أحمد الصويعي يكتب: الليبيون و ثلاثية الحرب و الحوار و النفط

من نافلة القول في الآونة الأخيرة أخذت الأمور تتجه إلى التصعيد لاشعال فتيل الحرب التى طال لهيبها المستعر البشر و الشجر و الحجر.
بالرغم من هشاشة وقف اطلاق النار الذي وقع عليه الطرفين في شهر أكتوبر الماضي من خلال اتفاق مجموعة 5+5 و التى اطلق عليها لجنة العشرة فيما بعد نجحت في عدم تجدد الصراع إلى الأن لكن حجم التوتر شديد الخطورة بفعل مؤثرات خارجية و يأتي ذلك في ظل اتجاه السنة نحو خط النهاية و عدم تحقيق تقدم ملموس في الحوار السياسي الذي يتطلع من خلاله الليبين إلى تعبيد الطريق لتوحيد مؤسسات الدولة المنقسمة إلى حكومتين و مؤسسات مالية و عسكرية موازية منذ سنة 2014.
تشهد المفاوضات التى تشرف على رعايتها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بهدف تعيين حكومة وحدة وطنية تعثر واضح حيث لم يتمكن ممثلي أطراف الحوار من الاتفاق على آلية اختيار المرشحين للمناصب العليا.
قبيل العودة للجهود السياسية تم التوصل في سبتمبر لاتفاق بخصوص عائدات النفط و استئناف الإنتاج و التصدير خفف ذلك من حدة التوتر و على مايبدو بات هذا الاتفاق يتجه نحو الانهيار بسبب تفاقم الصراع بين المؤسسة الوطنية للنفط و بين مصرف ليبيا المركزي و الذي قد ينجم عليه مشاكل مالية جديدة يصعب التنبؤ بمدى خطورتها على الاقتصاد المحلي.
جمود دواليب الحوار السياسي
مضى أكثر من شهر على عقد بعثة الأمم المتحدة ملتقى الحوار السياسي الليبي حيث يضم 75 ممثلاً عن المجلسين المتحاربين و بعض الشخصيات المستقلة حيث تم اختيارهم من قبل البعثة الأممية و بالتالي فهم لا يعكسون وجهة نظر رجل الشارع الليبي الذي يعيش بين المطرقة و السندان منذ سنوات عدة اعتبر المهتمين بالشأن الليبي أن الحدث خطوة مهمة على طريق الحل لصنع توافق حول تشكيل حكومة وحدة وطنية و رسم خارطة طريق لإجراء انتخابات برلمانية و رئاسية حدد موعدها في 24 ديسمبر 2021 و قد حصل تقارب حول الحاجة إلى مجلس رئاسي واحد يتألف من ثلاثة أشخاص و رئيس وزراء يعين على نحو منفصل لكي يكونوا بديلاً للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق بطرابلس هذا ما تمكن الذهاب إليه أعضاء الحوار الذي لم يبنى على أسس عادلة منذ الوهلة الأولى.
رغم محاولات سلق حل مسكن للحالة الليبية إلى الأن لم تهدأ مكوناته لإحداث مفعول يذكر تأثيره في حياة الشعب الليبي و لذلك فهي جعجعة بلا طحين و بالعودة إلى جولة المسكنات الأولى التى انطلقت في تونس بين 9-15 نوفمبر على اقدام عرجاء لا تقوى على الاستواء لوضع حل للأزمة الليبية فنتج عن ذلك وثيقة جاءت تحت عنوان (المرحلة التمهيدية للحل الشامل) و في غضون الأسبوعين التاليين جمدت الاجتماعات – التى أصبحت عبر تطبيق زوم (اجتماع افتراضي )لمناقشة آلية التصويت التى ينبغي اعتمادها لاختيار أعضاء المجلس الرئاسي و رئيس للوزراء حيث تم طرح 12 خياراً مختلفاً يمكن فرزها إلى ثلاث مجموعات.
افتقر 75 ممثل في الحوار لقدرة الاتفاق على الكيفية التى سيتم التصويت بها للمرشحين إلى المناصب العليا.
