أخبار عاجلة

معالجة الفجوات الرقمية مدخل رئيسي لتحقيق الشمول المالي عالميًا

تقرير موسع عن مؤتمر مركز الابتكار في الحوكمة الدولية (CIGI) على هامش منتدى Think 20 بجنوب أفريقيا

تقرير – رضا هلال:

لم يعد الحديث عن المدفوعات الرقمية مجرد قضية تقنية أو اقتصادية بحتة، بل بات في صميم النقاشات الكبرى المرتبطة بالسيادة الوطنية، وتوازنات القوة الدولية، ومسارات التنمية المستدامة

. هذا ما أكدته مناقشات الفعالية الرسمية التي نظمها مركز الابتكار في الحوكمة الدولية (CIGI) على هامش منتدى Think 20 بجنوب أفريقيا، بمشاركة نخبة من الدبلوماسيين والأكاديميين وخبراء الصناعة ومنظمات المجتمع المدني.

طفرة في الحسابات الرقمية

خلال الجلسات، أشار الخبراء إلى أن عدد الحسابات المسجلة في خدمات الأموال عبر الهاتف المحمول حول العالم وصل إلى 2.1 مليار حساب، أكثر من نصفها في إفريقيا جنوب الصحراء، ما يعكس الطفرة الكبيرة التي حققتها الاقتصادات النامية في هذا المجال.

ويعود نجاح هذه التجارب، كما أوضح المشاركون، إلى مزيج فريد من الاقتصادات النقدية الثقيلة، وضعف انتشار البنوك التقليدية، وسرعة تبني التكنولوجيا الرقمية.

الفجوات لا تزال قائمة

لكن، ورغم هذه الطفرة، برزت تحذيرات قوية من استمرار فجوات كبيرة تهدد مسيرة الشمول المالي، أبرزها:

ضعف القدرة على تحمل التكاليف بالنسبة للمستخدمين.

غياب الثقافة المالية الرقمية لدى قطاعات واسعة.

محدودية الوصول إلى الأدوات الرقمية والبنية التحتية في مناطق نائية.

الفجوة بين الجنسين في الحصول على الخدمات المالية الرقمية.

مخاوف تتعلق بالشفافية، الثقة، وحماية البيانات.

وأكد الخبراء أن هذه التحديات لا تعيق فقط مسيرة الشمول المالي، بل تعمّق أيضًا مظاهر التفاوت الاجتماعي والاقتصادي بين الفئات المختلفة.

البعد الجيوسياسي

أحد المحاور التي أثارت اهتمام المشاركين كان البعد الجيوسياسي للمدفوعات الرقمية. فقد أوضح يَش كالاش، الباحث الأول في CIGI، أن: “المدفوعات الرقمية لم تعد مسألة متخصصة، بل أصبحت أداة من أدوات النفوذ والسيادة.

ومن الضروري تعزيز التعاون الدولي في ظل تزايد التنافس الجيوسياسي، وتوسيع نطاق الوصول المالي ليشمل الفئات التي طالما ظلت خارج النظام المصرفي التقليدي.”

هذا البعد يعكس إدراكًا متزايدًا بأن التكنولوجيا المالية لم تعد منفصلة عن توازنات القوى الدولية، خاصة مع صعود الصين والهند والقارة الإفريقية كلاعبين أساسيين في مجال الابتكار الرقمي.

التوصيات: الجمع بين الابتكار والاستقرار

خلصت مداولات المؤتمر إلى مجموعة من التوصيات لتعزيز الشمول المالي عبر المنظومات الرقمية، أبرزها:

1. دمج الابتكار مع الاستقرار، بما يضمن اختبارات مسؤولة ومستدامة.

2. التنظيم التعاوني لتحسين كفاءة المدفوعات عبر الحدود.

3. مواءمة الجهود مع أهداف مجموعة العشرين والأمم المتحدة للتنمية المستدامة.

4. إدماج الشمول المالي في تصميم أي منظومة جديدة للتمويل الرقمي منذ البداية.

التثقيف المالي كأداة للثقة

بدورها، شددت نانسي كياري، المستشارة الأولى للتمويل الشامل لدى مؤسسة BFA Global، على أن: “تعزيز الثقافة المالية للفئات غير المخدومة هو خط الدفاع الأول ضد الاحتيال الرقمي.

فالتثقيف يساهم في بناء الثقة بالمنصات، ويُمكّن الأفراد من إدارة مواردهم المالية بشكل أكثر أمانًا وفعالية.”

قضايا مطروحة للنقاش العالمي

إلى جانب قضية الشمول المالي، تناول المؤتمر موضوعات أخرى تعكس تحولات جذرية في النظام المالي العالمي، منها:

الجغرافيا السياسية للأنظمة البديلة للدفع.

التوكينات الرقمية والمدفوعات عبر الحدود.

الحوكمة الرقمية والتعاون الدولي في إدارة الاقتصاد الرقمي.

نحو رؤية عالمية أكثر شمولًا

يمثل هذا النقاش محطة مهمة لتسليط الضوء على التحديات والفرص في آن واحد: كيف يمكن للعالم أن يستثمر الزخم الهائل في مجال المدفوعات الرقمية لتحقيق نقلة نوعية في حياة مئات الملايين من غير المتعاملين مع البنوك؟ وكيف يمكن مواجهة الفجوات التي تعيق الشمول المالي بما يضمن أن يكون الاقتصاد الرقمي أداة للعدالة والتمكين، لا ساحة جديدة لتكريس التفاوتات؟

هذا ما يحاول خبراء الاقتصاد الرقمي وصناع السياسات الإجابة عنه، مع إدراك متزايد أن ردم الهوة الرقمية لم يعد ترفًا، بل شرطًا أساسيًا لتحقيق العدالة المالية والتنمية المستدامة.

عن وجه افريقيا