وجدي عبد العزيز
شهدت النيجر الأسبوع الماضي إنقلابا كلاسيكيا على الرئيس محمد بازوم الذي حكم البلاد من أبريل 2021، حيث قامت قوات الحرس الرئاسي باحتجاز الرئيس بالقصر، وأعلنت تشكيل مجلس انتقالي برئاسة عبد الرحمن تشياني قائد قوات الحرس، وعطلت العمل بالدستور واغلقت حدود البلاد وحذرت من التدخل الخارجي بكل أشكاله، فيما خرجت مظاهرات مؤيدة للإنقلابيين وأحرقت مقر الحزب الحاكم ومظاهرات ضخمة أمام مقر السفارة الفرنسية مطالبة بوقف التدخل والهيمنة الفرنسية وترحب بالتعاون مع روسيا، ويعد ذلك الإنقلاب في حالة استمراره رغم الضغوط والإدانات الإقليمية والدولية مؤشراً جديدا على تقلص النفوذ الفرنسي في مستعمراتها السابقة في غربي ووسط أفريقيا، بعد انقلابي مالي وبوركينا فاسو الدولتين المجاورتين للنيجر، حيث تشهد تلك المنطقة اضطرابات دائمة بسبب تردي الأحوال الاقتصادية والمعيشية للسكان رغم امتلاك هذه الدول لموارد طبيعة هامة ونادرة تستنزفها القوى الإستعمارية بالتعاون مع النخب الحاكمة، وأيضا بسبب تزايد نفوذ وهجمات الجماعات الإسلامية المسلحة التابعة لتنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة، كما يعطي هذا الإنقلاب فرصة لزيادة الوجود الروسي بدعوى حفظ الأمن ومجابهة الجماعات الإسلامية وإمداد الحكام الجدد بالسلاح والتدريب والتأمين عبر قوات فاجنر المنتشرة في دول الجوار.
أهمية النيجر
تقع النيجر غربي القارة الأفريقية. تحدها شمالا الجزائر وليبيا، وشرقا تشاد، وجنوبا نيجيريا وبنين، وغربا بوركينا فاسو ومالي. لذلك، فهي دولة حبيسة بين 7 بلدان، ويبلغ إجمالي مساحة النيجر نحو 1.3 مليون كم مربع، الأمر الذي يجعلها أكبر دولة في منطقة غربي أفريقيا من حيث المساحة، ويتركز نحو 80% من سكانها في أقصى الجنوب والغرب للبلاد، في العاصمة نيامي، وهي أكبر مدن النيجر، ويصل عدد سكان النيجر إلى 26 مليون نسمة، الأغلبية الساحقة منهم مسلمون، وتتميز النيجر بوجود موارد طبيعية كثيرة فيها، منها اليورانيوم، والألماس، والذهب، والفحم، وتحتل النيجر المركز الرابع عالميا في إنتاج اليورانيوم، فالنيجر تضيء فرنسا باليورانيوم، إذ تغطي 40% من الاحتياجات الفرنسية من هذه المادة الحيوية، وتساعد محطاتها النووية على توليد 70% من الكهرباء، ورغم ذلك تعنبر النيجر واحدة من أفقر دول العالم، ويعيش حوالي 43% من سكانها في حالة من الفقر المُدقع.
أسباب الإنقلاب
رغم انتشار خبر اعتقال الرئيس بازوم، والانقلاب عليه؛ فإن قادة التمرد من قوات الحرس الرئاسي لم تذكر الأسباب الداعية إلى الانقلاب على الرئيس بصورة واضحة، غير أن هناك بعض التفاعلات التي يمكن أن تكشف عن سبعة أسباب للإنقلاب وهي: أولا، أن السبب المباشر للإنقلاب يرجع إلى اعتزام الرئيس إقالة الجنرال عبدالرحمن تشياني من منصبه كرئيس للحرس الرئاسي، والذي يتولاه منذ 2011 حتى الآن، مما أثار غضب الجنرال تشياني ورجاله الأكثر ولاءً له، ودفعهم للقيام بالتمرد على الرئيس بازوم.
