أحمد سلام يكتب: قمة شانغهاي في تيانجين.. بين استدعاء التاريخ وصياغة النظام العالمي القادم

 

تتجه أنظار العالم في الفترة من 31 اغسطس والاول من سبتمبر القادم لمدينة تيانجين الصينية، التي ستستضيف القمة المقبلة لمنظمة شانغهاي للتعاون، والتي يُتوقع أن تكون الأكبر في تاريخ المنظمة من حيث حجم المشاركة وحساسية القضايا المطروحة.

يعكس اختيار تيانجين لاستضافة القمة الدور المحوري للصين داخل المنظمة، ويؤكد التزامها بدعم التكامل الإقليمي وتعزيز آليات التعاون جنوب-جنوب. كما يشير إلى رغبة بكين في تحويل منصات التعاون الإقليمي إلى رافعة للنظام الدولي المتوازن والعادل، خاصة في ظل ما يشهده العالم من استقطابات متزايدة.

ويترأس الرئيس الصيني شي جين بينغ الاجتماع ال25 لقمة منظمة شانغهاي للتعاون

وسيلقي شي كلمتين رئيسيتين ، وخلال كلمتيه في الاجتماعين المذكورين، سيوضح الرئيس شي الرؤية والمقترحات الجديدة للصين بشأن منظمة شانغهاي للتعاون إزاء المضي قدما بروح شانغهاي، وتحمّل مهمة العصر، والاستجابة لتطلعات الشعوب.

كما سيعلن شي عن تدابير ومبادرات جديدة من جانب الصين لدعم التنمية عالية الجودة لمنظمة شانغهاي للتعاون، وتعزيز التعاون الشامل، وسيقترح أساليب ومسارات جديدة للمنظمة من أجل الإسهام بشكل بنّاء في حماية النظام الدولي لما بعد الحرب العالمية الثانية وتحسين نظام الحوكمة العالمية، وفقا لوزارة الخارجية الصينية.

تنبع أهمية القمة لتزامنها مع مناسبات تاريخية كبرى ؛ إذ يتوافق انعقادها مع الذكرى الثمانين لانتصار الشعب الصيني في حرب المقاومة ضد العدوان الياباني ، وكذلك مع مرور ثمانين عامًا على تأسيس الأمم المتحدة. هذه الخلفية تمنح القمة بعدًا رمزيًا وسياسيًا عميقًا، يجعل من تيانجين منصة لتجديد الالتزام الدولي بحماية النظام متعدد الأطراف الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية.

ومن المتوقع أن تشهد القمة اعتماد حزمة من الوثائق السياسية والاقتصادية المهمة، أبرزها “إعلان تيانجين” الذي سيعكس المواقف المشتركة للدول الأعضاء إزاء القضايا الدولية الساخنة، بما يشمل الوضع السياسي والأمني والاقتصادي. كما يُنتظر أن يتم إقرار “استراتيجية التنمية العشرية للمنظمة حتى عام 2035″، ما يعكس رؤية بعيدة المدى لتعزيز التعاون الإقليمي.

ولا يقتصر الأمر على الملفات السياسية، بل تمتد المناقشات إلى قضايا جوهرية في الاقتصاد العالمي، مثل:تعزيز التعاون في الطاقة ، والدفع نحو الاقتصاد الرقمي، ودعم التصنيع والصناعات الخضراء ، والعمل علي ترسيخ نظام التجارة متعدد الأطراف في مواجهة التحديات والاضطرابات الدولية.

وتحمل القمة جانبًا تذكاريًا يتمثل في إصدار بيان خاص لقادة الدول الأعضاء بمناسبة الذكرى الثمانين لانتصار الحرب العالمية الثانية. ومن شأن هذا البيان أن يعكس إجماع الدول الأعضاء على أهمية استحضار دروس التاريخ، والتمسك بالقيم التي أسسها جيل ما بعد الحرب في مواجهة الاستبداد والعدوانية، وفي مقدمتها صون السلام والاستقرار الدوليين.

وتسعي منظمة شانغهاي للتعاون للعب دور عالمي أكثر تأثيرًا ، وقد بدأت المنظمة كتجمع إقليمي أمني واقتصادي، وتبدو اليوم في طور التحول إلى لاعب دولي أكثر تأثيرًا. فالقمة المقبلة مرشحة لأن تعزز مكانة المنظمة على الساحة الدولية، ليس فقط من خلال التوافقات السياسية، بل عبر تقديم بدائل عملية للتحديات الاقتصادية والطاقوية والرقمية التي تواجه دول العالم.

قمة تيانجين ليست مجرد اجتماع دوري، بل محطة فارقة تحمل في طياتها أبعادًا تاريخية ورؤى مستقبلية. فهي تضع على الطاولة مزيجًا من التحديات والفرص، وتؤكد أن منظمة شانغهاي للتعاون تسير بخطى واثقة نحو دور أكبر في صياغة التوازنات الدولية المقبلة.

Sallamahmed2@gmail.com

المستشار الاعلامي المصري السابق ببكين

والخبير بالشأن الصينب

عن وجه افريقيا