أخبار عاجلة

أزمة الأصول الروسية: تحذيرات أوروبية واندفاع أمريكي… هل يقترب الاقتصاد العالمي من لحظة الانفجار؟”

سحر رجب

مع تصاعد التوترات المالية والسياسية حول الأصول الروسية المجمدة في الغرب، دخلت الأزمة مرحلة أكثر تعقيداً بعد تحذيرات مباشرة من شركة “يوروكلير” الأوروبية، بالتزامن مع ضغوط أمريكية جديدة تقودها مؤسسات الكونغرس. وبينما تسعى بروكسل وواشنطن إلى توظيف هذه الأصول لدعم أوكرانيا، تتعالى أصوات الخبراء حول المخاطر الاقتصادية والقانونية التي قد تهدد الاستقرار المالي العالمي.

تحذيرات “يوروكلير”: أسواق أوروبا على المحك

وجهت فاليري أوربان، الرئيسة التنفيذية لشركة يوروكلير، رسالة شديدة اللهجة إلى كبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي، محذرةً من أن خطة منح قرض لأوكرانيا اعتماداً على الأصول الروسية المجمدة قد تحمل عواقب وخيمة على الأسواق الأوروبية.

وقالت أوربان إن هذه الخطوة ستؤدي إلى:

ارتفاع علاوة المخاطر على السندات الأوروبية

زيادة تكاليف الاقتراض للحكومات الأوروبية

تراجع جاذبية الأسواق المالية في الاتحاد الأوروبي أمام المستثمرين العالميين.

وتأتي هذه التحذيرات في ظل نقاشات أوروبية حول قرض ضخم يتراوح بين 185 و210 مليارات يورو، يفترض أن تسدده أوكرانيا لاحقاً “بشرط دفع روسيا التعويضات”.

تحركات أوروبية نحو تجميد دائم للأصول

وفقاً لصحيفة فاينانشال تايمز، تبحث المفوضية الأوروبية إنشاء إطار قانوني جديد يُمكّن من تجميد الأصول الروسية بشكل دائم، وتوظيفها لتمويل الدعم المالي لأوكرانيا.

وفي حال فشل هذه الخطة، سيصبح الاتحاد الأوروبي مضطراً إلى:

الاقتراض لسد الفجوة المالية

أو تقديم منح مباشرة بقيمة 140 مليار يورو.

وتجدر الإشارة إلى أن أكثر من 200 مليار يورو من أصل 300 مليار مجمدة داخل الاتحاد الأوروبي وحده، معظمها يحتفظ به نظام المقاصة الأوروبي Euroclear.

موسكو: “سرقة منظمة”

ردّت الخارجية الروسية على التحركات الأوروبية باتهامات صارمة، مؤكدة أن بروكسل تمارس “سرقة الأصول الروسية منذ فترة”.

كما حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أن مصادرة هذه الأصول أو استخدامها قد يؤدي إلى:

زعزعة النظام المالي العالمي

تسريع الانفصال الاقتصادي بين الشرق والغرب.

أما وزير الخارجية سيرجي لافروف فوصف الخطوات الأوروبية بأنها “سطو سياسي واقتصادي يستهدف الأفراد والدولة على حد سواء”.

الولايات المتحدة تدخل المشهد: دعوة لمصادرة نصف الأصول الروسية

في تطور لافت، أوصت مديرية الميزانية في الكونغرس الأمريكي الرئيس دونالد ترامب (للفترة 2026–2028) بمصادرة نصف الأصول السيادية الروسية المجمدة داخل الولايات المتحدة، والبالغة نحو 5 مليارات دولار.

تحذيرات تتزايد… ومستقبل غامض للأصول الروسية المجمدة

لا تقتصر التحذيرات على الجانب الأوروبي وحده، فالمخاوف من تداعيات المساس بالأصول السيادية الروسية تمتد إلى العواصم العالمية وأسواق المال الدولية. ويرى خبراء الاقتصاد أن أي خطوة باتجاه تحويل الأصول المجمدة إلى مصدر تمويل مباشر — سواء عبر قروض أو مصادرة صريحة — قد تُحدث سابقة قانونية تهدد استقرار النظام المالي العالمي المبني على حرمة الأصول السيادية.