وثانيا، التشكيك في أحقية محمد بازوم بمنصب الرئيس حيث إن عملية صعود الرئيس محمد بازوم إلى كرسي الرئاسة في النيجر محل نظر وتشكيك لدى العديد من النُّخَب السياسية في النيجر، وخاصةً النُّخَب السياسية المنتسبة إلى المعارضة؛ وذلك لكون طريقة انتخابه وترشيحه خلفًا للرئيس السابق محمدو يوسفو تمت من خلال عملية الهندسة الانتخابية، والديمقراطية المدارة؛ حيث لعب نظام الرئيس محمدو يوسفو دورًا كبيرًا في تسهيل عملية إيصال بازوم للسلطة؛ رغم كونه من أقلية إثنية في النيجر، كما أن الرئيس بازوم ينتمي إلى قبيلة أولاد سليمان العربية القادمة من ليبيا، ولا يمثل العرب إلا نحو 0,4% من نسبة السكان في النيجر، وهو ما يجعل البعض ينظر إليه على أنه أجنبي وليس من أصول إفريقية، ولا يستحق منصب الرئيس.
وثالثا، اتهام الرئيس بازوم بعمالته لفرنسا والغرب، حيث إنه مع تصاعد مشاعر العداء للوجود الفرنسي في منطقة الساحل وغرب إفريقيا، وبخلاف النظم الحاكمة في مالي وغينيا وبوركينا مع فرنسا والغرب، يتم التسويق لدعاية تصف الرئيس بازوم بأنه عميل لفرنسا في المنطقة, خاصة في ظل وجود نحو 1500 جندي فرنسي في النيجر, مع تقديم فرنسا دعمًا عسكريا وسياسيا للرئيس بازوم، حيث يمكن استغلال ذلك في محاولة لإسقاط صورة بازوم شعبيا وإقليميا، وتشجيع الجنود للانقلاب عليه.
رابعا، احتمالية وجود فصائل وقيادات عسكرية مصممة على عزل بازوم، حيث إن محاولة الانقلاب الجارية على الرئيس بازوم تعد المحاولة الثالثة منذ توليه السلطة في أبريل 2021، وقد جاءت أولى هذه المحاولات في 31 مارس 2021 قبل يومين من أدائه اليمين الدستورية؛ حيث تم إطلاق نار كثيف بالقرب من القصر الرئاسي في محاولة للانقلاب، لمنع تسلم الرئيس بازوم السلطة، لكنه تم القبض على المتمردين، وثاني تلك المحاولات الانقلابية ما حدث في مارس 2022؛ حيث تم القبض على وزير داخلية النيجر الأسبق عثمان سيسي بتهمة محاولة الانقلاب الفاشل على الرئيس بازوم، والذي كان حينها في زيارة لتركيا.
خامسا، احتمالية وجود دعم إقليمي لمحاولة الانقلاب على بازوم، فالمتابع للوضع في غرب إفريقيا يدرك وجود خلاف قوي بين الرئيس محمد بازوم، وقادة النظم العسكرية الثلاثة في كل من مالي وغينيا وبوركينا فاسو، وخاصة غينيا؛ حيث لعبت النيجر دورا كبيرا في دعم الإيكواس لفرض عقوبات على النظام العسكري الحاكم في مالي وغينيا، وهو ما سبّب حالةً من العداء بين تلك النظم ونظام الرئيس بازوم.
سادسا، شبهة وجود مصلحة روسية في محاولة الانقلاب على بازوم، حيث إن الرئيس بازوم يعد من أكبر حلفاء فرنسا في غرب إفريقيا، ويحتفظ بقوات فرنسية على أراضي بلاده بدعوى مكافحة الإرهاب، وهو ما يتعارض مع المطامع الروسية في استعادة نفوذها في القارة الإفريقية.
سابعا، وهي التبرير الذي استخدم في إعلان الإنقلاب تدهور الوضع الأمني وسوء الإدارة الاقتصادية والاجتماعية، حيث تم إعلان هذا السبب في بيان الانقلاب الذي أُذيع عبر التلفزيون الوطني، في إشارة إلى استمرار العمليات الإرهابية في النيجر، مع إخفاق الرئيس في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد خلال الفترة الماضية منذ توليه السلطة.
ضغوط إقليمية ودولية
أسفرت محاولة الانقلاب العسكري الجارية عن العديد الضغوط الإقليمية والدولية حتى الآن، ويمكن الإشارة إليها فيما يلي: موقف الاتحاد الإفريقي، يتمثل موقفه في قيام موسى فقي محمد رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي بالتنديد بشدة بمثل هذه التصرفات التي يقوم بها الجنود، واصفًا إياهم بأنهم يتصرفون بخيانة تامة لواجبهم الجمهوري، ومطالبًا إياهم بالكفّ الفوري عن هذا المشروع غير المقبول.
