أخبار عاجلة

الموسيقى.. لغة الفطرة وسلاح الوطن: الدكتورة عفاف طلبة تكشف أسرار النغم في حياة الشعوب

سحر رجب

في عالم يتسارع فيه الإيقاع اليومي، تظل الموسيقى ملاذاً للروح وأداة للوحدة الوطنية. هكذا تحدثت الدكتورة عفاف طلبة، أستاذة البيانو في معهد السينما ورئيسة منتدى أفريقيا، وأكدت على دور الموسيقى كلغة عالمية لا تحتاج إلى ترجمة. تقول طلبة: “لا أحد لا يطرب من النغمة الحلوة”، مشيرة إلى أن الموسيقى فطرية داخلنا، تجمع بين الثقافات المختلفة، خاصة في أفريقيا حيث تربطها بالشعوب الأخرى دون حواجز لغوية.

جاء ذلك خلال ندوة ثقافية بعنوان “الشعر والموسيقى توأمان لا يفترقان”،  في قاعة الموسيقى بدار الكتب والوثائق القومية ضمن فعاليات اليوم المصري للموسيقى الذي أقرته وزارة الثقافة.

وأكدت الدكتورة طلبة على أهمية الموسيقى للأطفال، معتبرة إياها ضرورة حياتية تجعلهم أكثر اتزاناً.

“الموسيقى مهمة جداً للأطفال لأنها تجعل الطفل أكثر اتزاناً”، تضيف، مشددة على ضرورة تنمية المواهب الموسيقية لدى الأطفال من خلال المدرسة والتدريب.

أما بالنسبة للكبار، فهي توفر الاستمتاع، لكنها تبقى أساسية للنمو العاطفي لدى الصغار.

وفي سياق القضايا الوطنية، أشارت طلبة إلى الدور التاريخي للموسيقى كسلاح معنوي في أوقات الأزمات. خلال حروب 1967 و1973، كانت الأغاني الوطنية تصاحب الأحداث، تعزز المشاعر الوطنية، ترفع الحماس، وتعبر عن الهوية المصرية.

“الموسيقى لعبت دوراً وسنداً قوياً في القضايا الوطنية”، تقول، مضيفة أنها كانت وسيلة للتعبير عن التضامن الاجتماعي في الحفلات الخيرية، وأداة للمقاومة الثقافية ضد الاحتلال.

كما أن الشعر شارك في هذا الدور، معبراً عن المناسبات السياسية والدينية والاجتماعية. وتؤكد: “الموسيقى في مصر لم تكن مجرد ترفيه، بل كانت سلاحاً معنوياً وثقافياً يعزز الوحدة الوطنية ويوثق التاريخ”.

أما عن الفرق بين الموسيقى الكلاسيكية والشرقية، فأوضحت طلبة أن هناك اختلافات واتفاقات. الموسيقى الكلاسيكية تعتمد على قائد “مايسترو” يدير وحدة موسيقية مكتوبة بدقة، مع عدد كبير من الآلات، وتستمد إبداعها من التجسيد النغمي. أما الشرقية، فتعتمد على خط موسيقي واحد، مع التقاسيم التي تسلطن المتلقي، وقد تكون اجتهاداً شخصياً للعازف.

“الموسيقى الكلاسيكية تتطلب معرفة نظرية وتحليلية لتذوقها”، تقول، بينما الشرقية أكثر عفوية.

كما قارنت بين الموسيقى والشعر، مشيرة إلى أن الشعر يعتمد على الوزن والقافية، سواء كان فصحى أو عامية، بينما الموسيقى ترتكز على اللحن والنغمة. ومع ذلك، كلاهما يتطلب الإنصات للتعايش معهما. “الموسيقى تخدم الشعر”، تؤكد طلبة، مستشهدة بأم كلثوم في أغنية “هل رأى الحب سكارى مثلنا”، حيث يخلق اللحن جمالاً يتماشى مع الكلمات، ويجعل المتلقي يعيش في خياله.

