أخبار عاجلة

منى شلقامي تكتب : حركة “23 مارس” في الكونغو الديمقراطية: قراءة تحليلية لفاعل لم يُصنّف إرهابيًا

 

تعددت المقاربات التي حاولت التعامل مع التحدي المفاهيمي الخاص بمفهوم الإرهاب، فمنها من يركّز على البعد التاريخي للإرهاب، وآخرين ينطلقون من التحليل النفسي لمفهوم الرعب الذي يخلّفه الإرهاب في نفوس الأفراد والمجتمعات، كما اعتمد بعض الباحثين على مقارنة الإرهاب بأشكال أخرى من العنف السياسي لتحديد سماته المميزة، بينما ركّز البعض على الفعل الإرهابي ذاته من حيث الوسائل والنتائج، أو على هوية الفاعل الإرهابي ودوافعه وانتماءاته.

وفيما يتعلق بحركة “23 مارس” (M23)، فتُعد واحدة من أبرز الجهات الفاعلة المسلحة التي تُسهم في تعقيد المشهد الأمني والإنساني في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، فقد عانت جمهورية الكونغو الديمقراطية لفترة طويلة من عدم الاستقرار الذي كان مدفوعًا إلى حد كبير بالجماعات المسلحة، وأدى الاستيلاء الأخير عام 2025 على “غوما” و”بوكافو”، عاصمتي مقاطعتي شمال وجنوب “كيفو” على التوالي من قبل جماعة “23 مارس” ( (M23، إلى تفاقم الأزمة الإنسانية والأمنية، وزيادة معاناة المدنيين، وعلى الرغم من الانتهاكات الجسيمة المنسوبة إليها، إلا أنه لم تُصنف هذه الحركة رسميًا كجماعة إرهابية من قبل معظم الهيئات الدولية حتى الآن (2025)، وبالتالي تتمحور إشكالية هذه الورقة في التساؤل التالي: لماذا لم يتم تصنيف جماعة “23 مارس” (M23) في الكونغو الديمقراطية كجماعة إرهابية دولية رغم ممارساتها العنيفة وانتهاكاتها الجسيمة في شرق الكونغو الديمقراطية؟

لذلك تهدف هذه الورقة البحثية إلى تحليل موقف حركة “23 مارس” في الكونغو الديمقراطية، وتطبيق مؤشرات العمل الإرهابي على الأنشطة التي تقوم بها حركة “23 مارس”، وتأثير عملياتها على الوضع الإنساني الكارثي في شرق الكونغو، مع تسليط الضوء على إشكالية عدم تصنيفها ضمن إطار “الإرهاب الدولي”.

أولًا: تعريف العمل الإرهابي ومؤشراته

يقصد بالعمل الإرهابي، كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع في الداخل أو الخارج وذلك للأغراض الآتية:

الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع أو مصالحه أو أمنه للخطر.

إيذاء الأفراد أو إلقاء الرعب بينهم.

تعريض حياة الأفراد أو حرياتهم أو حقوقهم العامة أو الخاصة أو أمنهم للخطر، أو غيرها من الحريات والحقوق التي كفلها الدستور والقانون.

الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي، أو الأمن القومي.

الإضرار بالبيئة، أو بالموارد الطبيعية أو الآثار أو الأموال أو الأصول الأخرى أو المباني أو الأملاك العامة أو الخاصة.

احتلالها أو الاستيلاء عليها.

منع أو عرقلة السلطات العامة أو الجهات أو الهيئات القضائية أو مصالح الحكومة أو الوحدات المحلية أو دور العبادة أو المستشفيات ومؤسسات ومعاهد العلم، أو البعثات الدبلوماسية والقنصلية.

منع المنظمات والهيئات الإقليمية والدولية من القيام بعملها أو ممارستها لكل أو بعض وجه نشاطها أو تعطيله.

تعطيل تطبيق أي من أحكام الدستور أو القوانين أو اللوائح.

كل سلوك يرتكبه، يقصد تحقيق أحد الأغراض المبينة بالفقرة الأولى من هذه المادة، أو الإعداد لها أو التحريض عليها.

إذا كان من شأنه الإضرار بالاتصالات أو بالنظم المعلوماتية أو بالنظم المالية أو البنكية، أو بالاقتصاد الوطني أو بمخزون الطاقة أو بالموارد الغذائية والمياه، أو بسلامتها أو بالخدمات الطبية في الكوارث والأزمات.

