سحر رجب
تسود حالة من الترقب في المحافل الدولية والعربية انتظارا لصدور قرار محكمة العدل الدولية بشأن الدعوى التي رفعتها دولة جنوب أفريقيا وتضامنت معها العديد من الدول ضد اسرائيل للمطالبة بوقف الإبادة الجماعية والتمييز العنصري الذي تقترفه بحق الشعب الفلسطيني، ويتوقع أن يصدر قرار المحكمة في جلسة علنية بحلول الساعة الواحدة ظهرا غدا بتوقيت هولندا.
وفي هذا السياق عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، اجتماعاً قبيل إصدار محكمة العدل الدولية حكمها الابتدائي بشأن طلب تقدمت به جنوب أفريقيا بإلزام إسرائيل بوقف حربها في غزة، وحضر الاجتماع، المدعي العام ورئيس مجلس الأمن القومي ووزير الشؤون الاستراتيجية ووزير العدل وآخرين.
وكانت جنوب أفريقيا قد رفعت دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية اتهمت فيها إسرائيل بارتكاب جرائم “إبادة جماعية” بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، وذكرت حكومة جنوب إفريقيا أن محكمة العدل الدولية ستصدر قرارها غدا الجمعة، بشأن التدابير المؤقتة المطلوبة في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها ضد إسرائيل، وقد وصل إلى لاهاي وفداً حكومياً من السلطة الفلسطينية و جنوب إفريقياً بانتظار القرار .
وسائل الإعلام الإسرائيلية من جانبها قامت بتحليل السيناريوهات المحتملة التي قد تصدر عن المحكمة، واتهمتها بأن قضاتها قد يكونون منحازين ضد إسرائيل. وتوقعت صحيفة “هآرتس” أن تصدر محكمة العدل الدولية قرارات قد تجبر إسرائيل إما على إعادة النازحين الفلسطينيين إلى مناطق شمال قطاع غزة، أو على زيادة إيصال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، وربما تصل في النهاية إلى فرض وقف للعمليات الحربية على القطاع.
وفي الوقت نفسه اتخذت إسرائيل عدة إجراءات، منها تهديد وزراء ومسؤولين إسرائيليين بمحاكمتهم في حال استمرت تهديداتهم التي تدعو إلى استهداف المدنيين في قطاع غزة.
ويتوقع في حالة صدور قرار ملزم لإسرائيل وفقًا للأعراف أن يتم نقل الملف من المحكمة إلى مجلس الأمن الدولي، مما يضع الولايات المتحدة والدول الداعمة لاسرائيل في وضع محرج حيث قد تضطر لاستخدام الفيتو ضد القرار الصادر عن المحكمة، وهو أمر غير مسبوق، وما يؤكد ذلك أن حكومات تل أبيب دأبت على ألا تكترث للضغوطات التي تمارسها محكمة العدل الدولية، لكن هذا الضغط سينتقل إلى الإدارة الأميركية، الأمر الذي يعني امكانية تعرض إسرائيل لضغوط من إدارة بايدن.
ومن المنتظر أن تصدر هيئة المحكمة المكونة من 17 عضوا حكمها بشأن التدابير المؤقتة التي تشمل أمر إسرائيل بوقف العمليات العسكرية في غزة أثناء البت في القضية، وتأتي هذه الخطوة ردا على رفع جنوب إفريقيا دعوى قضائية ضد إسرائيل بسبب الانتهاكات من جانب الحكومة الإسرائيلية لالتزاماتها بموجب “اتفاقية “الإبادة الجماعية”.
وقالت إن إسرائيل “ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة وتفشل في منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها”، وطلبت من محكمة العدل تطبيق “تدابير مؤقتة” لحماية حقوق الفلسطينيين في غزة “من خسارة في الأرواح والممتلكات بسبب القصف العشوائي للمناطق السكنية ومخيمات اللاجئين بما يعتبر خسارة فادحة لا يمكن تعويضها”.
