هويدا الملاخ تكتب: التوجه الإثيوبي نحو تركيا

شهدت العلاقات الإثيوبية التركية خلال الفترة الأخيرة مزيد من التقارب السياسي والدبلوماسي بين البلدين ، وظهر ذلك واضحاً  في منتصف اغسطس الماضي،  حيث قام  رئيس وزراء اثيوبيا ابى احمد  بزيارة عمل رسمية الى تركيا بناءً على دعوة وجهها له الرئيس التركي رجب أردوغان ، كما ذكرت دائرة الاتصال في الرئاسة التركية بأن الزيارة تنطوي على أهمية بالغة لتزامنها مع الاحتفال بالذكرى مائة وخمسة وعشرون عاما للعلاقات بين البلدين.

والجدير بالذكر ان اللقاء التى تم بأنقرة اسفرت عن  توقيع اربعة اتفاقيات؛ تضمنت مذكرة تفاهم للتعاون في مجال المياه، اتفاقية الإطار العسكري، بروتوكول التنفيذ المتعلق بالمساعدات المالية، اتفاقية التعاون المالي العسكري.

والملفت للنظر ان هذا التقارب السياسي الدبلوماسي بين العاصمتان  جاء  في الوقت التي تواجه إثيوبيا أزمتين بارزتين داخليا وخارجيا في الفترة الأخيرة هما الصراع المسلح في إقليم التيجراي ،  وتطورات متسارعة فى المشهد العسكرى ادت الى تفاقم الحرب الاهلية ، ومن المتوقع ان تؤدى الى انفصال كامل للإقليم ، وما يشير إلى ذلك تراجع ابى احمد عن الغاء وقف اطلاق النار في أغسطس الماضي ، بعد ان كان قد اعلن عنه بشكل أحادي منذ يونيو الماضي مع جبهة تحرير تيجراي ، وجهه آبي احمد  الجيش الإثيوبي  بالتصدي لها بعد ثمانية أشهر من بدء الصراع في الاقليم المسلح ، كما دعي آبي أحمد للشعب الأثيوبي إلى الوحدة والتكاتف في وجه ما أسماه الهجمة الغربية المدعومة إعلاميا ضد بلاده، على ما تتخذه من إجراءات في مواجهة جبهة تحرير تيجراي ، مما سبق نستنتج تفاقم الاوضاع على المستوى السياسي والعسكري في الداخل الأثيوبي ، فضلا عن أزمة سد النهضة مع مصر والسودان ، واقبال الحكومة الاثيوبية بالملء الاول والثاني بشكل منفرد دون الوصول لاتفاق عادل مع دولتي المصب .

