سحر رجب
في خطوة تعزز الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وموسكو، أعلن الممثل التجاري الروسي في مصر، أليكسي تيفانيان، أن الشركات الروسية بدأت دراسة مكثفة لفرص توطين صناعاتها داخل الأراضي المصرية، بهدف تلبية احتياجات السوق المحلي وتصدير المنتجات إلى دول أخرى في المنطقة.
وأشاد تيفانيان بدور الحكومة المصرية في تقديم الدعم اللوجستي والتنظيمي للمستثمرين الأجانب، معتبرًا ذلك “عاملاً حاسمًا في تسهيل الاستثمارات”.
جاء هذا التصريح خلال زيارة حديثة لوفد حكومي روسي رفيع المستوى، بقيادة نائب رئيس الوزراء الروسي أليكسي أوفرتشوك، الذي التقى برئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي لمناقشة سبل تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي.
شمل الوفد أكثر من 30 شركة روسية تمثل قطاعات حيوية مثل النقل، والأدوية، والبتروكيماويات، وتركزت الزيارة على منطقة عين السخنة، التي نظمتها وزارة الصناعة والتجارة الروسية بالتعاون مع منطقة قناة السويس الاقتصادية ووكالة التمثيل التجاري التابعة لوزارة الاستثمار والتجارة الخارجية المصرية.
وفقًا لتيفانيان، فإن مشروع المنطقة الصناعية الروسية في مصر على وشك الدخول في مرحلة حاسمة، حيث تم إنهاء الإجراءات التنظيمية وتوقيع عقد إيجار لمساحة تصل إلى 50 هكتارًا، مما يمهد الطريق لبدء أعمال البناء قريبًا.
“سنشهد قريبًا إنشاء مؤسسات صناعية جديدة تخلق فرص عمل من خلال التعاون بين الشركاء الروس والمصريين، مستفيدين من الخبرات المشتركة”، أضاف المسؤول الروسي، مشددًا على أن هذا التوطين سيساهم في زيادة إنتاج السلع الأساسية محليًا، مما يقلل من الاعتماد على الواردات ويعزز الصادرات إلى الدول التي ترتبط معها مصر باتفاقيات تجارة حرة، مثل الدول الإفريقية والعربية.
تأتي هذه التطورات في سياق تصاعدي للعلاقات الاقتصادية بين البلدين.
فقد سجل التبادل التجاري بين روسيا ومصر زيادة بنسبة 25% بنهاية عام 2023، ليصل إلى أكثر من 7 مليارات دولار، مع توقعات بتجاوز هذا الرقم في 2024 و2025 بفضل مشاريع مشتركة في الطاقة النووية، الزراعة، والسكك الحديدية.
ويُعد السوق المصري، الأكبر في إفريقيا، بوابة مثالية للشركات الروسية لدخول أسواق جديدة، كما أكد تيفانيان سابقًا في تصريحات له، مشيرًا إلى تكيف السوق المصري مع المنتجات الجديدة بسرعة فائقة.
خلال الزيارة، قام الوفد الروسي بتفقد موقع المنطقة الصناعية المستقبلية، ومراجعة البنية التحتية المحيطة، وزيارة الميناء، وجولة في المصانع الحالية.
كما شارك في منتدى أعمال بالاتحاد المصري للصناعات، حيث ناقش رجال الأعمال الروس والمصريون فرص الشراكات والمشاريع المشتركة. وأعرب تيفانيان عن تفاؤله بأن هذه الزيارة تمثل “دليلاً على دخول التعاون الصناعي بين القاهرة وموسكو مرحلة جديدة”، مع خطط لزيارات مستقبلية للشركات الروسية لدراسة الإجراءات التفصيلية وإعداد التنفيذ العملي.
يُعد هذا التوجه جزءًا من استراتيجية روسية أوسع لتنويع الاستثمارات خارج أسواقها التقليدية، خاصة في ظل التحديات الجيوسياسية، بينما يعكس التزام مصر بجذب الاستثمارات الأجنبية لدعم رؤية مصر 2030 في التنمية الصناعية.
ومن المتوقع أن يساهم المشروع في خلق آلاف الوظائف وتعزيز القدرة الإنتاجية المصرية، مما يعزز من مكانة البلد كمركز إقليمي للتصنيع.
مع اقتراب بدء الإنشاءات، يبقى السؤال: هل ستحول هذه الشراكة الروسي-المصرية نموذجًا للتعاون الجنوبي-جنوبي في المنطقة؟ الوقت وحده سيجيب، لكن الإشارات الإيجابية واضحة.