ومن حانبها أدانت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإيكواس) المحاولة الانقلابية، داعيةً إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن الرئيس بازوم، وحذَّرت من تحميل جميع المتورطين المسؤولية عن سلامته، كما أعلن رئيس نيجيريا “بولا أحمد تينوبو” الذي تتولى بلاده الرئاسة الحالية الدورية للإيكواس أن قيادة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا لن تقبل أيّ عمل يُعيق الأداء السلس للسلطة الشرعية في النيجر، واعطت قادة الإنقلاب مهلة لمدة أسبوع لإعادة الشرعية الدستورية، وهددت بتوقيع عقوبات قاسية على النيجير. فيما أدانت العديد من دول الجوار محاولة الانقلاب، داعية إلى ضبط النفس والتمسك بالمسار السلمي والديمقراطي، وعلى رأس تلك الدول الجزائر ونيجيريا.
وعلى المستوى الدولي، أدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، أي محاولة لتولّي الحكم بالقوة، ودعا إلى احترام الدستور النيجري، وقام كذلك بإجراء مكالمة هاتفية مع الرئيس بازوم ليطمئن على سلامته الشخصية، كما أعرب عن دعمه الكامل وتضامنه مع شخصه.
كما أعلن الاتحاد الأوروبي على لسان مسؤول السياسة الخارجية فيه جوزيب بوريل عن إدانته لأي محاولة لزعزعة الديمقراطية وتهديد الاستقرار في النيجر، مؤكدًا على قلقه الكبير حيال الأحداث التي تجري هناك، مضيفًا أن الاتحاد الأوروبي ينضم إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا في تنديدها بما يحصل في النيجر.
وفيما يتعلق بموقف فرنسا القوة الاستعمارية السابقة للنيجر، والحليف القوي للرئيس بازوم؛ فقد أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية عن إدانة بلاده بشدة لأي محاولة للاستيلاء على السلطة بالقوة في النيجر حليفها الرئيسي في منطقة الساحل، كما أنها تراقب الوضع وتطوراته عن كثب، واعلنت استعدادها للتدخل العسكري بهدف استعادة السلطة الشرعية في النيجر، كما طالبت واشنطن بإطلاق سراح الرئيس بازوم، وأكد مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جايك ساليفان في بيان رسمي أن بلاده تدين بشدة أي محاولة لاعتقال أو إعاقة عمل الحكومة المنتخبة ديموقراطيًّا في النيجر، والتي يُديرها الرئيس بازوم. مضيفًا أنهم يطالبون بالإفراج عن الرئيس بازوم، والتوقف عن أيّ عنف، مشددًا على أن النيجر هي شريك أساسي للولايات المتحدة الأمريكية.
سيناريوهات المستقبل
وبعد مرور ستة أيام على الإنقلاب يمكننا أن نتوقع ثلاثة سيناريوهات لمستقبل المحاولة الإنقلابية في النيجر، أولها، تجاهل الضغوط الإقليمية والدولية اعتمادا على التأييد الشعبي للإنقلابيين وبالتالي نجاح الإنقلاب، وإكمال باقي خطواته، والدخول في المسار المعتاد للمراحل الانتقالية التي تلي الانقلابات العسكرية في إفريقيا، من وضع خارطة طريق، وكتابة أو تعديل الدستور، والوعد بإجراء انتخابات عامة جديدة.
السيناريو الثاني أن يتمسك الرئيس بازوم بالسلطة، ورفضه الإجراءات التي تمت؛ وذلك لكونه لم يوقع على قرار استقالة من منصبه، وهو ما يعني أنه هو الرئيس الشرعي للبلاد بصورة قانونية، ويمكن إفشال الانقلاب في حالة تقديم دعم خارجي دولي وإقليمي للرئيس والتمسك بتطبيق العقوبات الشديدة على قادة الإنقلاب.
السيناريو الثالث يمكن أن يحدث ولكنه غير مرجح وهو أن تبدأ فرنسا في تحريك قواتها المتواجدة في النيجر والدخول في مواجهة عسكرية مع قادة الإنقلاب بدعم وتأييد من بعض دول الجوار للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية والحيوية وبدعوى استعادة النظام الديمقراطي في البلاد وانهاء عصر الانقلابات العسكرية في أفريقيا بالقوة.