عقدت الأسبوع الماضي القمة الروسية الأفريقية الثانية في سان بطرسبرغ، وشارك فيها 17 من القادة الأفارقة من بينهم فيها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والجنرال عبدالفتاح البرهان قائد القوات المسلحة السودانية ورؤساء أريتريا ومالي وبوكينا فاسو وجمهورية أفريقيا الوسطى، وجرت اجتماعات القمة على مدار يومي 27 و28 يوليو الماضي لبحث سبل زيادى التعاون والشراكة بين الدول الأفريقية وروسيا في ظل استمرار الحرب مع أوكرانيا وأثارها السلبية على واردات الحبوب الهامة للدول الأفريقية، وتعهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدى افتتاحه القمة بتقديم شحنات من 25 إلى 50 الف طن من الحبوب مجانا لكل من بوركينا فاسو وزيمبابوي ومالي والصومال وجمهورية أفريقيا الوسطى وإريتريا، على خلفية قلق الدول الأفريقية من توقف اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية في البحر الأسود، كما أكد بوتين أن موسكو تتطلع إلى حصول الاتحاد الأفريقي على العضوية الكاملة بمجموعة العشرين.
دبلوماسية الأسلحة
تمثل مبيعات الأسلحة أحد أهم ميادين الشراكة التي تريد روسيا تعزيزها مع القارة الأفريقية، وسبق لموسكو أن أعلنت خلال السنوات الماضية عن نيتها وعزيمتها في تعزيز الشراكة العسكرية مع العديد من دول القارة السمراء بما في ذلك الكاميرون وإثيوبيا وجنوب أفريقيا وحتى مالي التي استقدمت إلى أراضيها عناصر مجموعة “فاغنر” قائلة إنها ستساعدها على نشر الأمن ومحاربة الإرهاب.
وتعتبر مثل هذه الاتفاقيات ليست بالجديدة والدليل على ذلك ففي زمن الاتحاد السوفياتي، استثمرت موسكو في مجال بيع الأسلحة لصالح الكثير من الدول الأفريقية، ومع تراجع الشراكة بسبب انهيار الاتحاد السوفياتي، سعت روسيا منذ عقدين من الزمن إلى إعادة تفعيلها وتنشيطها من جديد، كما قامت أيضا مجموعة “فاغنر” العسكرية وبالتوازي مع ذلك، بتوسيع رقعة تواجدها وتأثيرها في كل من أفريقيا الوسطى ومالي والسودان وحتى ليبيا.
وخلال عامي 2018 و2020 ارتفعت صادرات الأسلحة من روسيا والصين إلى دول جنوب صحراء أفريقيا وفق المعهد الدولي للبحث عن السلام المتواجد في ستوكهولم، من 21 بالمئة إلى 26 بالمئة، لكن ومع ذلك، أظهر نفس التقرير أن مبيعات روسيا العسكرية لا تمثل سوى حصة صغيرة (12 بالمئة في 2022) من الحجم الإجمالي لمبيعات الأسلحة التي عرفت تراجعا ملحوظا في السنوات الأخيرة وبالتزامن أيضا مع الحرب في أوكرانيا، لكنها في نفس الوقت مهمة باعتبارها تمثل أهمية استراتيجية بالغة وهي أداة من أدوات التأثير السياسي الروسي.
كما تعتبر الصادرات العسكرية الروسية ذات أهمية بالغة كونها تشارك في تعزيز وتقوية الأنظمة القمعية في القارة الأفريقية والنخب السياسية التي لا تبالي كثيرا بقضايا حقوق الإنسان، لا سيما في بعض البلدان مثل بوركينا فاسو ومالي اللتين تنظران إلى الشراكة العسكرية مع موسكو على أنها رهان كبير خاصة بعد طلب هذه البلدان من فرنسا سحب قواتها العسكرية من أراضيها.
