فايز السليك يكتب: عن أزمة شرين عبد الوهاب

شيرين.. جرح تاني!

آه يا ليل.
إيه يعني غرامك ودعني؟
إيه يعني فارقني ولا رجع لي؟
.أوع لا تتغر يا قمري. أنا قلبي بيهوى بأمري

.كانت بداية تسلل شيرين عبد الوهاب، إلى قلوب الملايين كفنانة شابة بروح جاذبة وحضور جميل، ظهرت كفراشةٍ جميلة تطير من الفرح برغم ما في الأغنية من شجون. يجذبني صوتها العذب المشحون بالشجن، وأدائها الساحر الممزوج بالحب واللوعة ، تناجي الليل والحبيب ، تحاول اظهار التماسك بالرغم من أنها تتمزق من داخلها. يفضح صدقها انكسار قلبها، ولو قالت للحبيب ( اوع لا تغتر يا قمري أنا قلبي بيهوى بأمري). فما بين سطورالكلام تريد قول العكس تماما، تبدو متحديةً للحبيب الغادر، لكنها تتمنى عودته، فهي مفتونة بالحب المرتجى، تبدو غير أبهة بانتهاء موسم حب، لكنها تناور الحبيب، تتمنى عودته لأنها تظل في رحلة حب لا تنتهي، تذاكر سفرها الصدق و السهر والقلق والانتظار!شيرين، لا تغني كما يغني المغنون، بل تعيش حالة جذب صوفي، هكذا هي، منذ بداياتها الفنية صادقة، منفعلة، متمردة، متشظٍّية المشاعر، تهوى ولا تهوى، تفارق ولا تفارق،
فراشةٌ تحلق حول النور والنار، نارٌ تكاد تحرق الأجنحة ونورٌ يضئ.

تلعب شيرين، لعبة الفراشة والنار والنور، تلعبها في ثنائية وتضاد، تدور بين حالة الحب الخرافي وصدمة الحبيب المجافي، تناور وتلتف حول هوايتها، عشقها الأبدي. جرح ثاني.. وهو قلبي لسّه طاب من الأولاني ..أروح له ثاني.. وهو قلبي ينسى جرحه الأولاني..
شيرين، عاشقة للحب كفكرة، تتعايش معه كفلسفة حياة ؛ تدفعها طيبة قلب، ورهافة حس، تتوسل الحبيب دون أن تجد حرجاً؛ وهي بنت المجتمع الشرقي. أنا جاية أقولك إرجع إسمع علشان أنا صبري قليل..
كل مرة تهرب قرب على إيه إنت مسهرني الليل.. صدق شيرين، يعطي المتلقي شعور أنها تغني احساسها، تذوب في حالتها، تتملكها الكلمات وتأسرها الألحان ويستبد بها الطرب، تطربنا لكن قبل كل ذلك تطرب نفسها، يشعر المتلقي ذلك في تقمصها لكلمات أغنياتها، حين تلونها بصوتها وتنفخ فيها الحياة، وتحيلها الى قصة خاصة، حب خاص، قلب مثخن بالجراحات. تتمنى أن تعيش وتلملم جراحاتها، تحاول أن تحب، أن تقترب من النار من جديد.
كنت عارفة انك ح تبعد..
كنت عارفة انك أناني كنت بضحك على نفسي يمكن ألقى فيك فرحة زماني.
ما تمر به شيرين، من عذابات الحياة، لا يعكس حالة فنانة مرهفة فحسب، بل يعكس حالة توتر انساني وقلق دائم وسؤال وجودي تطرحه انسانة معطاءة كريمة المشاعر وسط عوالم لا تخلو من قسوة وجشع وغريزة حب الذات، ونفوس شريرة وتلك الإمارة بالسوء.
أنا كلي ملكك ..
أنا كلي حاجة حبيبي في بتناديك..

 

حلقت الفراشة السمراء؛ في حدائق غناء، تطير من وردة لوردة في حبور، وصعدت في السماء نجمة تتلألأ في عوالي الفنون تبهر المتلقين، تتدفق ابداعاً مثلما يتدفق نهر النيل في سيره الأبدي، تدلق ماءً عذباً سلسبيلاً في بحر الفنون. تسير كما النيل حين تعترضه صخور، يناور ويغير سيره مرحلياً ثم يعود إلى مساره الأزلي، وشيرين، كذلك لا تهزم، تعترض العقبات مسيرتها، إلا أنها لا تتوقف عن الغناء، تلملم شظايا القلب المكلوم، وتحضن نفسها.
عايزة حبك يبعد عني..
عايزة جرح يخرج مني.

كثيرا ما تجد شيرين، نفسها في مواجهة غير محسوبة بسبب عفويتها وتلقائيتها، الأمر الذي وضعها في صدامات عديدة لتخوض حرباً في أكثر من جبهة، وكثيراً ما تتعرض جبهتها الى قصف نيران صديقة؛ إلا أنها سرعان ما تخرج من المزالق بذات الطيبة والعفوية.أعلنت اعتزالها الغناء في عام ٢٠١٦، لكنها ضعفت أمام توسل المعجبين، وعادت أكثر حماساً للغناء، وحلقت شعر رأسها بعد اعلان طلاقها من زوجها السابق حسام حبيب، لكنها حولت الحادثة المأساوية في ظاهرها إلى ملهاة وسخرية وصعدت بذات صلعتها البهية فوق أحد المسارح بالمملكة العربية السعودية، غنت وكأنها حلقت شعرها خصيصاً للظهور بمظهر جديد.
من أكبر التحديات التي ظلت تواجه شيرين، بالدوام، أن حياتها الشخصية أصبحت ملكية عامة، ظلت تحركاتها وأفعالها باستمرار تحت الأضواء، فكان من الطبيعي أن تترصدها عدسات الكاميرات، وأن يتطفل المتطفلون على موائدها الخاصة، فتتعثر الخطى في مسيرة دروب الحياة، تحت فلاشات الكاميرات، وأضواء المسارح، ومع ذلك تظل تغني (( أنا كنت طول عمري جامدة))،
فهي الرومانسية، التي تحب بجنون، ثم ترفع الراية البيضاء لتغني((ماكر عارف نقطة ضعفي)).نسأل الله السلام والسلامة لملكة الغناء وفراشته السمراء، وأن تفوق من غفوتها، وتنهض من عثرتها؛ كي تعود لتغني مرةً أخرى بذات الجمال والعفوية والحضور الآسر.