“مصر السياحة: بين عز الحضارة وتحديات الانتعاش

اسماعيل خفاجي

في أرض الحضارات القديمة، حيث تتجلى عجائب العالم في أهرامات الجيزة والكنيسة المعلقة بمصر القديمة، تواجه السياحة المصرية معركة وجودية حقيقية: “أكون أو لا أكون؟”.

رغم ثروتها السياحية الغنية بالمنتجعات الفاخرة، والمزارات الأثرية والدينية في الواحات وسيناء، إلا أن معدلات تشغيل الفنادق في بعض المناطق لا تزال دون المستوى المأمول، مع انخفاض ملحوظ في تدفق الوفود الأوروبية والعربية خلال السنوات الأخيرة.

ومع ذلك، تشير البيانات الأحدث إلى بداية انتعاش قوي في عام 2025، حيث سجلت مصر زيادة بنسبة 24% في عدد السياح الوافدين خلال النصف الأول من العام، ليصل إلى 8.7 مليون سائح.

فكيف يمكن للمسؤولين عن السياحة في مصر تعزيز هذا الانتعاش وإعادة المعدلات إلى سابق عهدها في الوجهات الرئيسية مثل الأقصر وأسوان، والغردقة وشرم الشيخ؟
التحديات المستمرة رغم الانتعاش
مصر، مهد الحضارة والأمان، تتمتع بمزيج فريد من السياحة الدينية والعلاجية والأثرية.

من أهرامات الجيزة التي تجذب الملايين سنويًا، إلى الواحات الطبيعية في سيناء التي توفر تجارب علاجية فريدة، مرورًا بالكنيسة المعلقة كرمز للسياحة الدينية. ومع ذلك، شهدت السياحة تراجعًا ملحوظًا في الفترة من 2023 إلى أوائل 2024، بسبب الصراع في غزة المجاورة، الذي أدى إلى انخفاض في الحجوزات بنسبة تصل إلى 20-30% في بعض المناطق، خاصة المنتجعات الساحلية مثل شرم الشيخ والغردقة.

كما ساهمت التحديات الاقتصادية العالمية، مثل التضخم وارتفاع تكاليف السفر، إلى جانب مخاوف الأمان الناتجة عن التوترات الإقليمية، في تقليل تدفق السياح الأوروبيين والعرب.

في عام 2025، يظهر الانتعاش بوضوح: ارتفاع بنسبة 26% في السياح الوافدين من يناير إلى مايو مقارنة بالعام السابق، مع ترتيب مصر العاشر عالميًا في نمو السياحة بنسبة 21% في الربع الأول.

ومع ذلك، لا يزال هناك فجوة في بعض المناطق، حيث يعاني بعض الفنادق من معدلات إشغال أقل من 70% في غير موسم الذروة، بسبب المنافسة الشديدة من وجهات أخرى مثل تركيا والإمارات، بالإضافة إلى تأثيرات تغير المناخ التي تهدد المناطق الساحلية.

فرص التحسين في الوجهات الرئيسية
لإعادة السياحة إلى مجدها السابق، يجب على القائمين على القطاع التركيز على استراتيجيات مستهدفة لكل وجهة، مع الاستفادة من الانتعاش الحالي الذي يتوقع أن يصل إلى 18 مليون سائح بنهاية 2025.

بناءً على تحليلات الخبراء هناك عدة اقتراحات منها
الأقصر وأسوان: تعزيز السياحة الثقافية والنيلية
هاتان المدينتان، مركز الحضارة الفرعونية مع معابد الكرنك وأبو سمبل، شهدتا انخفاضًا في الزوار بسبب الحرارة الشديدة والحاجة إلى تحديث البنية التحتية. للتحسين، يُنصح بتطوير رحلات نيلية مستدامة باستخدام سفن صديقة للبيئة، وإدخال تذاكر إلكترونية متعددة الوجهات تشمل الدخول إلى المواقع الأثرية مع رسوم التأشيرة، على غرار “Jordan Pass.

كما يمكن تعزيز السياحة الدينية من خلال حملات ترويجية مشتركة مع دول عربية، مستهدفة الزوار العرب الذين انخفض عددهم بنسبة 15% في السنوات الأخيرة.

افتتاح المتحف المصري الكبير في 2025 يُعد خطوة إيجابية، حيث يتوقع جذب مليون زائر إضافي.

الغردقة وشرم الشيخ: التركيز على السياحة الترفيهية والمغامرات

هذه المنتجعات الساحلية، المشهورة بشواطئها وغوصها، تأثرت بشدة بالصراع الإقليمي، مما أدى إلى إلغاء رحلات جوية أوروبية. لجعلها أكثر جاذبية، يجب الاستثمار في الاستدامة البيئية، مثل حماية الشعاب المرجانية وتقليل التأثير البيئي للفنادق، لجذب السياح البيئيين.

كما يُقترح تحسين السلامة من خلال تعزيز الإجراءات الأمنية في المناطق السياحية، وإطلاق حملات تسويقية رقمية تبرز الأمان والتنوع، مثل السياحة العلاجية في سيناء. يمكن أيضًا توسيع الخدمات اللوجستية، مثل تحسين النقل الداخلي عبر شركات مثل GoBus، لتسهيل التنقل بين الوجهات.

الطريق إلى المستقبل: استراتيجيات عامة
لتحقيق العودة الكاملة، يجب على وزارة السياحة والآثار تبني نهجًا شاملاً: زيادة الاستثمارات في البنية التحتية الرقمية للحجوزات، وتعزيز الشراكات الدولية لجذب السياح الروس والصينيين الذين ساهموا في الانتعاش الحالي.

كما يُنصح ببرامج تدريب للعاملين في القطاع لمكافحة الاحتيال والإزعاج، مع التركيز على السياحة المستدامة لمواجهة تغير المناخ.

توقعات منظمة السياحة العالمية تشير إلى نمو بنسبة 4.9% سنويًا، مما يجعل الإيرادات تصل إلى 17.6 مليار دولار في 2025، شريطة الحفاظ على الاستقرار الإقليمي.

في النهاية، السياحة المصرية ليست مجرد صناعة، بل هوية وطنية.

باستراتيجيات مدروسة، يمكن لمصر أن تكون، بل وتزدهر، كوجهة عالمية رائدة. السؤال الآن ليس “أكون أو لا أكون؟”، بل “كيف نكون الأفضل؟”.

عن وجه افريقيا