عمرو سمبل يكتب قصة أم

كانت صبية بهية جميلة تلهو وتجرى وتنطلق فى الصحارى والربوع..لم تعرف الفقر ولا العطش ولا الجوع..فقد كانت كريمة من بنات الأصول….ثم حدث الطوفان الذى اكتسح الأخضر واليابس ,, ووقعت كريمة فى الأسر , زوجوها رغما عنها لأحد الغلمان ابن احد صغار رجال الأوجاقات ( أولاد الناس).. “ملحوظة..أولاد الناس هو تعريف اطلقه المصريون على المماليك الذين لم يعرف احداً لهم أصلا ولا فصلا..فقد عُرف المصرى الأصيل دوما باسم عائلة وإنتسب دائما لاب وأم…أما أولاد الناس فهم من لا عائلة لهم ولا أب ولا عم…ولا خال..فهم عديمى النسب..مقطوعى الأصل)”…ضعفت وهزلت بنت الأصول..جاعت وضاعت..لم يبالى بها أحد..الأدهى ان زوجها عندما مات ..كات كريمة قد أصبحت أما للكثير من الأطفال…فتزوجها ابن اخو زوجها المتوفى..كأنهم يتوارثونها مع المال والأرض والذهب..واستكمل الزوج الثانى رسالة الأول..إهانه واحتقار..تجويع وإفقار..حتى ابنائها من الأول والثانى لم يلقوا أبدا أى رعاية وأو إهتمام..تركوهم للشارع ليعيشوا مع الكلاب والحيوانات الضالة..ورغم ذلك احتفظوا ببعض ملامح اصول أمهم العزيزة…ثم مات الزوج الثانى…فكانت على موعد مع وريث ثالث…اهانها..واشبعها ضربا وإذلالا وتهميشا…برغم ان مجرد الإقتران بأسمها شرف لا يدانيه أى شرف أخر…ولكنه الأنتقام..جردوها من كل أملاكها التى كانت قد ورثتها عن عائلتها الكريمة…استمتعوا بها حتى فاق زاد عدد ابنائها ..وزاد فقرها بعد عز…وذلها بعد مجد..وجوعها..صارت تتسول من القاصى والدانى. وكان كل من يعطيها حسنة…يمارس الأذلال لها أكثر وأكثر…حتى ابنائها لم يسلموا من العدوان…فتكاثر عليهم ابناء الجورارى وأبناء الحرام وأبناء الشوارع..وكأنه انتقام من الشرفاء ابناء الشريفة الكريمة العزيزة الأبية…ثار ابنائها..وتجمعوا..واقسموا الا يعودوا الا بعد تطليق أمهم من شلة اللئام…وبالفعل..خلصوها من الذل الى الحرية…وفى الليل كانت شلة اللئام قد عرفوا ان الزوج الجديد هو الشيخ حسن النصاب،،، الذى يتاجر فى الدين نهارا،،، وفى الشرف ليلا،، لا يفارق المسجد ففيه يصلى ويعقد الصفقات ..فأتفقوا معا على كيفية استعادتها منه وأعتبروا زواجها منه زواجا مؤقتا…. كمحلل فقط…( حسب الشرع طبعا )….وبعد أيام عادت إلى عصمة اللئام….. وإستعادوا الام الكريمة ..فكان الإنتقام شرسا…وكان الإذلال أقسى..بلا شفقة ولا رحمة..وكان العقاب شديدا…بعض الأبناء فى السجن…والبعض الأخر اختفى أو ذاب فى لهيب الحر الهجير…والبقية صارت تلوم نفسها…

اما الأم العزيزة….فقد فرضوا عليها ان تتشح بالسواد ،،،و حبسوها فى غرفة عتيقة.لا يدخلها الهواء،،، ولا نور الشمس..ولا ضوء القمر….مع جردل ماء أسن..إما أن تشرب منه…أو تموت…ولأنها لا تموت ..فهى تعرف جيدا سر البقاء..وتحتفظ بسر أسرار النقاء…فهى تقاوم وتقاوم…وستظل تقاوم حتى اخر ورقة تتساقط فى أشجار أرضها ..رغم الجوع والعطش ..والإذلال.