طرحت المجموعة الأولى اقتراح يهدف لتقسيم الممثلين المشاركين في الملتقى إلى ثلاث أقاليم شرق و غرب و جنوب هذا كل ما تفتق عن اذهان المشاركين و المراد كل اقليم يختار ممثله في المجلس الرئاسي على أن يكون اختيار رئيس الوزراء من اختصاص كامل أعضاء لجنة الحوار مع تغييرين أساسيين أولهما تصويت الكتل الإقليمية على مرشحها المفضل و بعد ذلك يفتح باب التصويت للجلسة العامة فقط و سيكون الاختيار مفتوحاً في المرحلة النهائية للجلسة العامة من البداية
بينما ترى المجموعة الثانية تقسيم أعضاء الملتقى بذات طريقة الدوائر الانتخابية شرط ان يقوم كل منها باختيار مرشح واحد لمجلس الرئاسي و عقب ذلك يفتح التصويت النهائي لكل الممثلين.
بناءاً على هذه المقترحات سيتم تكليف أعضاء كل دائرة انتخابية أيضًا بتأييد مرشح لمنصب رئيس الوزراء من دائرتهم ، وترك اختيار المرشح الفائز النهائي للتصويت العام.
في حين تقترح المجموعة الثالثة التصويت الشامل على قوائم معدة بشكل مسبق لاعضاء المجلس الرئاسي الثلاث و رئيس الوزراء حيث سيحتاج كل منهم على الأقل إلى خمسة عشر عضوًا في الملتقى للمصادقة عليه قبل طرحها للتصويت.
مع توافر آليات مختلفة لتحديد الاختيارات تبقى العقبة الاصعب من سيظفر برئاسة المجلس المكون من ثلاثة أعضاء لضمان أن يكون الرئيس و رئيس الحكومة من منطقتين مختلفتين فهذه هي حدود رأي لجنة الحوار الليبي التى تفكر بمنطق المحاصصة التى يعاني من نتائجها الشعب العراقي و اللبناني إلى اليوم مع فارق التشبيه نظراً لعدم وجود طوائف في الحالة الليبية…
ما سبق يظهر جلياً أن مركبات المعادلة تم اختيارها بعناية فائقة لضمان عدم حدوث توافق يدفع عجلة العملية السياسية إلى الأمام لغاية في نفس يعقوب
و يضاف لذلك بروز المفسدين برؤوسهم من داخل الحوار بدوافع مختلفة أحدها لافساد تشكيل حكومة جديدة لكي يستمر السراج في السلطة و ببساطة لتعظيم المستفيدين لمصالحهم من الوضع القائم على الفوضى و التسيب و نهب الاموال فيما يعتقد البعض الأخر أن تسليم السلطة لحكومة جديدة سيجعل الانتخابات المقرر موعدها في نهاية السنة المقبلة في حكم المؤجل إلى أجل غير مسمى.
و هنا نشير إلى أن رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالإنابة ستيفاني ويليامز ستغادر منصبها نهاية شهر ديسمبر الجاري حيث من المحتمل أن يتم طي صفحة اختيار حكومة وحدة وطنية بمجرد رحيلها ما لم يعطي خليفتها نفس جديد للجنة 75 فمن المستبعد أن يواصل في ذات الحلقة المفرغة لن يقفل باب التكهنات حتى يعلن المبعوث الأممي الجديد خطته لحل الأزمة الليبية.
إنتاج النفط بين التأرجح و الاستمرار
لقد بدأت موجات الخوف من انهيار إنتاج النفط في ازدياد متجدد و تزامن ذلك مع مخاوف أكبر من عدم قدرة قطاع النفط على التعافي بسبب الإقفال لمدة طويلة و التى تستدعي ضرورة إجراء صيانة تعيد الثروة الرئيسة بل و مصدر الدخل الوحيد في البلاد إلى حيويتهِ حيث بلغ إنتاج النفط 1.3 مليون برميل يومياً في أوائل شهر ديسمبر فالمخاوف حول توقف إنتاج النفط بحلول نهاية السنة الجارية في طريقها إلى الذروة إذا استمر الخلاف قائم حول إدارة عائدات النفط دون وضع حل يتناسب و الظروف الراهنة.
يتركز الخلاف حول إجراءات دفع مبيعات النفط المهيجة للجدل التي وضعتها حكومة طرابلس والمؤسسة الوطنية للنفط ذات الملكية العامة في سبتمبر كجزء من الصفقة.
ترمي الترتيبات التي تدعمها الولايات المتحدة والأمم المتحدة ، والتي لم يعلن عنها إلا في الأسابيع الأخيرة إلى رفع الحصار على قطاع النفط في جميع أنحاء البلاد منذ يناير 2020 و بموجب هذه الصفقة قامت حكومة طرابلس والمؤسسة الوطنية للنفط بتعديل طريقة إدارة عائدات النفط مبتعدة عن الإجراء المعياري الذي كان قائماً في فترة نظام القائد الشهيد معمر القذافي ، الذي قامت بموجبه شركات النفط الدولية بتسديد المدفوعات إلى المصرف الليبي الخارجي ، الذي يقوم بتحويل الأموال تلقائيًا إلى خزائن مصرف ليبيا المركزي.
