ولد جمال عبد الناصر في ١٥ يناير ١٩١٨ في ١٨ شارع قنوات في حي باكوس الشعبي بالإسكندرية وكان جمال عبد الناصر الابن الأكبر لعبد الناصر حسين الذي ولد في عام ١٨٨٨ في قرية بني مر في صعيد مصر في أسره من الفلاحين، ولكنه حصل على قدر من التعليم سمح له بأن يلتحق بوظيفة في مصلحة البريد بالإسكندرية، وكان مرتبه يكفى بصعوبة لسداد ضرورات الحياة.
النشأة والتعليم
أتم جمال عبد الناصر دراسته الثانوية وحصل على البكالوريا في القسم الأدبي قرر الالتحاق بالجيش، ولقد أيقن بعد التجربة التي مر بها في العمل السياسي واتصالاته برجال السياسة والأحزاب التي أثارت اشمئزازه منهم أن تحرير مصر لن يتم بالخطب بل يجب أن تقابل القوة بالقوة والاحتلال العسكري بجيش وطني.
تقدم جمال عبد الناصر إلى الكلية الحربية فنجح في الكشف الطبي ولكنه سقط في كشف الهيئة لأنه حفيد فلاح من بني مر وابن موظف بسيط لا يملك شيئاً، ولأنه اشترك في مظاهرات ١٩٣٥، ولأنه لا يملك واسطة، ولما رفضت الكلية الحربية قبول جمال، تقدم في أكتوبر ١٩٣٦ إلى كلية الحقوق في جامعة القاهرة ومكث فيها ستة أشهر إلى أن عقدت معاهدة ١٩٣٦ واتجهت النية إلى زيادة عدد ضباط الجيش المصري من الشباب بصرف النظر عن طبقتهم الاجتماعية أو ثروتهم، فقبلت الكلية الحربية دفعة في خريف ١٩٣٦ وأعلنت وزارة الحربية عن حاجتها لدفعة ثانية، فتقدم جمال مرة ثانية للكلية الحربية ولكنه توصل إلى مقابلة وكيل وزارة الحربية اللواء إبراهيم خيري الذي أعجب بصراحته ووطنيته وإصراره على أن يصبح ضابطاً فوافق على دخوله في الدورة التالية.
حركة الضباط الأحرار
وفى ذلك الوقت كان يجرى صراعاً سافراً بين الضباط الأحرار وبين الملك فاروق فيما عرف بأزمة انتخابات نادي ضباط الجيش. حيث رشح الملك اللواء حسين سرى عامر المكروه من ضباط الجيش ليرأس اللجنة التنفيذية للنادي، وقرر الضباط الأحرار أن يقدموا قائمة مرشحيهم وعلى رأسهم اللواء محمد نجيب للرياسة، وقد تم انتخابه بأغلبية كبرى وبرغم إلغاء الانتخاب بتعليمات من الملك شخصياً، إلا أنه كان قد ثبت للضباط الأحرار أن الجيش معهم يؤيدهم ضد الملك، فقرر جمال عبد الناصر – رئيس الهيئة التأسيسية للضباط الأحرار – تقديم موعد الثورة التي كان محدداً لها قبل ذلك عام ١٩٥٥، وتحرك الجيش ليلة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ وتم احتلال مبنى قيادة الجيش بكوبري القبة وإلقاء القبض على قادة الجيش الذين كانوا مجتمعين لبحث مواجهة حركة الضباط الأحرار بعد أن تسرب خبر عنها .
وبعد نجاح حركة الجيش قدم محمد نجيب على أنه قائد الثورة – وكان الضباط الأحرار قد فاتحوه قبلها بشهرين في احتمال انضمامه إليهم إذا ما نجحت المحاولة – إلا أن السلطة الفعلية كانت في يد مجلس قيادة الثورة الذي كان يرأسه جمال عبد الناصر حتى ٢٥ أغسطس ١٩٥٢ عندما صدر قرار من مجلس قيادة الثورة بضم محمد نجيب إلى عضوية المجلس وأسندت إليه رئاسته بعد أن تنازل له عنها جمال عبد الناصر.
