في عالم يتسارع فيه التغيير، وتتبدل فيه الموازين الاستراتيجية بسرعة البرق، يأتي الاحتفال الصيني بمرور 80 عامًا على انتصارها في الحرب العالمية الثانية ليُعلن بوضوح: نهاية عصر أمريكا كقطب وحيد يهيمن على مصائر الشعوب.
هذا ليس مجرد احتفال وطني، بل رسالة ردع عالمية، تكشف عن غول عسكري وصناعي يتقدم بثبات، محملًا بترسانة نووية تُغير قواعد اللعبة الدولية.
وفي قلب هذا التحول، يبرز الثلاثي النووي – الصين وروسيا وكوريا الشمالية – كقوة جديدة تُنهي أسطورة الهيمنة الأمريكية، وتفتح أبواب نظام عالمي متعدد الأقطاب.
لقد أبهر العرض العسكري الصيني العالم، بحضور 26 زعيمًا دوليًا، بما في ذلك الرئيس الصيني شي جين بينغ، والروسي فلاديمير بوتين، والكوري الشمالي كيم جونغ أون، إلى جانب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان الذي أضاف لمسة لافتة.
كان العرض، كما أجمع المحللون العسكريون، رسالة صريحة للقوى الغربية، خاصة الولايات المتحدة، مفادها: الصين ليست مجرد اقتصاد ناشئ، بل قوة نووية كاملة الأركان.
لأول مرة، عرضت بكين “الثلاثي النووي” الخاص بها، وهو نظام يشمل الوسائل البرية والبحرية والجوية لإطلاق الأسلحة النووية.
في الجانب البري، أظهرت الصين صواريخ أرض-أرض بعيدة المدى، محملة على قواعد متحركة، قادرة على تنفيذ ضربات استراتيجية مباشرة.
أما البحري، فتمثل في صواريخ تُطلق من غواصات نووية تختبئ تحت الماء لفترات طويلة، مما يجعل اكتشافها مستحيلًا وردها مفاجئًا ومدمرًا. وفي الجو، عرضت قاذفات استراتيجية تحمل صواريخ أو قنابل نووية، مما يمنح الصين تفوقًا جويًا لا يُستهان به.
هذا الثلاثي النووي الصيني، الوافد الجديد إلى نادي القوى النووية، يتنافس مع نظيره الأمريكي الذي يعتمد على تقنيات قديمة في الصواريخ البرية، والروسي الذي يتفوق في التنوع والصواريخ الثقيلة.
وفقًا لتقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) لعام 2024، بلغ الإنفاق العسكري الصيني المقدر 314 مليار دولار، مقارنة بـ149 مليار دولار لروسيا (رغم حربها في أوكرانيا والعقوبات)، بينما تمتلك كوريا الشمالية ترسانة صاروخية متقدمة تشمل أكثر من 1.2 مليون جندي.
هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات؛ إنها دليل على قوة اقتصادية صينية متصاعدة، مدعومة بخبرة عسكرية روسية وقدرات صاروخية كورية شمالية، تجعل نهاية عصر القطب الوحيد أمرًا واقعيًا.
معظم التقديرات الاستراتيجية تؤكد أن الصين تسعى لأن تصبح القوة الاقتصادية الأولى عالميًا، ومن خلال عرضها العسكري، تبدو خططها للوصول إلى الصدارة العسكرية بحلول 2030 واضحة.
هذا الطموح يقلق الغرب، خاصة أمريكا، التي تواجه تحالفات جديدة مثل منظمة بريكس وقمة شنغهاي، حيث تقود الصين وروسيا والهند مسيرة نحو نظام اقتصادي جديد ينهي هيمنة الدولار ويروج لسوق حرة تشمل البرازيل وجنوب أفريقيا ودولًا أخرى.
إنه تحول جذري: وداعًا لأمريكا السيدة الوحيدة، ومرحبًا بالثلاثي النووي الذي يعيد رسم الخريطة العالمية.
في هذا السياق، يطرح السؤال نفسه: لو لم يتبنَّ الرئيس عبد الفتاح السيسي سياسة تنويع السلاح والتحالفات مع الكبار، هل كانت مصر بهذه القوة اليوم؟ حكمة الزعيم المصري، باني النهضة الحديثة، جعلت مصر قادرة على حماية أراضيها وردع أي معتدٍ. لن يردع إسرائيل أو أمريكا إلا سلاح القوة، كما قال المثل: “العوفي لا يستطيع أحد أن يأخذ لقمته”. مصر، بدخولها مجالات التصنيع العسكري والصناعي والزراعي، أصبحت قوة لا تُستهان بها، قادرة على صيانة أمنها القومي.
في الختام، هذا المقال ليس مجرد تحليل؛ إنه وثيقة تاريخية تُكتب بنبض الوطنية. نشأت في أحضان المنظومة العسكرية، وأساهم في تنوير الأجيال الشابة العاشقة لتراب الوطن، المستعدة للشهادة على أرض الفيروز. تحيا مصر، وتحيا النهضة العربية في عصر جديد متعدد الأقطاب.
نائب رئيس تحرير جريدة الأخبار