وفي هذا السياق، سيتم تطبيق تعريف ومؤشرات العمل الإرهابي، و والذي يتضمن جملة من المؤشرات المرتبطة باستخدام العنف أو التهديد أو الترويع بهدف الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، وذلك على حالة جماعة “23 مارس” في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.

وسنتناول في التحليل مدى انطباق هذه المؤشرات على سلوك الجماعة من خلال استعراض ممارساتها الميدانية، وما تقوم به في شرق الكونغو، كالهجمات المسلحة، والسيطرة على مناطق مدنية، وتهجير السكان، وعرقلة عمل المؤسسات الحكومية، ويهدف هذا التطبيق إلى التحقق من مدى توافق ممارسات جماعة “23 مارس” مع الخصائص الجوهرية للعمل الإرهابي وفق ما ورد في الإطار النظري والمؤشرات المذكورة، مما يسهم في تقديم توصيف موضوعي ودقيق لطبيعة الجماعة وحدود شرعيتها.

ثانيًا: ممارسات حركة “23 مارس” في شرق الكونغو الديمقراطية

تشهد جمهورية “الكونغو الديمقراطية” الواقعة في إقليم وسط أفريقيا حالة من تصاعد التوترات الأمنية خلال الآونة الأخيرة، ويرتبط ذلك بالأساس بتفاقم المواجهات المسلحة بين القوات الحكومية وحركة “23 مارس” (M23) المتمردة في شرق البلاد منذ عام 2021، ويمكن عرض ذلك كالتالي:

التوترات التي تفاقمت في مطلع العام الجاري 2025، وأبرزها سيطرة حركة “23 مارس” على مدينة جوما في يناير 2025، والتي تُعد أكبر مدينة في المنطقة الشرقية الغنية بالمعادن في جمهورية الكونغو الديمقراطية.

هذا بالإضافة إلى سيطرتهم على مطار جوما في اليوم التالي في نفس الشهر 2025، وقد سبق ذلك سيطرة هذه الحركة على مدينة “ماسيسي” الغنية بالمعادن، وقد أدى ذلك بدوره إلى تزايد وتيرة المواجهات العنيفة بين الطرفين بشكل ملحوظ، وعقب ذلك أعلن المتحدث باسم الجيش الكونغولي استعادة القوات الحكومية السيطرة على عدة بلدات سقطت في أيدي الجماعات المسلحة في مقاطعتي “شمال كيفو” و”جنوب كيفو” شرق الكونغو.

في الفترة ما بين فبراير وأبريل من العام الجاري 2025، أجرت “منظمة العفو الدولية” مقابلات مع 18 معتقلًا مدنيًا سابقًا – جميعهم رجال – احتُجزوا بشكل غير قانوني في مواقع احتجاز حركة “23 مارس” في “غوما” و”بوكافو”، وتعرض تسعة منهم للتعذيب على يد مقاتلي الجماعة.

قامت حركة “23 مارس” (M23)، بقتل وتعذيب وإخفاء معتقلين قسرًا، واحتجاز بعضهم كرهائن، وتعريضهم لظروف لاإنسانية في مواقع احتجاز في “غوما” و”بوكافو” شرقي جمهورية الكونغو الديمقراطية. وصرحت “منظمة العفو الدولية” بأن هذه الأفعال تنتهك القانون الإنساني الدولي وقد ترقى إلى جرائم حرب.

وفي تصريح لـ “تيغيري شاغوتا”، المدير الإقليمي لـ”منظمة العفو الدولية” في شرق وجنوب أفريقيا: “إن التصريحات العلنية لحركة “23 مارس” حول إعادة النظام إلى شرقي جمهورية الكونغو الديمقراطية تُخفي معاملتهم المروعة للمعتقلين، إنهم يعاقبون بوحشية من يعتقدون أنهم يعارضونهم ويرهبون الآخرين، لذلك لا يجرؤ أحد على تحديهم، كما يجب على الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية الضغط على رواندا لوقف دعمها لهذه الجماعة”.

أيضًا نفذت حركة “23 مارس” سلسلة من الجرائم البشعة في مناطق سيطرتها، شملت إعدام أطفال أمام عائلاتهم واغتصاب نساء في حضور ذويهن، مما يعكس تصعيدًا خطيرًا في أساليب الإرهاب والترويع التي تمارسها الحركة.

