سحر رجب
في إطار تعثّر التوافق الأوروبي بشأن استخدام الأصول الروسية لتمويل أوكرانيا، تشهد الأوساط الأوربية توتراً متصاعداً في الأسابيع الأخيرة مع تعثّر مساعي المفوضية الأوروبية لإقناع دول الاتحاد باستخدام الأصول الروسية المجمّدة لتمويل الدعم العسكري والمالي لأوكرانيا. ورغم الضغوط المكثّفة التي تمارسها بروكسل، تؤكّد رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين استمرار غياب التوافق بين الدول الأعضاء، خصوصاً مع الثقل القانوني والاقتصادي لهذا الملف.
لقاء ثلاثي دون نتائج حاسمة
في منشور على منصة “إكس”، كشفت فون دير لاين أنها بحثت المقترح مع المستشار الألماني فريدريش ميرتس ورئيس الوزراء البلجيكي بارت دي ويفر، مؤكدة أن عامل الوقت يضغط بشدة في ظل التطورات الجيوسياسية.
ورغم وصفها للنقاش بأنه “بنّاء”، أقرت بعدم إحراز أي تقدم، مشيرة إلى استمرار المشاورات حتى اجتماع المجلس الأوروبي المرتقب في 18 ديسمبر.
بلجيكا… عقدة الملف الأوروبي
تبرز بلجيكا باعتبارها الدولة الأكثر تحفّظاً على هذه الخطوة، نظراً لوجود الجزء الأكبر من الأصول الروسية المجمدة داخل مؤسسة “يوروكلير” المالية في بروكسل. وتخشى الحكومة البلجيكية من تبعات قانونية واقتصادية قد تتحملها وحدها دون ضمانات أوروبية مشتركة.
وقد أكد رئيس الوزراء البلجيكي بارت دي ويفر تلقي بلاده تحذيرات مباشرة من موسكو، محذّراً من أن أي قرار بالمصادرة قد يجرّ “عواقب سنشعر بها طوال حياتنا”. هذا الموقف دعمَه البرلمان البلجيكي بالإجماع.
ألمانيا ترفض المقترح… والانقسام يتعمق
لم يكن الموقف الألماني بعيداً عن بلجيكا، إذ رفض البرلمان الألماني بأغلبية ساحقة مشروع قرار تقدّمت به كتلة الخضر يطالب بنقل الأصول الروسية لأوكرانيا بالكامل. واعتبر النائب شتيفان كويتير أن خطوة كهذه “خطيرة اقتصادياً ومشكوك فيها قانونياً”، محذّراً من انتقام روسي قد يستهدف الشركات الألمانية العاملة في موسكو.
روسيا: المصادرة “سرقة صريحة”
على الجانب الروسي، تواصل موسكو توجيه رسائل تحذيرية شديدة اللهجة. وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وصف أي خطوة للاستيلاء على الأصول السيادية الروسية بأنها “سرقة واضحة”، مشدّداً على أن روسيا سترد بالمثل، وقد تصل الإجراءات إلى رفض إعادة الأموال الغربية داخل روسيا.
خلافات أوروبا… وأزمة تمويل أوكرانيا
يأتي هذا الانقسام الأوروبي في وقت تحتاج فيه كييف إلى تمويل عاجل للفترة 2026–2027، وسط تراجع الدعم الأمريكي وتنامي الضغوط الاقتصادية داخل الاتحاد الأوروبي.
وقد طُرحت فكرة “قرض التعويضات” كحل مؤقت، لكنه يصطدم بعقبات قانونية، خصوصاً في ظل اعتراضات باريس وبرلين وبروكسل.
وختاما تبدو أوروبا اليوم أمام معضلة استراتيجية: فهي تريد دعم أوكرانيا ومواصلة الضغط على روسيا، لكنها تخشى في الوقت نفسه من تداعيات قانونية واقتصادية قد تدفع ثمناً باهظاً لها.
وحتى اجتماع 18 ديسمبر، ستظل الأصول الروسية المجمّدة ورقة خلافية تهدد وحدة الاتحاد الأوروبي وتكشف هشاشة آليات صنع القرار داخله.
وجه أفريقيا رئيس التحرير: سحر رجب