ويشير اقتصاديون إلى أن المؤسسات المالية الكبرى، وعلى رأسها “يوروكلير”، تعتمد على ثقة المستثمرين الدوليين في حياد أنظمة المقاصة الأوروبية، وأن أي انحراف عن هذه القاعدة قد يؤدي إلى نزوح رؤوس الأموال نحو أسواق بديلة أكثر استقراراً من الناحية القانونية.

وفي ظل استمرار الجدل القانوني والسياسي داخل الاتحاد الأوروبي، باتت بروكسل أمام معادلة شديدة التعقيد: إيجاد مصادر دائمة لتمويل أوكرانيا دون المساس بثقة المستثمرين في منظومتها المالية. ومع ذلك، تؤكد مفوضية الاتحاد الأوروبي أنها ماضية في دراسة جميع الخيارات المتاحة لتسريع الدعم المالي لكييف، خاصة مع ارتفاع فاتورة إعادة الإعمار واستمرار الحاجة إلى ضخ أموال في الموازنة الأوكرانية.

روسيا: “سرقة موصوفة” وتداعيات على النظام المالي العالمي

من جانبها، تواصل موسكو التصعيد السياسي والإعلامي بشأن الملف، إذ وصفت وزارة الخارجية الروسية الخطط الأوروبية والأمريكية بأنها “سرقة تحت غطاء القانون”، مؤكدة أن أي إجراءات لمصادرة أو استخدام الأصول سيقابلها رد فعل اقتصادي وقانوني.

وحذّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أن الإقدام على هذه الخطوة قد يؤدي إلى تقويض مصداقية العملات الغربية واندفاع الدول لخفض احتياطاتها بالدولار واليورو، وهو ما قد يسرّع عملية الانتقال العالمي نحو عملات بديلة، بما في ذلك العملات الوطنية والتسويات الثنائية.

كما اعتبر وزير الخارجية سيرغي لافروف أن العقوبات الأوروبية تجاوزت “كل الخطوط الحمراء”، مشيراً إلى أن الاتحاد الأوروبي لم يعد يستهدف الأفراد فحسب، بل الأصول السيادية للدولة الروسية، وهو ما “يفتح الباب أمام فوضى مالية دولية”.

الولايات المتحدة تدخل على الخط: دعوات لمصادرة نصف الأصول الروسية

وفي تطور لافت، دخلت واشنطن مجدداً على خط الأزمة، إذ دعت مديرية الميزانية في الكونغرس الأمريكي الرئيس دونالد ترامب — المتوقع أن يتولى الحكم خلال الفترة 2026–2028 — إلى مصادرة ما يصل إلى 50% من الأصول السيادية الروسية المجمدة في الولايات المتحدة، والبالغة نحو 5 مليارات دولار.

وبحسب المقترح، يمكن لواشنطن أن توجه الأموال المصادرة نحو دعم أوكرانيا أو تمويل سياساتها الدولية المرتبطة بالصراع. ويشير مراقبون إلى أن هذه الخطوة، في حال تنفيذها، ستكون الأكثر جرأة منذ بدء العقوبات على روسيا، وقد تخلق شرخاً جديداً بين الأنظمة المالية الغربية، خاصة وأن الاتحاد الأوروبي لا يزال متردداً في الإقدام على المصادرة المباشرة.

ويرى محللون أمريكيون أن إدارة ترامب — التي أعلنت سابقاً رغبتها في إعادة صياغة العلاقات مع موسكو — قد تستخدم هذه الورقة إما للضغط السياسي أو للمساومة الدبلوماسية، بينما تحذّر أصوات أخرى من أن المصادرة قد تؤدي إلى ردود اقتصادية روسية حادة وتمدد آثارها إلى الأسواق العالمية.

 فأوروبا بين نارين… ومشهد مالي عالمي على حافة التحول

مع استمرار الحرب وتفاقم الضغوط الاقتصادية، يجد الاتحاد الأوروبي نفسه أمام مواجهة غير مسبوقة: دعم أوكرانيا دون الإضرار بالنظام المالي الأوروبي. وبينما تضغط كييف للحصول على تمويل سريع وتطالب واشنطن بمواقف أكثر تشدداً، تواصل موسكو التحذير من “عواقب وخيمة” قد تغير قواعد اللعبة الاقتصادية على مستوى العالم.

وفي ظل هذه الحسابات المعقدة، يبدو أن الأصول الروسية المجمدة قد تحولت من ورقة ضغط سياسية إلى عقدة مالية دولية، قد ترسم — بطريقة أو بأخرى — ملامح النظام المالي في السنوات المقبلة.

عن وجه افريقيا