أخبار عاجلة

الجمعية العامة للأمم المتحدة توافق بأغلبية ساحقة على إعلان نيويورك: دفع تاريخي لحل الدولتين وسط انقسامات عميقة

 

سحر رجب

في عرض مذهل للإجماع الدولي حول أحد أكثر النزاعات تعقيداً في العالم، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الجمعة بأغلبية ساحقة لتأييد “إعلان نيويورك بشأن التسوية السلمية لقضية فلسطين وتنفيذ حل الدولتين”.

القرار، الذي يحدد “خطوات ملموسة ومحددة زمنياً ولا رجعة فيها” نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل، مر بـ142 صوتاً مؤيداً، و10 أصوات مضادة، و12 امتناعاً.

قرار تاريخي 

هذا القرار التاريخي، الذي نشأ من مؤتمر دولي رفيع المستوى شارك فيه فرنسا والسعودية كرئيسين مشاركين في يوليو، يأتي قبل أيام من قمة قادة العالم في 22 سبتمبر، مشيراً إلى زخم عالمي متجدد للسلام في الشرق الأوسط.

ومع ذلك، كشف التصويت أيضاً عن انقسامات حادة، حيث قادت الولايات المتحدة وإسرائيل المعارضة، بينما رحب المسؤولون الفلسطينيون به كـ”انتصار للعدالة”.

الإعلان: خارطة طريق للسلام أم إيماءة رمزية؟

إعلان نيويورك المكون من سبع صفحات، الذي صيغ خلال مؤتمر 28-30 يوليو في مقر الأمم المتحدة، يمثل إطاراً شاملاً لحل النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني الذي استمر لما يقرب من ثماني عقود.

وقد وقع عليه في البداية 17 دولة، بالإضافة إلى جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي، ويرسم خطة مرقمة لمدة 15 شهراً لإقامة دولة فلسطينية ديمقراطية ومستقلة غير مسلحة بناءً على حدود 1967، بما في ذلك القدس الشرقية عاصمة لها. تشمل العناصر الرئيسية:

وقف إطلاق النار الفوري والإجراءات الإنسانية

يدعو إلى إنهاء الحرب في غزة، والإفراج غير المشروط عن جميع الأسرى المحتجزين لدى حماس، وتوفير وصول غير مقيد للمساعدات الإنسانية لمواجهة الأزمة المستمرة، حيث تلوح مخاطر المجاعة كبيرة.

الإصلاحات السياسية والأمنية

يطالب حماس بالتخلي عن السيطرة على غزة، ونزع سلاحها، وتسليم السلطة إلى السلطة الوطنية الفلسطينية المُصلحة تحت رئاسة محمود عباس.

كما يدين هجمات حماس في 7 أكتوبر 2023 على المدنيين الإسرائيليين – أول إقرار صريح كهذا في الأمم المتحدة – ويصر على قيادة فلسطينية موحدة وديمقراطية تستثني الجماعة.

ضمانات دولية

يقترح بعثة استقرار مؤقتة تحت تفويض الأمم المتحدة لتأمين غزة، وتقديم ضمانات أمنية لكل من إسرائيل وفلسطين، وتسهيل إعادة الإعمار الاقتصادي.

كما يؤكد الدعم لـ”حل عادل” لقضية اللاجئين الفلسطينيين وفق قرار الأمم المتحدة 194، مع انتقال خدمات وكالة الأونروا إلى مؤسسات فلسطينية.

خطوات لا رجعة فيها

يحث الدول الأعضاء على الاعتراف بفلسطين كعضو كامل في الأمم المتحدة، وفرض إجراءات ضد المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية، مستنداً إلى رأي محكمة العدل الدولية في يوليو 2024 بشأن عدم شرعية الاحتلال.

تحويل الإعلان إلى وثيقة رسمية في الأمم المتحدة، رغم عدم إلزاميته، وصف السفير الفرنسي جيروم بونافون به كـ”خارطة طريق واحدة لتنفيذ حل الدولتين”، مشدداً على الإجراء الجماعي عبر الأبعاد السياسية والإنسانية والاقتصادية والقانونية والأمنية.

كما أكد ممثل السعودية أنه “مسار نحو السلام” في “لحظة تاريخية حرجة” للمنطقة.