ثالثًا: تداعيات الاشتباكات المسلحة بين حركة “23 مارس” والجيش الكونغولي

يُخلّف النزاع المستمر في شرق الكونغو أزمة إنسانية واستقرارية متفاقمة، وتنعكس آثاره المدمرة مباشرة على المدنيين. يمكن تلخيص أهم تداعيات هذا النزاع في النقاط التالية:

تصاعد الأزمة الإنسانية في الكونغو: ونجد ذلك في وجود تأثير كبير للصراع على الأطفال الصغار، حيث يحتاج (13.7) مليون طفل إلى مساعدات إنسانية، كما تم إغلاق نحو (416) مدرسة بسبب انعدام الأمن واستخدامها لإيواء النازحين وذلك في سبتمبر 2023، وتؤدي عمليات النزوح القسري المتكررة إلى زيادة معدلات السكان الذين يفقدون منازلهم ومصادر دخلهم وأراضيهم، وتضعف الروابط المجتمعية والاجتماعية، وكذلك تشير التقديرات إلى أن أكثر من نحو (23) مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي في الكونغو، ويواجه نحو (5.4) مليون شخص انعدام الأمن الغذائي الحاد في المقاطعات الشرقية الثلاث، وقد دفعت هذه العوامل إلى تصنيف جمهورية الكونغو الديمقراطية في المركز العاشر في قائمة مراقبة الطوارئ لعام 2024.

تفاقم أزمة النزوح واللجوء في جمهورية الكونغو الديمقراطية: تعد جمهورية الكونغو الديمقراطية موطنًا لثاني أكبر أزمة نزوح داخلي في أفريقيا، حيث يوجد نحو (7.3) مليون نازح داخليًا في جميع أنحاء جمهورية الكونغو الديمقراطية، وقد نزح أكثر من (6.5) مليون شخص في المقاطعات الشرقية الثلاث “إيتوري” و”شمال كيفو “و”جنوب كيفو”، وبالتالي تعد جمهورية الكونغو الديمقراطية واحدة من الدول التي تضم أعلى أعداد النازحين داخليًا في العالم، وتأتي في المرتبة الثانية في أفريقيا بعد جنوب السودان، ومن المتوقع أن يستمر النزوح القسري في المقاطعات الأكثر تضررًا في جمهورية الكونغو الديمقراطية في العام الحالي 2025، مما يؤدي إلى تفاقم حالة الطوارئ الإنسانية المروعة بالفعل في البلاد.

تصاعد وتيرة الخلافات بين الكونغو ورواندا: ونجد ذلك في استمرار المناوشات الحدودية بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، وكذلك فشل مفاوضات السلام التي كان مزمع إجراؤها في أنجولا في منتصف ديسمبر 2024، فضلًا عن الاتجاه المتوقع بشأن استمرار دعم رواندا لحركة “23 مارس” لتحقيق مصالحها؛ حيث ترى رواندا أن ثمة تهديدًا مستمرًا من وجود مجموعة من المتمردين “الهوتو” العرقيين في شرق الكونغو والمعروفين باسم “القوات الديمقراطية لتحرير رواندا”، والتي شاركت في الإبادة الجماعية التي شهدتها رواندا عام 1994، وهو ما كان أحد أسباب ظهور حركة “23 مارس” بقيادة “التوتسي” في عام 2012.

وقد قطعت الكونغو علاقاتها الدبلوماسية مع رواندا بسبب اندلاع القتال بين حركة “23 مارس” والقوات الحكومية حول مدينة جوما الشرقية الرئيسية، والذي أسفر عنه مقتل 13 جنديًا من قوات حفظ السلام والجنود الأجانب، وفي خطوة هامة غير مسبوقة بين الكونغو ورواندا، فقد وقعا الدولتان على “اتفاق سلام”؛ يهدف إلى وضع حد للأعمال العدائية في شرق الكونغو، وتم التوقيع الرسمي على الاتفاق النهائي في واشنطن آخر شهر يونيو 2025، بحضور وزير الخارجية الأمريكي، جاء هذا الاتفاق في أعقاب سيطرة جماعة “23 مارس” المتمردة، المدعومة من رواندا، على مناطق واسعة من شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية الغني بالمعادن، بما في ذلك مدينة “غوما” الاستراتيجية كما سبق الإشارة له من قبل، ويستند الاتفاق إلى مبادئ سبق أن أقرتها الدولتان، ويركز على احترام وحدة الأراضي، ووقف الأعمال العدائية في شرق الكونغو وقد تم هذا الاتفاق بوساطة قطرية، ولا يتضمن صراحةً حركة “23 مارس” في المنطقة الذي مزقتها عقود من الحروب لكنه يدعو رواندا إلى إنهاء “تدابير دفاعية” اتخذتها.

