سحر رجب
في تطور يُعزز الاستقرار الإقليمي في شرق المتوسط، أعلن رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، أمس الأحد، عن بدء محادثات رسمية مع حكومة طرابلس الليبية بشأن ترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة (EEZ) بين البلدين، في خطوة تهدف إلى حل الخلاف البحري المستمر منذ سنوات.
ووصف ميتسوتاكيس هذه المفاوضات بأنها “خطوة إيجابية وبناءة” لتعزيز التعاون الإقليمي، رغم التحديات الطويلة أمام التوصل إلى اتفاق نهائي، مشددًا على أن الطريق “ما زال طويلاً” لكن الأساسيات الإيجابية موجودة.
جاء الإعلان في تصريح نشره ميتسوتاكيس عبر فيسبوك، نقلته وكالة “ذا جريك ريبورتر”، حيث أوضح أن اليونان وجهت الدعوة الرسمية لليبيا لبدء هذه المحادثات في يوليو الماضي، بعد زيارة وزير الخارجية اليوناني جيورجوس جيرابيتريس إلى طرابلس في 15 يوليو.
وعقدت اللجنة الفنية المشتركة اجتماعها الأول في أثينا الأسبوع الماضي، مع اتفاق على عقد الاجتماع التالي في طرابلس قريبًا، لمناقشة التفاصيل التقنية والقانونية حول الحدود البحرية.
وأكد ميتسوتاكيس أن هذه المفاوضات ستعتمد على احترام القانون الدولي، بما في ذلك اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS)، وستشمل كامل المنطقة المتنازع عليها، بما فيها المناطق المتداخلة مع مذكرة التفاهم التركية-الليبية لعام 2019، التي تعتبرها أثينا “باطلة قانونيًا”.
يأتي هذا الإعلان بعد 24 ساعة فقط من مشاركة شركة “شيفرون” الأمريكية العملاقة في المنافسة الدولية على أربع مناطق بحرية جنوب جزيرة كريت وشبه جزيرة البيلوبونيز، بالشراكة مع شركة “هيلينيك إنرجي” اليونانية، حيث قدمت العروض الرسمية في 10 سبتمبر 2025.
ووصف ميتسوتاكيس هذه المشاركة بأنها “اعتراف أمريكي واضح بأهمية اليونان الجيوسياسية والطاقوية في شرق المتوسط”، معتبرًا إياها “تأكيدًا عمليًا لحقوق اليونان السيادية” في المناطق المتنازع عليها.
وأشار إلى أن هذه الخطوة تفتح “فصلًا جديدًا في استغلال الثروات الطاقوية تحت الماء”، خاصة مع اكتشافات الغاز الطبيعي الكبرى قبالة سواحل مصر، مما يثير آمالًا باحتياطيات هائلة في المياه اليونانية.
الخلاف البحري بين اليونان وليبيا يعود إلى خرائط الـ EEZ المتداخلة، حيث تقدمت طرابلس بشكوى إلى الأمم المتحدة في 27 مايو 2025، متهمة أثينا بانتهاك حقوقها السيادية جنوب كريت، مستندة إلى مذكرة الـ 2019 مع تركيا التي تتجاهل حقوق الجزر اليونانية.
ردت اليونان في أغسطس بإرسال مذكرة احتجاج رسمية، مؤكدة رفضها لأي ادعاءات تعتمد على “اتفاقيات غير قانونية”، ودعت إلى حوار مباشر.
وفي سياق متصل، أعلنت اليونان عن تعزيز دفاعها البحري بشراء فرقاطة “بيلهارا” الرابعة من فرنسا، بقيمة تصل إلى مليارات اليورو، لمواجهة “الاضطرابات الجيوسياسية غير المتوقعة” في المنطقة.
يُعد هذا الحوار خطوة استراتيجية لأثينا، خاصة في ظل التوترات مع أنقرة، حيث يُنظر إليه كتحدٍّ للمذكرة التركية-الليبية، وكوسيلة لتعزيز الشراكات مع الولايات المتحدة ومصر.
ومن المتوقع أن يساهم الاتفاق المحتمل في استقرار المنطقة، وفتح أبواب الاستثمار في الغاز الطبيعي، مما يعزز أمن الطاقة الأوروبي.
مع ذلك، يحذر خبراء من تعقيدات الطريق، بسبب التأثيرات السياسية الداخلية في ليبيا والضغوط التركية. هل يُشكل هذا البداية لعصر جديد من التعاون الجنوبي-الجنوبي في المتوسط؟ الإجابة تكمن في الاجتماعات القادمة.