يبني هذا على قرار الجمعية العامة 79/81 في ديسمبر 2024، الذي أذن بالمؤتمر، ويتوافق مع جهود أوسع مثل التحالف العالمي لحل الدولتين الذي أطلقته السعودية في سبتمبر 2024.

قبل قمة 22 سبتمبر، أشارت عدة دول – بما في ذلك فرنسا والمملكة المتحدة وكندا ومالطا، وربما غيرها – إلى نيتها الاعتراف الرسمي بفلسطين، معتبرة ذلك “خطوة أساسية” لجعلها قابلاً للحياة.

رد الفعل الأمريكي: “حيلة دعائية مضللة” تكافئ حماس

الولايات المتحدة، التي تمتلك حق الفيتو التقليدي في مجلس الأمن، صوتت ضد القرار وأصدرت توبيخاً حاداً، معتبرة إياه مضاداً للدبلوماسية الحقيقية.

في تفسير التصويت الذي قدمته نائبة المستشار السياسي تينغ وو، قالت بعثة الولايات المتحدة: “الولايات المتحدة تعارض إعلان نيويورك، كما عارضت المؤتمر الدولي الرفيع المستوى… والقرار الذي أذن به. إجراء الجمعية العامة… هو مجرد حيلة دعائية مضللة وغير مناسبة زمنياً تُقوض الجهود الدبلوماسية الجادة لإنهاء النزاع”.

واشنطن اعتبرت أن النص “يحتوي على لغة تدعم ما يُسمى ‘حق العودة’، الذي يعني الموت الديموغرافي لإسرائيل كدولة يهودية”. كما اتهمت القرار بأنه “هدية لحماس”، مدفوعاً بـ”سياسات داخلية بدلاً من أجندة سياسة خارجية جادة”، محذرة من أنه سيطيل الحرب بتكافئ أفعال الجماعة. رفضت الولايات المتحدة مثل هذه المبادرات باستمرار، بما في ذلك مؤتمر يوليو، مفضلة المفاوضات المباشرة ومخاوف الأمن الإسرائيلي على المنتديات المتعددة الأطراف التي تراها متحيزة.

يتوافق هذا الموقف مع سياسة إدارة ترامب الأوسع، التي ركزت على الضغط الأحادي على حماس ورفض الاعتراف الأحادي بدولة فلسطينية. يرى النقاد، بما في ذلك بعض الحلفاء الأوروبيين، أن هذا يعزل الولايات المتحدة وسط الدعم العالمي المتزايد لفلسطين.

رفض إسرائيل القاطع: “سيرك سياسي منفصل عن الواقع”

إسرائيل، التي قاطعت مؤتمر يوليو أيضاً، أصدرت إدانة عنيفة بعد ساعات من التصويت.

أعلنت وزارة الخارجية “إسرائيل ترفض رفضاً قاطعاً قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا المساء”، واصفة الجهاز بـ”سيرك سياسي منفصل عن الواقع”.

انتقدت الإعلان لفشله في معالجة دور حماس بشكل كافٍ، مشيرة: “في عشرات الفقرات… لا يوجد أي ذكر لحقيقة أن حماس منظمة إرهابية”، ولا إشارة إلى مسؤولية حماس الوحيدة عن إطالة الحرب برفضها إعادة الأسرى ونزع سلاحها.

صدّر مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هذا، واصفاً القرار بـ”الساخر والمنافق”، معتبراً أنه يتجاهل حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بعد 7 أكتوبر بينما يضغط عليها للتنازل عن الأراضي.

سبق أن قال رئيس الكنيست أمير أوهانا في خطاب في يوليو إن دولة فلسطينية يمكن إقامتها “في لندن أو باريس” بدلاً من الأرض الإسرائيلية.

ينبع معارضة إسرائيل من مخاوف من أن إطار الدولتين يهدد أمنها وسلامتها الديموغرافية، مفضلة الوضع الراهن للاحتلال الخاضع للسيطرة.

تحذر الجماعات الحقوقية والمحللون من أن هذا الرفض يعرض إسرائيل لعزلة أكبر، حيث تدعم حتى حلفاء مثل ألمانيا الحل.

الداعمون والمعارضون: انقسام عالمي

كشف التصويت عن خط أخطاء جيوسياسي واضح، مع دعم واسع من الجنوب العالمي وأوروبا والدول العربية مقابل معارضة حادة من أقرب حلفاء إسرائيل.