تزايد حدة الاضطرابات الأمنية في الدولة: حيث يوجد العشرات من الجماعات المتمردة المسلحة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، لكن وفقًا للعديد من التقارير، تُعد حركة “23 مارس” هي الأكثر تهديدًا لسيادة الكونغو، فضلًا عن ذلك جاءت جمهورية الكونغو الديمقراطية في المرتبة (13) عالميًا وفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي (IEB) لعام 2024، كما تحتل الكونغو الديمقراطية المرتبة (11) بين أخطر البلدان في العالم وذلك وفقًا لمشروع بيانات وأحداث الصراعات المسلحة “ACLED”.

وختامًا وتطرح الرؤية المستقبلية تصاعد حدة التوترات الأمنية في شرق جمهورية الكونغو ولاسيما في ضوء انسداد سبل الحل والتسوية السياسية للصراع، بالإضافة إلى استمرار الدعم الخارجي المقدم لطرفي الصراع، وبالتالي تؤثر تلك التوترات في زعزعة استقرار دولتين من دول حوض النيل، مما قد يؤثر بشكل غير مباشر على أمن واستقرار بقية دول حوض نهر النيل.

 

وبناءً على المؤشرات المذكورة من قبل في تعريف العمل الإرهابي ومؤشراته، وما ورد بشأن تحليل ممارسات جماعة “23 مارس” في شرق الكونغو، فضلًا عن التداعيات الناتجة عن الاشتباكات المسلحة بين حركة “23 مارس” والحكومة الكونغولية، تجدر الإشارة في هذا الصدد من خلال تحليل سلوك جماعة ” 23 مارس” في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية أنه يوجد تطابق لافت مع معظم المؤشرات الجوهرية للعمل الإرهابي كما تم تعريفها في الإطار النظري لهذه الورقة.

فهي تقوم باستخدام العنف المفرط والترويع الممنهج، وتستهدف المدنيين الأبرياء بشكل مباشر ووحشي، بما في ذلك ارتكاب جرائم حرب وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان كالإعدام والتعذيب والاغتصاب، فضلًا عن سيطرتها على المدن والمناطق الحيوية، وتهجير مئات الآلاف من السكان، وعرقلة عمل المؤسسات، كلها ممارسات تنسجم مع الأغراض الإرهابية المتمثلة في الإخلال بالنظام العام، وإلقاء الرعب بين الأفراد، وتعريض حياة وحقوق المدنيين للخطر، والإضرار بالسلام الاجتماعي والأمن القومي للكونغو الديمقراطية.

ورغم هذا التطابق الواضح بين ممارسات ما تقوم به “23 مارس” ومؤشرات الإرهاب، فإنها لم تصنف رسميًا كجماعة إرهابية دولية حتى الآن 2025، وقد يرجع ذلك إلى جملة من الأسباب، والتي يمكن أن تتمثل في أن الاتهامات الموجهة لرواندا وأوغندا بتقديم الدعم العسكري واللوجستي لـ “23 مارس” تخلق تعقيدات جيوسياسية، قد يكون لها مصلحة في الإبقاء على “23 مارس” كـ “فاعل غير إرهابي رسميًا” للحفاظ على نفوذها ومصالحها الاقتصادية والأمنية في المنطقة الغنية بالموارد، أو ربما لاستخدامها كوكيل في صراعها مع الحكومة الكونغولية.

وأيضًا عدم تصنيف حركة “23 مارس” كجماعة إرهابية-رغم ما قامت ومازالت تقوم به من أعمال إرهابية- يعد مؤشرًا على أن قرار تصنيفها يتجاوز الأبعاد القانونية، ليشمل أبعادًا سياسية؛ حيث تتقاطع المصالح الإقليمية والدولية لتبقى هذه الجماعة فاعلًا غير مصنف إرهابيًا رسميًا، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني والإنساني في شرق الكونغو؛ فهي حركة تنشط في منطقة معقدة أمنيًا وسياسيًا، حيث تتداخل المصالح الإقليمية بين الكونغو، رواندا، أوغندا ودول أخرى، وهذا التعقيد يجعل تصنيف الحركة إرهابية تأثيرًا على المصالح والعلاقات الإقليمية والدولية، ويعرقل جهود الوساطة.

كما هو الحال مع جماعات أخرى مثل الحوثيين في اليمن، قد يؤدي تصنيف حركة “23 مارس” كجماعة إرهابية إلى تعقيد جهود الوساطة السياسية والتفاوض، حيث تفرض الدول شروطًا صارمة على المفاوضات مع الجماعات المصنفة إرهابية.

(باحث ماجستير مصرية ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية- جامعة القاهرة)

عن وجه افريقيا