أخبار عاجلة

صوت الشجاعة في قلب العاصمة العالمية: واشنطن تسحب تأشيرة بيترو بعد “دعوة التمرد” لتحرير فلسطين

سحر رجب

في خطوة غير مسبوقة، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، مساء أمس الجمعة، سحب تأشيرة الدخول الخاصة بالرئيس الكولومبي غوستافو بيترو، وأمرت بمغادرته الأراضي الأمريكية فورًا، بعد مشاركته في مظاهرة مؤيدة لفلسطين أمام مقر الأمم المتحدة في نيويورك.

وصفت الوزارة تصرفات بيترو بأنها “متهورة ومحرضة”، متهمة إياه صراحة بدعوة الجنود الأمريكيين إلى “عصيان الأوامر” و”التحريض على التمرد” ضد سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه الصراع في غزة.

كان بيترو، الرئيس اليساري الذي تولى السلطة في كولومبيا عام 2022، قد وصل إلى نيويورك للمشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث ألقى كلمة حادة فيها انتقد فيها السياسات الأمريكية والإسرائيلية تجاه فلسطين، مطالبًا بوقف “الإبادة الجماعية” في غزة.

لكن الأمر لم يتوقف عند الكلمات الرسمية؛ فقد خرج بيترو إلى الشوارع، حيث انضم إلى آلاف المتظاهرين المؤيدين لفلسطين أمام مقر المنظمة الدولية، في مشهد نادر لرئيس دولة أثناء زيارة رسمية.

هناك، وجه كلماته مباشرة إلى الجنود الأمريكيين المكلفين بحراسة المبنى، قائلًا: “لا توجهوا أسلحتكم نحو الشعب، واعصوا الأوامر إذا كانت تطالب بقتل الأبرياء”.

هذه الدعوة، التي اعتبرتها واشنطن “تحريضًا على التمرد”، أثارت غضبًا فوريًا، مما دفع السلطات الأمريكية إلى إلغاء تأشيرته وإجباره على مغادرة نيويورك عاجلًا، محولة زيارته الدبلوماسية إلى أزمة سياسية دولية.

خلفية الحدث: من الكلمة الرسمية إلى الشارع الشعبي

غوستافو بيترو، البالغ من العمر 65 عامًا والذي يُعد أول رئيس يساري في تاريخ كولومبيا الحديث، معروف بمواقفه الجريئة ضد الإمبريالية الأمريكية والدعم الغربي لإسرائيل. خلال كلمته في الأمم المتحدة، وصف بيترو الوضع في غزة بأنه “إبادة جماعية مدعومة من واشنطن”، مطالبًا بمحاسبة إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية، وداعيًا الدول الأعضاء إلى مقاطعة المنتجات الإسرائيلية.

لكن اللحظة الحاسمة جاءت بعد الكلمة، عندما انضم بيترو إلى المظاهرة الشعبية التي شهدتها شوارع مانهاتن، حيث كان المتظاهرون يحملون لافتات تندد بـ”الاحتلال الإسرائيلي” و”الدعم الأمريكي للعدوان”.

في فيديو انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، يظهر بيترو وهو يتحدث إلى الحشد، قائلًا: “نحن هنا ليس كزعماء في فنادق فاخرة، بل كشعب يدافع عن العدالة”.

في خطوة أكثر إثارة، أعلن بيترو عن فتح قائمة متطوعين كولومبيين “للانضمام إلى جيش شعبي لتحرير فلسطين”، مشددًا على أنه “سيكون أول المتطوعين إذا لزم الأمر”.

هذا الإعلان، الذي وُصف بأنه “دعوة للحرب العالمية ضد الاحتلال”، أثار جدلاً واسعًا، حيث رآه مؤيدوه رمزًا للشجاعة، بينما اعتبرته واشنطن “تهديدًا للأمن القومي الأمريكي”.

وفي منشور على منصة إكس (تويتر سابقًا)، قال بيترو بعد مغادرته نيويورك: “لم أكن أتحدث إلى الجنود كأعداء، بل كإخوة يجب أن يرفضوا القتل. إذا كان هذا جريمة، فأنا فخور بها”.

غضب أمريكي وإعجاب عالمي

ردت وزارة الخارجية الأمريكية بسرعة، معتبرة أن تصرفات بيترو “تشكل خطرًا على السلامة العامة وتتعارض مع القوانين الأمريكية”.

في بيان رسمي، قالت المتحدثة بالاسم ماريا غابرييل: “دعوة رئيس دولة لعصيان أوامر قواتنا هي خط أحمر، وسنتعامل معها كما لو كانت تهديدًا مباشرًا”.

وأكدت الوزارة أن بيترو “غادر نيويورك طوعًا”، لكن مصادر دبلوماسية كولومبية نفت ذلك، مشيرة إلى أنه “أُجبر على الرحيل تحت الضغط”.

من جانب آخر، أثار الحدث موجة من الدعم الدولي لدى النشطاء والقادة اليساريين.

في كولومبيا، خرج آلاف المتظاهرين في بوغوتا للاحتجاج على “التدخل الأمريكي في الشؤون السيادية”.

بينما أشاد الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا ببيترو قائلًا: “هو صوت أمريكا اللاتينية الحقيقي ضد الظلم”.

على إكس، انتشر هاشتاغ #PetroLibre بأكثر من مليون تغريدة في ساعات، مع تعليقات مثل: “شرف لكولومبيا أن تُسحب تأشيرتها لأجل فلسطين”، كما ورد في منشور لناشطة إيطالية.

أما في الولايات المتحدة، فقد أثار الحدث انقسامًا سياسيًا؛ حيث دعا الديمقراطيون إلى “حوار دبلوماسي”، بينما رحب الجمهوريون بالقرار كـ”دفاع عن الأمن القومي”.

وفي تصريح لشبكة NBC، قال محلل سياسي: “بيترو لم يكن مجرد متظاهر، بل رئيس يتحدى النظام العالمي في عقر داره”.

 أزمة دبلوماسية أم لحظة تاريخية؟

يعود بيترو إلى بوغوتا اليوم، حيث من المتوقع أن يعلن عن خطوات جديدة لتعزيز الدعم الكولومبي لفلسطين، ربما بقطع العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل.

ومع تزايد التوترات حول غزة، التي أودت بحياة أكثر من 40 ألف فلسطيني منذ أكتوبر 2023، يُرى حدث بيترو كرمز للتحدي الجنوبي للهيمنة الغربية.

هل كان هذا “خطأ دبلوماسيًا” أم “فعلًا بطوليًا”؟ الإجابة تكمن في كيفية قراءة العالم لهذا الصوت الذي لم يخشَ واشنطن، بل واجهها في قلب نيويورك.

 

عن وجه افريقيا