الاقتصاد الليبي على حافة الإنهيار

وجدي عبد العزيز

يشهد حاليا الاقتصاد الليبي وضعًا بالغ الصعوبة يتسم بتدهور الأوضاع المالية والنقدية، وارتفاع معدلات التضخم، وتقلبات حادة في سعر الصرف، وتعود جذور هذه الأزمة إلى حالة عدم الاستقرار السياسي والانقسام المؤسسي المستمر منذ انتفاضة عام 2011، الأمر الذي أدى إلى تعطيل الإنتاج، وتفشي الفساد، وتبديد الموارد، وتفاقم الوضع الراهن مع تصاعد الجدل بين المؤسسات الليبية الرئيسية، وتحديدًا المصرف المركزي والمجلس الرئاسي، حول مسؤولية إدارة الأزمة وإيجاد حلول لها.
تطورات الأزمة
مثل انهيار سعر الصرف في السوق الموازية بداية تفاقم الأزمة الليبية حيث قفز سعر صرف الدولار الأمريكي في السوق الموازية بشكل ملحوظ من 6.9 دينار ليبي إلى 7.42 دينار ليبي للدولار الواحد خلال الأيام الماضية، وتزايدت الفجوة مع السعر الرسمي الذي يصر مصرف ليبيا المركزي على تثبيته عند حوالي 5.5677 دينار للدولار، مما يخلق فجوة كبيرة تزيد من حالة عدم اليقين في السوق.
كما لم تنجح محاولة مصرف ليبيا المركزي في تخفيض قيمة الدينار الرسمي خلال الأسبوع الماضي عن تخفيض رسمي لسعر صرف الدينار بنسبة 13.3% في محاولة لمواجهة الضغوط الاقتصادية، لذلك فقد حذر المصرف المركزي من استمرار الإنفاق المزدوج الناتج عن الانقسام السياسي، والذي يساهم بشكل كبير في توسيع الفجوة بين العرض والطلب على العملات الأجنبية ويؤثر سلبًا على استقرار سعر الصرف.
شبح الفقر
ويشير الباحث الاقتصادي أحمد الصويعي مستشار وزير الاقتصاد السابق إلى أن هناك أسباب عدة قادت إلى إنهيار الدينار الليبي ويأتي في مقدمتها وجود حكومتان تتنازعان السيطرة والصرف بلاتنسيق وبلا ميزانية موحدة وبلامحاسبة، فخلال الشهور الماضية بلغ فائض السيولة 167 مليار دولار، مما أدى إلى انهيار فعلي في سعر الصرف بالسوق الموازي، ووصل التضخم في أسعار السلع إلى 300%، وظهرت تداعياته في تأكل القوة الشرائية للمواطن، حتى بات شبح الفقر يلاحق الجميع.
وأوضح الصويعي أن 80% من تعاملات الدولار تتم خارج خارج النظام المصرفي مما يتسبب في في استنزاف الاحتياطي النقدي فيما يقف المصرف المركزي عاجزا، وحتى قطاع النفط الذي يعد ركيزة الاقتصاد الليبي فإنه أيضا لم يسلم في ظل عمليات التهريب عبر الشبكات المسحلة وتفشي الفساد في عقود التوريد وفقدان السيطرة على العائدات، وتوقع أن تصبح ليبيا على حافة الإنهيار الاقتصادي فالخبز واللحوم أغلى والخدمات تنهار والراتب بلا قيمة.
ويضيف الصويعي أن مصرف ليبيا المركزي الذي دخل مؤخرا في جدل مع المجلس الرئاسي حول المسئولية عن تدهور الأوضاع الاقتصادية، والذي يفترض به ان يكون حاميا للاقتصاد قد تحول إلى طرف في الأزمة وكان سببا في الإنهيار، فهو من مول الحكومات المتعاقبة وسكت عن المصروفات ولكنه اليوم يحمل المسئولية للجميع.
الأثار الإجتماعية
وفيما يواجه الليبيون ارتفاعًا مستمرًا في أسعار السلع الأساسية والخدمات، مما يؤثر بشكل كبير على مستوى معيشتهم، حيث يؤدي ارتفاع الأسعار وتدهور قيمة العملة إلى تآكل القدرة الشرائية للمواطنين وتدهور مستوى معيشتهم، وتزايد معاناتهم من نقص في الخدمات الصحية الجيدة، وتدهور نظام التعليم، وانقطاع المياه والكهرباء، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة حيث وصل معدل البطالة الإجمالي إلى 19%، بينما تبلغ بطالة الشباب حوالي 48%، مما يخلق تحديات اجتماعية واقتصادية كبيرة.