وتضيف أن جمال الأغنية يعتمد بنسبة 75% على اللحن و25% على الكلمات، مما يجعل الموسيقى والشعر يكملان بعضهما.

في الختام، تظل الموسيقى، وفقاً للدكتورة عفاف طلبة، صوت الشعب في أحلك الظروف، تجمع الثقافات وتشفي الروح، وتبقى ضرورة للأجيال القادمة. هذا الحوار يذكرنا بأن النغم ليس مجرد صوت، بل هو حياة تتعايش.

الندوة، التي جمعت نخبة من الشعراء والنقاد والموسيقيين، سلطت الضوء على التلاحم التاريخي بين الفنين، مؤكدة دورهما في صياغة الهوية الثقافية المصرية ، وسط تحديات العصر الحديث.

بدأت الندوة بكلمات افتتاحية من الشاعرة والناقدة نجلاء أحمد حسن، مديرة “دوحة الشعراء” والمدير العام بمكتبة القاهرة الكبرى، التي أدارت الجلسة ببراعة، مشددة على أن الشعر والموسيقى ليسا مجرد فنين متجاورين، بل “جناحان للإبداع يرفرفان معاً نحو السمو الإنساني”.

شارك في الندوة الشاعر الكبير أحمد سويلم، مؤسس “دوحة الشعراء”، والدكتورة نوران فؤاد، الناقدة الأدبية والشاعرة.

وركزت المناقشات على أهداف الندوة الرئيسية، التي شملت تسليط الضوء على العلاقة التاريخية بين الشعر والموسيقى منذ العصور القديمة، مع التركيز على الموروث العربي والمصري.

كما هدفت إلى نشر الوعي بأهمية التراث الموسيقي، وإبراز تأثير الإيقاع واللحن في بنية الشعر، بالإضافة إلى مناقشة التحديات المعاصرة مثل الحفاظ على الأصالة أمام التأثيرات الحديثة.

وأكد المشاركون على “الشعراء والموسيقيون حراس الفكر والوجدان الإنساني، يحملون معجزة الأرض وحراس النغمات.

استعرض المشاركون محاور نقاشية غنية، بدءاً بدور الموسيقى في تشكيل البنية الإيقاعية للشعر، مروراً بتأثير الغناء في نشر الشعر على نطاق واسع، وصولاً إلى الأمثلة التراثية المصرية التي جمعت بين الشعر والإنشاد، مثل أغاني الأم لطفلها كـ”ماما زمنها جاية”، أو القصائد الدينية المغناة مثل “خد بايدي” لعلية الجعار، وأغاني الحب الشعبية للأبنودي.

كما تطرقوا إلى أغراض الشعر مثل الرثاء والمدح، مقارنة بأهداف الموسيقى في مقامات الفرح كالنهاوند، أو الحزن كالرست، مستشهدين بأعمال كلاسيكية مثل السيمفونية الخامسة لبيتهوفن، وأوبرا “عايدة” لفيردي.

لم تغفل الندوة الرؤى المستقبلية، حيث اقترح المشاركون تعزيز التلاقح بين الشعر والموسيقى عبر ورش عمل ومهرجانات ثقافية، مستلهمين آراء فيلسوف مثل ابن سينا الذي اعتبر الاستماع إليهما مسكناً للأوجاع. كما أكدوا على دور هذا التكامل في تقوية التماسك الاجتماعي، مستشهدين بأناشيد وطنية مثل “بلادي” ليونس القاضي، وارتباط الفنين بأساطير قديمة كإيزيس وأوزوريس، التي تعكس قيم الحق والخير والجمال في العقل الجمعي.

في ختام الندوة، أكدت الفعالية أن الشعر والموسيقى يشكلان وحدة فنية تعكس هوية الإنسان المصري والعربي، داعية إلى دعم هذا التكامل من خلال المؤسسات التعليمية والثقافية. ومع تزايد الاهتمام بالتراث في ظل التحديات العالمية، تبرز مثل هذه الندوات كجسر نحو مستقبل يجمع بين الأصالة والإبداع، ليظل الفن شاهداً على حيوية الثقافة المصرية.

عن وجه افريقيا