هناك اوجه تشابه فى التوجهات السياسية للدولتين

  • تشترك الدولتان فى تجربة اثنية معقدة تفتقد التجانس والاندماج المجتمعي مما يهدد وحدة الدولتان حال حدوث تمردات سياسية او نزاع قبلى كما حدث فى اقليم التيجراى بالشمال الإثيوبي ، واضطهاد الحكومة التركية للأكراد في الجنوب التركي لمطالبهم المتكررة بالانفصال .
  • كما تنتهج الدولتان نفس السياسية المائية المجففة تجاه دول المصب سوريا والعراق وقد بنت عدة سدود على نهرى دجلة والفرات واضخمها سد اتاتورك 1992م  وسد اليسو  2018 م ، وتزايدت الاتهامات للحكومة التركية  باستخدام سلاح  المياه كورقة ضغط لابتزاز جيرانها، خاصة الأكراد في سوريا، فتلجأ إلى قطع مياه نهري دجلة والفرات بصفة متكررة ، وهو ما ادى الى انخفاض حصة السوريين والعراقيين إلى أقل من ربع الكمية المتفق عليها دوليا، وهي مستويات غير مسبوقة ، وعرض تلك التجربة لاستفادة الحكومة الإثيوبية منها للأضرار بمصالح وحقوق مصر التاريخية فى مياه النيل .
  • التواجد التركى فى القرن الإفريقي وتروج لتجارة السلاح التركى ، خاصة بعد اقامة تركيا لقاعدة عسكرية في الصومال ، فى الوقت الذى لا تزال مفاوضات سد النهضة تواجه جمودا إثر خلافات حول آلية التفاوض، وسط عزم إثيوبيا المضي قدما في الملء الثاني للسد.
  • العداء المشترك للدولتان لحكومة القاهرة ، وظهر ذلك واضحاً فى الخلافات السياسية بين مصر وتركيا التي ظهرت خلال السنوات السبع الماضية، كان ابرزها الصراع العسكري في ليبيا التي تعتبرها القاهرة امتداداً لأمنها القومي، إذ يربط البلدين حدود تقارب 1200 كيلو متر. وأصبحت تركيا لاعباً رئيسياً في الفترة الأخيرة على الأراضي الليبية، بعد أن وقعت مع حكومتها السابقة اتفاقاً بحرياً وأمنيا بمخالفة القانون الدولىً، كما تدعم تركيا سياسيا وعسكرياً الجماعات الارهابية المسلحة .
  • إجهاض مصر لأطماع تركيا بشرق المتوسط يعد أن قامت بتأسيس المنظمة الإقليمية لغاز شرق المتوسط كرسالة سياسية قوية بامتياز لمن يحاول وضع يده على حقوق الدول الأعضاء بها، وقطع الطريق أمام أي محاولات تركية للتنقيب غير الشرعي عن موارد الطاقة في المياه الاقتصادية في شرق المتوسط، خلق حالة من التوازن الإقليمي بالمنطقة بين مجموعة الدول المنتجة للغاز (مصر وقبرص واليونان) في مواجهة أي أطماع خارجية ، بالإضافة الى ذلك تعد المنظمة إحدى أدوات تحول مصر لمصدر إقليمي للطاقة في المنطقة، خاصة لان مصر جميع القدرات لتنفيذ هذا المشروع القومي، لكل من تسول له نفسه التحرش بحقوق الدول الأعضاء في المنظم ، ومن ثم لا يمكن أن تدخل تركيا في مواجهة مع مصر وكافة الأطراف ذات الصلة بالمنطقة.

تفريغ الضغوط الاثيوبية / التركية

في ظل توتر العلاقات بين القاهرة وأنقرة منذ ثورة30 يونيو 2013 م ، واحتضان السلطات التركية للعناصر الاخوانية المطلوبة امنيا وقضائيا ، والعمل على  فتح المنابر الإعلامية لهم من اجل مهاجمة النظام المصري ، وتسعى إثيوبيا لتشكيل جبهة ضد مصر, مستغلة العلاقات المتوترة  بين القاهرة وأنقرة , بعد وقوع تطور لافت لموقف الحكومة التركية العدائي تجاه مصر‏ حيث بنصائح سياسية ومشورات فنية إلي إثيوبيا‏,‏ لتشجيعها علي المضي قدما‏,‏ في بناء سد النهضة بمواصفاته الحالية‏، فى الوقت الذى يواجه فيه النظام التركي ضغوطا كبيرة  داخلياً وخارجياً، منها على سبيل المثال ضغوط متعلقة بالحريات وحقوق الإنسان، ومشاكل اقتصادية، بعد ان كشفت تقارير حديثة عن أن العجز في الميزان التجاري تضاعف ، وكذلك عجز في الحساب الجاري، والديون الداخلية ترتفع ، وعلى الصعيد الخارجي فشلت ادارة اردوغان فى  حسم الصراع العسكري على الحدود  لصالح تركيا على حدودها مع سوريا، والذى طال أمده .

إن سياسية أردوغان تتمثل فى  كلما شعر بضغوط داخلية وخارجية عليه، سعى إلى تفجير قنبلة سياسية لإحداث ضجة تمتص الضغوط المحيطة به ، لأنه يعلم ان الاوضاع السياسية الداخلية والخارجية في تفاقم مستمر.

دكتوراة وخبير استراتيجي في العلاقات الإفريقية والدولية