وفى ١٨ يونيه ١٩٥٣ صدر قرار من مجلس قيادة الثورة بإلغاء الملكية وإعلان الجمهورية، وبإسناد رئاسة الجمهورية إلى محمد نجيب إلى جانب رئاسته للوزارة التي شغلها منذ ٧ سبتمبر ١٩٥٢، أما جمال عبد الناصر فقد تولى أول منصباً عاماً كنائب رئيس الوزراء ووزير للداخلية في هذه الوزارة التي تشكلت بعد إعلان الجمهورية.
وفى فبراير ١٩٥٤ استقال محمد نجيب بعد أن اتسعت الخلافات بينه وبين أعضاء مجلس قيادة الثورة، وعين جمال عبد الناصر رئيساً لمجلس قيادة الثورة ورئيساً لمجلس الوزراء. وفيما يلي البيان الذي أذاعه المجلس بأسباب ذلك الخلاف في ٢٥ فبراير ١٩٥٤
وفى ١٧ أبريل ١٩٥٤ تولى جمال عبد الناصر رئاسة مجلس الوزراء واقتصر محمد نجيب على رئاسة الجمهورية إلى أن جرت محاولة لاغتيال جمال عبد الناصر على يد الإخوان المسلمين عندما أطلق عليه الرصاص أحد أعضاء الجماعة وهو يخطب في ميدان المنشية بالإسكندرية في ٢٦ أكتوبر ١٩٥٤، وفى ٢٤ يونيه ١٩٥٦ انتخب جمال عبد الناصر رئيساً للجمهورية بالاستفتاء الشعبي وفقاً لدستور ١٦ يناير ١٩٥٦ ـ أول دستور للثور، وفى ٢٢ فبراير ١٩٥٨ أصبح جمال عبد الناصر رئيساً للجمهورية العربية المتحدة بعد إعلان الوحدة بين مصر وسوريا، وذلك حتى مؤامرة الانفصال التي قام بها أفراد من الجيش السوري في ٢٨ سبتمبر ١٩٦١.
عبد الناصر والتحرر من الإستعمار
وفي «فلسفة الثورة»، اعتبر عبد الناصر أنّ مصر واقعة في المركز من ثلاث حلقات: العالم العربي، والعالم المسلم، والقارّة الإفريقية؛ وعن الحلقة الثالثة كتب «إننا لن نستطيع بحال من الأحوال ـ حتى لو أردنا ــ أن نقف بمعزل عن الصراع الدامي المخيف الذي يدور اليوم في أعماق إفريقيا بين خمسة ملايين من البيض ومائتي مليون من الإفريقيين، لا نستطيع لسبب هام وبدهي، هو أننا في إفريقيا، ولسوف تظل شعوب القارة تتطلع إلينا، نحن الذين نحرس الباب الشمالي للقارة، والذين نُعتبر صلتها بالعالم الخارجي كله، ولن نستطيع بحال من الأحوال أن نتخلى عن مسؤوليتنا في المعاونة بكل ما نستطيع على نشر الوعي والحضارة حتى أعماق الغابة العذراء».
ولأن مصر دولة مصب لنهر النيل بينما منابع النهر خارجية، عمل عبد الناصر متسلحًا بإدراكاته السياسية والعسكرية، على دعم الدور الخارجي لمصر خصوصًا وأن معركته مع الاستعمار كانت تتطلب بناء التكتلات العربية والإفريقية معًا، فالتقط أطروحات ساطع الحصري حول القومية العربية وحولها بإرادة سياسية نشطة إلى واقع حي يناهض الاستعمار ويقف ضد كل مناطق وجوده من الخليج الثائر إلى المحيط الهادر، ومن القاهرة إلى كيب تاون .
