربية فهي مدينة تحمل خصوصية شديدة في العمارة والثقافة وملامح أهلها، كنت أسير في حاراتها الضيقة أتلمس جدران مبانيها واتأمل أبواب المنازل وزخارف المباني التي تشكل حالة انسانية فريدة.بساطتها تبدو عبقريتها التي تعيدك إلى الزمن القديم بكل إنسانيته وجماله، مكتباتها ومساجدها ومخطوطاتها القديمة طيبة أهلها وصدق مشاعرهم وإعتزازهم بعروبتهم.
صنعاء هي المدينة التي لا تشبه مدينة أخرى في التاريخ من حيث مبانيها وبساطة أهلها وحالة الرضى والطمأنينة البادية على الجميع، لكنها لم تكن استثناء بعض أقطارنا العربية من حيث الإهمال وافتقار العدالة الاجتماعية وعشوائية الحياة، ورغم ذلك كنت آراها جميلة كل ما فيها كان ينذر بانفجار وبركان الغضب لكن الناس مطمئنون، كنت ألحظ التناقض الفكري والاجتماعي والمذهبي لكن الحياة تمضي وكأن الناس قد توافقوا على عقد اجتماعي قبله الجميع ثم جاء الإنفجار الكبير وتبدلت المواقف وراح حلفاء الأمس أعداء لبعضهم البعض.


الفتنة كانت نائمة لكنها وجدت من يوقظها وقد استيقظت بشدة وعلينا أن نعترف أن العرب لم يقوموا بدروهم بما فيه الكفاية، فقد تركوا النيران تشتعل تحت الرماد وبدلا من أن يتدخلوا لاحتواء المخاطر تعاملوا مع الأزمة وكأنها تحدث في مكان بعيد، وتركنا مصير اليمن لمن أشعل الفتنة وراح العرب يشاهدون وطنهم الأم وسط متاهات من الإنقسامات في ظل أوضاع اجتماعية وفكرية متردية.
وكأننا لم نستفد من كل ما حدث في العراق وسوريا وليبيا وحينما حاولنا أن نفعل شيئا تركنا مصير وطني اليمن للغير وقد أخترنا أصعب الحلول في بلد لم تنجح فيه هذه الحلول أيام المماليك والعثمانيين والإنجليز. وحينما تدخلت قوى عربية في ستينيات القرن الماضي كان الثمن باهظا وعلى الرغم من نجاح الثورة اليمنية إلا انها لم تؤسس لمشروع وطني تذوب فيه القبليات والمذهبيات، وإذا كنا نحن اليمنيون قد فقدنا الأمل في المصالحة الوطنية وتقديم مشروع جديد يحقن الدماء ويؤسس لمستقبل جديد بدلاً من ترك الوطن في مشهد مأساوي يعيد لنا ذكريات آليمة لازال نحصد ثمارها علقما في أقطارنا العربية لقد وصل الأمر لدرجة أننا لم نستفد وهي واحدة من كوارثنا العربية وهو نتاج طبيعي لإهمال التعليم والوعي والثقافة.