فرنسا تفتح صفحة جديدة مع فلسطين: ماكرون يعلن الاعتراف الرسمي وسط تحدي بلديات للحظر برفع العلم الفلسطيني

سحر رجب
في خطوة تاريخية تعكس تحولاً في السياسة الخارجية الفرنسية، أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون، مساء الاثنين 22 سبتمبر 2025، من هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، الاعتراف الرسمي بـ”دولة فلسطين”، داعياً إلى حل الدولتين كأساس لتسوية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. وتزامن هذا الإعلان مع تحدٍّ جريء من 21 بلدية فرنسية، التي رفعت العلم الفلسطيني على واجهات مبانيها الرسمية رغم حظر صارم من وزارة الداخلية، مما أثار جدلاً واسعاً حول حياد الخدمة العامة والالتزامات الدبلوماسية.

جاء إعلان ماكرون خلال خطاب ألقاه أمام الجمعية العامة، حيث أكد أن “فرنسا، ملتزمة بمبادئها التاريخية في السلام العادل، تعترف اليوم بدولة فلسطين ككيان سيادي على حدود 1967، مع القدس الشرقية عاصمتها”، مشدداً على أن هذا الاعتراف “ليس نهاية الطريق، بل خطوة أولى نحو إقامة دولة فلسطينية حية وديمقراطية إلى جانب إسرائيل آمنة”.

وأوضحت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان رسمي أن هذا القرار يأتي “في سياق التزام فرنسا التاريخي بالسلام في الشرق الأوسط”، ويتماشى مع اعترافات دول أوروبية أخرى مثل إسبانيا والنرويج وأيرلندا في مايو 2024، بالإضافة إلى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا وبرتغال في 21 سبتمبر 2025.

ويُعد هذا الاعتراف الـ139 دولة عالمياً تعترف بفلسطين، وفقاً لسجلات الأمم المتحدة، مما يعزز ضغوطاً على أوروبا لتبني موقف موحد.

سلطت قناة “فرانس إنفو” الإخبارية الضوء على أسباب هذا القرار المرتقب، الذي وصفته بـ”وعد راسخ للدبلوماسية الفرنسية”، مشيرة إلى ثلاثة عوامل رئيسية: أولاً، الضغط الإنساني الناتج عن الحرب في غزة منذ أكتوبر 2023، حيث قُتل أكثر من 41 ألف فلسطيني وفقاً لوزارة الصحة في غزة.

ثانياً، التحول الديموغرافي في الرأي العام الفرنسي، حيث أظهر استطلاع “إيفوب” في يوليو 2025 أن 62% من الفرنسيين يدعمون الاعتراف.

وثالثاً، الدور الجيوسياسي لفرنسا في تعزيز دورها الأوروبي بعد فشل محادثات الاتحاد الأوروبي في بروكسل.

وأكد ماكرون في مقابلة مع القناة أن “الاعتراف ليس هدية، بل ضرورة لإنهاء الاحتلال وتحقيق السلام”، مضيفاً أن فرنسا ستدعم جهود السلطة الفلسطينية بـ100 مليون يورو إضافية للتنمية في الضفة الغربية.

في الوقت نفسه، أثار رفع العلم الفلسطيني في 21 بلدية تحدياً لسياسة الحكومة المركزية، حيث حظرت وزارة الداخلية هذا الفعل رسمياً، مطالبة رؤساء البلديات بالالتزام بـ”حياد الخدمة العامة وعدم التدخل في السياسة الخارجية”.

وفقاً لإحصاءات الوزارة صباح الاثنين، شملت البلديات المتمردة نانت، وستين، وسانت دانيس، بالإضافة إلى بلديات أخرى في إيل دو فرانس ومارسيلا، حيث أعلن رؤساء يسار الاشتراكي أن “هذا الرفع يمثل احتفاءً باليوم التاريخي للاعتراف”.

ووصفت غيراود دارمانان، وزير الداخلية، الفعل بأنه “انتهاك للقانون”، محذراً من عقوبات إدارية، لكنه أقر بأن “المزيد من البلديات قد تتبع”، كما أفادت “فرانس 24”.

وفي بيان مشترك، أكد رؤساء هذه البلديات أن “الاعتراف الرسمي يجعل الرفع تعبيراً عن الدعم الشعبي، لا سياسياً”، مشيرين إلى أن الفعل يعكس دعماً لـ”حقوق الإنسان في فلسطين”.

يأتي هذا التطور في سياق تصاعد التوترات الإسرائيلية-الفلسطينية، حيث رد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الاعتراف بأنه “خطوة تعزز الإرهاب”، مطالبًا بتأجيل أي اعتراف حتى “القضاء على حماس”.

أما السلطة الفلسطينية، فقد رحبت بالقرار، معتبرة إياه “انتصاراً للدبلوماسية السلمية”. ومع تزايد الاعترافات الأوروبية، يُتوقع أن يضغط ماكرون على ألمانيا وإيطاليا للانضمام، رغم رفضهما الحالي، مما قد يعيد رسم خريطة الدعم الدولي لفلسطين.

هل يُشكل هذا اليوم بداية عصر جديد للسلام، أم مجرد وميض في الظلام؟ الجمعية العامة للأمم المتحدة ستكون الشهادة.

عن وجه افريقيا