الدول الداعمة (142 مؤيداً): قادها الرئيسان المشاركان فرنسا والسعودية، وحصل القرار على تأييد من ائتلاف متنوع.

من الداعمين الرئيسيين

الدول الأوروبية: ألمانيا (رغم تأجيل الاعتراف الفوري)، المملكة المتحدة، إسبانيا، أيرلندا، النرويج، والاتحاد الأوروبي ككتلة، معتبرة إياه أساسياً للاستقرار الإقليمي.

الدول العربية والإسلامية

السعودية، مصر، الأردن، الإمارات، قطر، تركيا، وكامل جامعة الدول العربية، التي دانت 7 أكتوبر جماعياً لأول مرة ودعت إلى نزع سلاح حماس.

قوى الجنوب العالمي

الصين، الهند (التي صوتت نعم مع 141 آخرين)، البرازيل، إندونيسيا، جنوب أفريقيا، وروسيا، مشددة على إنهاء الاستعمار وحق تقرير المصير.

آخرون

أستراليا، كندا (بشروط)، اليابان، وكوريا الجنوبية دعمت رمزياً، بينما رحب مجلس التعاون الخليجي به كخطوة نحو “سلام عادل”.

هذه الدول أشادت بتوازن الإعلان – الذي يدين هجمات حماس وعمليات إسرائيل في غزة – مشددة على الإلحاح وسط الكارثة الإنسانية في غزة.

الدول المعارضة (10 مضادة)

كتلة صغيرة لكنها صاخبة، تهيمن عليها حلفاء إسرائيل:

الولايات المتحدة، إسرائيل (كما هو متوقع).

المجر، الأرجنتين (تحت حكومات يمينية متماشية مع نتنياهو).

حفنة من دول جزر المحيط الهادئ وغيرها بمواقف مؤيدة لإسرائيل، ليصل الإجمالي إلى 10 فقط.

الامتناعات (12)

شملت إيطاليا، النمسا، وعدة دول أوروبية شرقية حذرة من إغضاب إسرائيل دون اعترافات فورية.

على منصة إكس (تويتر سابقاً)، تراوحت الردود من تغريدة بعثة فلسطين المنتصرة “العالم يختار السلام. فلسطين تختار السلام” إلى رد المتحدث الإسرائيلي بأنه يمكن الجماعة من الغزو.

حث الأمين العام أنطونيو جوتيريش على التنفيذ السريع، محذراً من أن حل الدولتين “على جهاز الإنعاش”.

المنظور الفلسطيني: “انتصار للعدالة والسلام”

احتفل المسؤولون الفلسطينيون بالتصويت كـ”معلم تاريخي”، حيث قال وزارة الخارجية للسلطة الوطنية إنه “يؤكد حق فلسطين في الدولة وينهي عقوداً من الظلم”.

أعلن المراقب الدائم رياض منصور: “هذا الإعلان ينبع من العمل… في نيويورك، مرسماً خارطة طريق واحدة”.

شكر الرئيس عباس، الذي دان حماس في يونيو ودعم نزع السلاح، الداعمين لجعله “وثيقة رسمية في الأمم المتحدة”.

دعت السلطة الوطنية إلى ضغط عالمي على إسرائيل لوقف العدوان، وإطلاق الأسرى، وإنهاء النزوح، معتبرة القرار تعزيزاً لشرعيتها ضد حماس.

ومع ذلك، تبقى التحديات: توحيد الحكم، إعادة بناء غزة، وتأمين الاعترافات وسط المشكلات الاقتصادية.

النظرة المستقبلية: من الكلمات إلى الإجراء

مع اقتراب قمة 22 سبتمبر، يعتمد نجاح الإعلان على التنفيذ – ربما عبر إحالة إلى مجلس الأمن أو عقوبات.

يحذر المحللون من الهشاشة: توسع المستوطنات الإسرائيلي وتهديدات الفيتو الأمريكي قد يعرقل التقدم.

ومع ذلك، مع 142 دولة متماشية، يمثل تحولاً زلزالياً، معزلاً المعارضين ومُجدداً الأمل بدولتين تعيشان في سلام.

يواجه المجتمع الدولي الآن اختباراً: هل سيكون هذا قراراً آخر مؤرشفاً، أم محفزاً لسلام دائم؟

 

عن وجه افريقيا