فوبيا كراهية الأجانب واللاجئين في مصر

وجدي  عبد العزيز

أدهشني التصريح الأخير الذي ألقاه رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي بأن “استضافة اللاجئين تكلف مصر أكثر من 10 مليارات دولار سنويًا، تتحملها الدولة رغم الأزمة الاقتصادية التي تجابهها“. ورغم إشارته إلى اعتبارهم ضيوفا ولم يسمهم لاجئين، فأني ومن خلال متابعتي واهتمامي بقضايا الهجرة واللجوء أكاد أن أجزم بأن هذا التصريح يعد متسرعاً وغير موفقاً وغير واقعياً، وأنه يأتي بعد أيام قليلة من ترأسه اجتماعا رسميا لبحث سبل تحديد أعداد الأجانب في مصر ورصد تكلفة الخدمات التي تقدمها الحكومة المصرية للاجئين، كما جاء أيضا بعد أيام من قرار تمديد قراره السابق بشأن تقنين وتوفيق أوضاع الأجانب المقيمين في مصر، وتكثيف حملات التوعية عبر التليفزيون الرسمي للدولة بضرورة توجه الأجانب لإدارة الجوازات والهجرة لتنفيذ القرار الذي قبيل 30 يونيو القادم، ذلك القرار الذي ينص على إلزام الأجانب المقيمين في مصر بصورة غير شرعية بتوفيق أوضاعهم وتقنين إقامتهم، واستخراج الكارت الذكي للإستفادة من الخدمات الحكومية، شريطة وجود مستضيف مصري مقابل إيداع مصروفات إدارية تعادل ألف دولار بالحساب المخصص بالبنوك المصرية.

وما أثار هذه الحملة وصول عدد الأجانب واللاجئين إلى أكثر من 9 مليون مهاجر ولاجئ حسب تقرير أصدرته منظمة الهجرة الدولية، وكرر هذا الرقم أكثر من مسئول في الدولة، بما يدفع البعض للتساؤل من يتحمل تكلفة معيشة هؤلاء الناس الذين تتجاوز أعدادهم سكان العديد من الدول، ولعله من المؤسف أن هذا التصريح يأتي في سياق تجدد الحملات الكراهية والعنصرية ضد الأجانب واللاجئين في مصر، مما يعطيها زخماً أضافياً حيث اتخذت حملة معاداة الأجانب والمهاجرين واللاجئين الحالية أبعاداً جديدة بعدما انتشرت على السوسيشال ميديا والكثير من القنوات الفضائية مقولات يروجها مطلقي الحملة عبر الهاشتاجات الكثيرة مثل مصر للمصريين، وترحيل اللاجئين مطلب وطني، وانا المصري أولى ببلدي، وغيرها الكثير على موقع X  “تويتر سابقا” والفيس بوك، ومن السهل ملاحظة أن الكثير من مروجي هذه الهاشتاجات من مؤيدي القيادة السياسية ويدعمون الحكومة المصرية بشكل لافت في قراراتها مهما كانت صعبة على القبول الشعبي.

في الحقيقة أن هذه الحملات تتزايد كلما مرت بالبلاد ظروف اقتصادية عصيبة، وغالبا ما يلقى باللوم على الأجانب والمهاجرين واللاجئين بدعوى أنهم سبباً مباشراً وأساسياً فيما يواجهه المصريين من أزمات، وكانت موجة النزوح الأخيرة للأشقاء السودانيين بعد اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023 التي استقبلت مصر خلالها حوالي نص مليون سوداني، دافعاً لعودة نغمة معاداة الأجانب، ولكنها أخذت في التصاعد مؤخراً بفضل انهيار قيمة الجنيه المصري أمام الدولار بفعل عملية تحرير سعر الصرف تنفيذاً لشروط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للتمكن مصر من الحصول على قروض جديدة.

وكانت الحكومة المصرية قد نجحت في الفترة الأخيرة بالحصول على تمويلات متمثلة في منح وقروض تقدر بحوالي 7 مليار و400 مليون يورو ضمن اتفاق الشراكة الاستراتيجية بين مصر والاتحاد الأوروبي، بما يوضح مدى اهتمام دول الاتحاد باستمرار سياستها الخاصة بمنع تدفق المهاجرين واللاجئين إليها من دول الشرق الأوسط وجنوب الصحراء الأفريقية، واعتمادها على النظام المصري في حراسة الحدود ومنع انطلاق قوارب المهاجرين من سواحلها، وهذا ما نجح فيه النظام منذ عام 2016، ولكن يلاحظ أن موجات المهاجرين بدأت تنطلق من السواحل الليبية، ويعد تزايد اعداد المهاجرين واللاجئين من أهم القضايا على الساحة الاوروبية مؤخراً، وهذا ما يدفع دول الاتحاد لعقد الاتفاقات الثنائية مع دول مثل مصر وتونس في محاولة للحد من تدفق هؤلاء المهاجرين واللاجئين.