أما على المستوى الإفريقي، فقد تحولت القاهرة إلى مركز مناهض للاستعمار حيث تم بناء كتلة العالم الثالث في مؤتمر باندونج، بينما كانت أولى محاولات بناء الكتلة الإفريقية المناهضة للاستعمار في غانا باجتماع أكرا عام 1958 وحضرته الدول المستقلة وقتها، منها مصر، وإثيوبيا، وليبيا، والمغرب، وتونس، والسودان، وليبيريا، وكان الغرض من المؤتمر وضع سياسة مشتركة للشئون الخارجية والثقافية والاقتصادية الإفريقية .
تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية
انطلق نظام عبد الناصر في مقاومة أمرين بإفريقيا، الأول الأدبيات الغربية التي قسمت القارة قسمين شمال وجنوب تفصلهما صحراء إفريقيا الكبرى، فأكد على وحدتها العضوية في كل خطاباته ، كما انطلق لدعم حركات التحرر الإفريقي التي تفجرت بقوة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية حيث احتضنت القاهرة زعماء هذه الحركات التحررية وأمدتهم بالسلاح والمال والدعم السياسي والدبلوماسي، وكان مقر الجمعية الإفريقية في الزمالك بالقاهرة بمثابة حضانة لتفريخ القيادات الإفريقية، حيث تعهدت مصر الثورة هذه القيادات بالتوجيه والدعم والصقل حتى نضجت واستطاعت أن تتحمل مسئولية الكفاح السياسي أو القتالي في ربوع القارة.
كان عبد الناصر من الآباء المؤسسين لمنظمة الوحدة الإفريقية التي عقدت مؤتمرها الأول في أديس أبابا عام 1963، حيث اجتمع رؤساء 30 دولة إفريقية وتم إعلان إنشاء المنظمة والاتفاق على فتح عضويتها للدول الإفريقية المستقلة ذات السيادة، كما برز دور مصر في الحفاظ على روح ميثاق المنظمة منذ أول قمة إفريقية استضافتها على أرضها بعد التأسيس عام 1964، وبطبيعة الحال كان لعبد الناصر رفاق أفارقة في دربه الطويل نحو تحقيق الحلم الإفريقي في الاستقلال وتقدم الدول الإفريقية، منهم كوامى نيكروما (1909 ـ 1972) الذي تزوج من الشابة المصرية «فتحية رزق» التي أصبحت «فتحية نيكروما» وحظيت بشعبية كبيرة في غانا بعد ذلك، وتيمنًا باسم جمال عبدالناصر أطلقوا على أول أبنائهما اسم جمال وهو «جمال نيكروما» الذي يعمل في الأهرام حاليًا، كما مُنح الزعيم «نيكروما» الدكتوراة الفخرية من جامعة القاهرة عام 1958.
ومن رفاقه أيضًا، أحمد سيكوتورى الذي يعد من أبرز الوجوه التحررية الوحدوية في القارة السمراء، وناضل كثيرًا ضد الاستعمار الفرنسي لبلاده، وهو من مؤسسي منظمة الوحدة الإفريقية.
وقد ارتبط سيكتوري بعلاقات قوية بالرئيس جمال عبد الناصر الذي سميت باسمه أكبر جامعة في غينيا «جامعة جمال عبدالناصر» فى «كوناكرى»، ومنحه ناصر «قلادة النيل» أثناء زيارته مصر في 1961، وحصل على الدكتوراه الفخرية في التاريخ الإسلامي من جامعة «الأزهر الشريف» تقديرًا لدوره وكفاحه ضد المستعمر في القارة الإفريقية، أما عبد الناصر فحينما توفي في 28 سبتمبر 1970 نعاه الرئيس الكيني «جومو كينياتا» بقوله: “أنا واحد من أمّة كبيرة فُجعت في الوالد العظيم”.