في هذا الإطار تم وضع طريقة جديدة تحتفظ بموجبها المؤسسة الوطنية للنفط بإيصالات التصدير بشكل “مؤقت” في حسابها الخاص مع المصرف الليبي الخارجي إلى أن تشكل حكومة وحدة وطنية جديدة و توحيد مصرف ليبيا المركزي الذي تم تقسيمه منذ سنة 2015 إلى حكومة مفروضة دولياً في طرابلس وفرع موازٍ معترف به من بعض الدول الإقليمية في الشرق.
الطريقة الجديدة تشعل الجدل لأسباب كثيرة لعلها من ابرزها لا يوجد وثيقة قانونية تتيح للمؤسسة الوطنية للنفط تغيير آلية الدفع و الأمر الثاني كان من المقرر أن تنتهي الآلية المشار إليها بعد 120 يوماً أي بحلول نهاية شهر ديسمبر.
في ظل عدم تحقيق تقدم جوهري في عملية الحوار
السياسي من أجل تشكيل حكومة جديدة أو إعادة توحيد مصرف ليبيا المركزي إن الصورة ضبابية قاتمة و السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا هل سيتم إلغاء الترتيب واستعادة آلية الدفع السابقة في نهاية السنة الحالية ؟؟
في الوقت الذي يريد فيه مصرف ليبيا المركزي في طرابلس العودة إلى الآلية القديمة!! لكن الاقدام على هذه الخطوة قد يزيد من احتمالية ضرب حصار جديد على قطاع النفط و في السياق ذاته يشكل سريان ترتيبات الدفع بالطريقة التى تريدها المؤسسة الوطنية للنفط كونها وسيلة لديمومة استمرار إنتاج النفط دون انقطاع حسب وجهة نظرها.
ذلك يترتب عليه إثارة مشكلة حول الكيفية التى سيغطي بها مصرف ليبيا المركزي مدفوعات الموازنة الإلزامية في حال عدم وصول عائدات أموال النفط لهُ لأول مرة البلاد في تاريخها تمر بهذه المعضلة الخطيرة نتيجة غياب دور الدولة و وحدة العمل المؤسسي.
هل سيحدث تقارب يطرح حلاً تتاح معه تعديل آلية الدفع عبر حل وسط ذو مقبولية من الجميع؟؟ و لايزال المشهد ملبد بالغيوم و لم تقدم أية مقترحات عملية حول هذا الشأن.
جاء كل ذلك نتيجة الصراع الطاحن على عائدات النفط و النزاع حول السيطرة على مصرف ليبيا الخارجي المصرف التجاري و الاستثماري الرئيسي في ليبيا و الذي تعود ملكيته لمصرف ليبيا المركزي
و لايزال منصب المدير فيه شاغراً إلى الوقت الحالي اشتد الخلاف حول من سيدير المصرف الخارجي منذ سنوات و في نوفمبر ارتفع سقف الخلاف و ظهر إلى العلن عندما ادعى كل من المدير السابق للمصرف و المصرف المركزي وحكومة طرابلس بالحق في رئاسة المصرف.
هذا المأزق قد يدفع المؤسسات النقدية الدولية إلى إنهاء أو تقييد جميع العلاقات التجارية مع هذا المصرف في إجراء يُعرف باسم “إزالة المخاطر”.
قد تعقب هذه الخطوة نتائج لا تحمد عواقبها على القطاع المالي الليبي و السبب في ذلك أن هذه المؤسسة أساسية لإدارة كل من عائدات النفط الليبية و نظام الاستيراد والتصدير.
إن تسوية الخلاف حول مصرف الليبي الخارجي وكذلك إيجاد حل وسط حول كيفية إدارة عائدات النفط الليبي ضرورة ملحة و إهمالهما قد يساعد على إشعال فتيل الحرب و تدهور الأوضاع المعيشية للمواطن الليبي الذي يعيش وسط ظروف سيئة للغاية فالصراع المسلح لم يجني منه شعبنا إلا الويلات و الدمار و زيادة تهتك النسيج الاجتماعي اللييي
كل المشكلات العالقة تتطلب صياغة إطار موضوعي يوفر مظلة للأطراف الليبية كافة على قدم المساواة للجلوس لطاولة حوار ليبي حقيقي يفضي لحل الأزمة الليبية الخانقة و ليس حوار لتدوير مخلفات الأزمة.