ولعلك عزيزي القارئ قد تصادف الكثير من الأجانب من المهاجرين واللاجئين بعد استقبال عدة ملايين من الدول العربية الشقيقة مثل العراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان وغيرهم من الدول الإفريقية. والحقيقة ان هناك خلطا واضحا بين التعريفات المختلفة لكل من المهاجر الإقتصادي أو المقيم الأجنبي أو اللاجئ أو طالب اللجوء، ورسميا تسضيف مصر فقط 575 الف من اللاجئين وطالبي اللجوء المسجلين من 61 دولة مختلفة، واللاجئون طبقا لتعربف المفوضية العليا لشئون اللاجئين هم من يضطرون لمغادرة بلادهم خوفا على حياتهم بسبب اندلاع الحروب والصراعات المسلحة، ويجبرون على ترك بيوتهم وأعمالهم ومدارسهم وجامعاتهم ليعيشوا في بلد غير بلدهم، وهؤلاء هم من يطلق عليهم كلمة لاجئون، وأقلية منهم يطلبون للحصول على صفة اللاجئ بشكل رسمي من خلال التقدم لمفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين، والواقع أن الغالبية من المهاجرين يعيشون جنبا إلى جنب مع المصريين دون الحصول على هذه الصفة التي تمنحها المفوضية بالاتفاق مع الحكومة المصرية تنفيذا لاتفاقية 1951 الدولية الخاصة بوضع اللاجئين.

وتأتي حملة كراهية الأجانب واللاجئين لتخدم مساعي الحكومة لإستثمار المخاوف الأوروبية بالسعي للمطالبة بتقاسم والمساهمة في تحمل تكلفة استقبال الأعداد المتزيدة من المهاجرين واللاجئين، وفي هذا السياق يأتي تصريح رئيس الوزراء السابق، حيث أن الأوضاع الاقتصادية المتردية في مصر تدفع الاتحاد الأوروبي إلى الخشية من اتجاه غالبية هؤلاء المهاجرين واللاجئين إلى المغامرة وركوب قوارب الموت العابرة للبحر المتوسط أملاً في الوصول إلى الشؤاطئ الأوروبية وهو ما يمثل تهديدا حقيقياً على دول الإتحاد التي تعاني من تزايد أعداد اللاجئين والمهاجرين إليها، ولذلك فهي تنفق المليارات بالإتفاق مع دول جنوب المتوسط لحراسة الشواطئ ومنع تدفق موجات المهاجرين واللاجئين.

ولكن لاتزال هناك مخاوف من طبيعة هذا الدعم والمساندة المتوقعة في تحمل تكلفة استضافة الأجانب واللاجئين بما قد ينطوي على دفع النظام المصري لتغيير موقفه الرافض لاستقبال اللاجئين الفلسطينين في سيناء، وذلك في ظل تطورات العدوان على قطاع غزة والتهديد باجتياح مدينة رفح الفلسطينية المكتظة بالنازحين وتعدادهم يصل إلى مليون ونصف فلسطيني بالقرب من الحدود المصرية، مما يثير المخاوف بشأن الضغط على مصر لاستقبال أعداد كبيرة منهم في حالة الإجتياح الصهيوني لرفح، وهو ما قد يدفع بالنازحين الفلسطينيين للهروب إلى سيناء في حالة بدء العمليات العسكرية إذا لم يتم التوصل إتفاق للهدنة.

إن هناك حاجة ماسة لتحديد دقيق لأعداد الأجانب والمهاجرين واللاجئين وعدم الخلط بينهم قبل الإنزلاق في توجيه اللوم إليهم، وتكثيف دعوات ابعادهم أو ترحليهم كما تدعو حملات الكراهية المنتشرة، ولذلك لمعرفة احتياجاتهم وما الذي يمكن أن تقدمه لهم الحكومة من خدمات تعليمية او صحية أو توفير فرص للعمل أو السكن، ويمكن بعد ذلك أن تطالب الحكومة المجتمع الدولي بتحمل مسئوليته في مشاركة الحكومة المصرية في توفير مثل هذه الخدمات لمن يحتاجها من اللاجئين.