وستكون تلك “التدابير المؤقتة” بمثابة نوع من التقييد لمنع تصعيد النزاع بينما تتقدم القضية بأكملها عبر المحكمة، وهو الأمر الذي قد يستغرق سنوات، ورغم أن أحكام المحكمة نهائية وملزمة، إلا أنها لا تملك من الناحية العملية أي وسيلة لتنفيذها. وكانت جنوب إفريقيا قد تقدمت بدعوى مكونة من 84 صفحة في الأول من ديسمبر الماضي، عرضت خلالها دلائل على انتهاك إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال لالتزاماتها بموجب ميثاق الأمم المتحدة، وتورطها بـ”ارتكاب أعمال إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة”.
ويتوقع أن لا تتطرق محكمة العدل الدولية للمسألة الرئيسية المتعلقة بما إذا كانت إسرائيل ترتكب إبادة جماعية، لكن من المتوقع انها ستنظر فقط في إمكانية اتخاذ إجراءات عاجلة محتملة لحين نظر المحكمة في القضية بشكل كامل وهي عملية تستغرق مدة طويلة ربما تصل الي سنوات. وكان الفريق القانوني لجنوب أفريقيا قال خلال المرافعة أمام المحكمة إن إسرائيل تكثف جرائمها ضد الفلسطينيين منذ عام 1948، وإنها تخضع الفلسطينيين لنظام فصل عنصري، مضيفا أن المجتمع الدولي فشل في منع الإبادة الجماعية في غزة.
وخلال المرافعة في 29 ديسمبر الماضي، أشار الفريق إلى أن أفعال إسرائيل في حرب غزة تشير إلى نية ارتكاب إبادة، وأن مئات من العائلات في غزة قتلت بالكامل، ولم يبق منها أي فرد على قيد الحياة.
وعلى الصعيد الدولي عبر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف عن أمله في أن “تلتزم محكمة العدل الدولية بمعايير القانون الدولي بشأن قضية الإبادة الجماعية في غزة”. فيما أعلنت بليجكا عن دعمها الكامل للقضية أمام محكمة العدل الدولية ،وأكدت أنه إذا طلبت المحكمة من إسرائيل وقف عمليتها العسكرية ضد غزة، فإن بلادنا ستدعمها بشكل كامل باعتبارها دولة تتحمل مسؤوليتها تجاه حقوق الإنسان والقانون الإنساني، وبمواصلة الالتزام في تحقيق هدف ضمان إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة بشكل كامل في أقرب وقت ممكن، على كافة المستويات.وأنها ستواصل السعي داخل الاتحاد الأوروبي وعلى المستوى الدولي، من أجل وقف دائم لإطلاق النار، ووصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل، والإفراج عن الأسرى، والامتثال للقانون الدولي وحل الدولتين.
ومن الممكن أن تأمر المحكمة إسرائيل بوقف حملتها العسكرية في غزة التي أطلقتها إثر الهجوم غير المسبوق الذي شنته عليها حركة حماس في 7 أكتوبر، يذكر أن جنوب أفريقيا اتهمت إسرائيل بانتهاك اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، المبرمة في العام 1948 كرد عالمي على المحرقة اليهودية. وطلبت بريتوريا من محكمة العدل الدولية أن تصدر ما يسمى بـ “التدابير المؤقتة”، وهي أوامر طارئة لحماية الفلسطينيين في غزة من الانتهاكات المحتملة للاتفاقية، وهذه الأوامر الصادرة عن محكمة العدل الدولية التي تبت في النزاعات بين الدول، ملزمة قانونا ولا يمكن الطعن فيها، لكن المحكمة لا تملك سلطة واسعة لتنفيذ أحكامها.
وفي حالة صدور قرار عن محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل سيزيد الضغط السياسي على الدولة العبرية،
ويتوقع مراقبون كثر أنه يمكن أن يكون بمثابة حجة لفرض عقوبات عليها، لوقف الحرب التي اندلعت في غزة بعدما شنت حماس هجومها غير المسبوق في 7 أكتوبر من العام الماضي، والذي أسفر عن مقتل نحو 1140 شخصا في إسرائيل. فيما قتل جراء الحملة العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة أكثر من 25700 فلسطيني، حوالى 70% منهم من النساء والقصّر، وفق وزارة الصحة التابعة لحماس. ودفع الفريق القانوني لجنوب إفريقيا بأن حملة القصف الإسرائيلية تهدف إلى “تدمير الحياة الفلسطينية” ودفعت سكان غزة “إلى حافة المجاعة”.