معركة الحبوب
وبالإضافة إلى المجال الأمني، تقيم روسيا أيضا شراكة مهمة في المجال الزراعي مع القارة الأفريقية وتعتبر من الدول الأولى التي تصدر القمح للقارة، وجاء توقيت انعقاد القمة في وقت قررت فيه موسكو الانسحاب من الاتفاق الذي يسمح بتصدير القمح الأوكراني عبر البحر الأسود والذي تعتبره الأمم المتحدة مهما جدا كونه يحافظ على التوازن في الأسعار ويمنع وقوع أزمة غذائية عالمية، وتطالب روسيا الدول الغربية بتخفيف العقوبات المالية المسلطة عليها والتي تعرقل تجارتها الدولية في مجال بيع الحبوب وصادراتها من الأسمدة والمعدات الرزاعية.
التكنولوجيا والطاقة
كان الكرملين قد نشر في 23 يوليو، أي قبل بضعة أيام فقط من افتتاح القمة، رسالة للرئيس الروسي لخص فيها “المحاور الأساسية في مجال الشراكة” بين الطرفين، وتضمنت المجال التكنولوجي والطاقة والاستكشاف الجيولوجي، إضافة إلى المحطات النووية والصناعات الكيمياوية واستثمار المناجم والمواصلات، ومن بين المشاريع الكبرى التي أطلقتها روسيا في السنوات القليلة الأخيرة، مشروع الاستثمار والبحث عن الغاز في البحر بالموزمبيق من قبل شركة روسنفت أو مشاريع بناء محطات نووية من قبل شركة روزاتوم في كل من جنوب أفريقيا ومصر.
وتحتاج أفريقيا إلى تمويلات مشتركة في مجالات الطاقة والبتروكيماوية والبنية التحتية والأمن السيبراني، وهذه المجالات تعتبر في متقدمة إلى حد ما في روسيا ويمكن أن تقدمها خاصة وأن الخبرات الروسية باتت سهلة الاقتناء وقواعد الشراكة تتسم بنوع من المرونة مقارنة ببعض الدول الغربية.
المبادرة الأفريقية للسلام
وفي كلمته في القمة دعا رئيس جنوب إفريقيا ، سيريل رامافوزا ، إلى السلام في أوكرانيا خلال خطابه يوم الجمعة في القمة الروسية الأفريقية في سان بطرسبرج، كما أعرب رامافوزا عن قلقه من قضية الأمن الغذائي في إفريقيا بعد انسحاب روسيا من صفقة الحبوب،وقال “ما زلنا ندعو إلى السلام وبطريقة نشعر أن لدينا الحق في الدعوة إلى السلام لأن الصراع المستمر كما سمعتم على مدار اليوم يؤثر أيضًا سلبا علينا، بصفتنا أفارقة، فإن هذا الصراع يؤثر علينا الآن بشكل مباشر أيضًا. وكما قلنا لك في المرة الأخيرة فيما يتعلق بالأمن الغذائي ، فقد ارتفع سعر الأسمدة لدينا، ومن جانبه أعرب الرئيس الروسي بوتين عن ترحيبه بالمبادرة الأفريقية بشأن أوكرانيا، وأشاد خلال حديثه في ختام القمة بالمبادرة بالاضافة إلى جهود الصين في إيجاد حل للصراع، وقال أننا تحدثنا حولها لمدة ساعة ونصف حيث تحدث الجميع في هذه القضية.
وتسعى روسيا لضمان تأييد الدول الأفريقية لها خاصة في ظل استمرار العقوبات الغربية عليها منذ بدء الحرب في أوكرانيا، فقد امتنعت حوالي 20 دولة في مارس 2022 عن التصويت لصالح قرار أممي يدعو روسيا إلى سحب قواتها العسكرية من أوكرانيا، وفي هذا السياق يبدو أن الرؤساء الأفارقة لا يريدون دعم الغرب في صراع لا يعنيهم. لكن هذا لا يعني بأنهم يساندون روسيا، فالأفارقة أثبتوا بأنهم مستعدون للتوقيع على مشاريع اقتصادية لكنهم في نفس الوقت لا يريدون أن يستخدموا كأداة في الصراع الروسي الأوكراني والغرب.