وتشير التقديرات إلى وصول نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى مستويات خطيرة (125%)، وتجاوز الإنفاق العام لإجمالي الدخل بنسبة كبيرة (165%). كما يُسجل عجز كبير في إيرادات النقد الأجنبي، ويتوقع مصرف ليبيا المركزي أن يتجاوز إجمالي الدين العام 330 مليار دينار بحلول نهاية عام 2025 في ظل استمرار الإنفاق غير الموحد.
الأسباب الجذرية للأزمة
ويرى المراقبون أن حالة الانقسام السياسي بين الشرق والغرب الليبي يعتبر هو المحرك الرئيسي للأزمة الاقتصادية، فقد أدت ازدواجية السلطة إلى إنفاق مزدوج وغير منسق، وقرارات اقتصادية متضاربة، وعجز في إدارة الموارد الوطنية بشكل فعال، كما أن اعتماد الاقتصاد الليبي على إيرادات النفط بشكل شبه كامل على إيرادات النفط يجعله شديد الحساسية لتقلبات أسعار النفط العالمية.
كذلك فإن الإنفاق العام غير المنضبط والفساد المتفشي يؤدي إلى الهدر والانفلات في الإنفاق العام يسهم في استنزاف موارد الدولة وتقويض جهود التنمية، بالاضافة إلى أن تهريب السلع والمحروقات يساهم في استنزاف العملة الصعبة وزيادة الطلب عليها في السوق الموازية.
وعلى الرغم من تصنيف ليبيا كدولة ذات دخل متوسط مرتفع، إلا أن مؤسساتها وقدراتها الإنمائية لا تتناسب مع هذا المستوى، مما يعيق الإصلاح الاقتصادي، بسبب تأثير الصراعات على البنية التحتية والإنتاج حيث أدت سنوات الصراع الطويلة إلى تضرر البنية التحتية وتعطيل الإنتاج في العديد من القطاعات غير النفطية.
مقترحات وحلول
قدم خبراء اقتصاديون ومؤسسات دولية العديد من المقترحات للخروج من الأزمة، ومن أبرزها طرح الخبير الاقتصادي محمد أبوسنينة الذي قدم “لأرم نيوز” مقترحات لإنقاذ الاقتصاد الليبي، ترتكز على توحيد المؤسسات السيادية وتشكيل حكومة موحدة باعتباره شرطاً لإنهاء حالة الإنفاق المزدوج وتطبيق سياسات اقتصادية متسقة وفعالة.
وضرورة إقرار ميزانية موحدة وتقشفية تتماشى مع الموارد المتاحة وتعمل على ترشيد الإنفاق العام، وتنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي شامل يهدف إلى تنويع مصادر الدخل، وإصلاح نظام الدعم، ومكافحة الفساد والتهريب، وتحسين بيئة الأعمال، وإعادة هيكلة المؤسسات العامة:لزيادة كفاءتها وتقليل الهدر، واختيار إدارة رشيدة لإيرادات النفط وضمان الشفافية في تحصيلها وإنفاقها.
وأيضا تفعيل دور مصرف ليبيا المركزي ومنحه الاستقلالية اللازمة لتنفيذ سياسة نقدية فعالة والحفاظ على استقرار سعر الصرف، والعمل على توفير شبكات الحماية الاجتماعية لحماية الفئات الهشة من التداعيات الاقتصادية للإصلاحات، والسعي إلى زياة الاستثمار في القطاعات غير النفطية لتنويع موارد الاقتصاد وخلق فرص عمل مستدامة، حيث يواجه الاقتصاد الليبي تحديات هائلة تتطلب حلولًا جذرية وشاملة تبدأ من تحقيق الاستقرار السياسي وتوحيد المؤسسات وتطبيق إصلاحات اقتصادية جريئة هي خطوات حاسمة لوقف التدهور الحالي ووضع البلاد على طريق التعافي المستدام، وبدون معالجة الأسباب الجذرية للأزمة، سيستمر الاقتصاد في التدهور، مما سيؤدي إلى مزيد من المعاناة للشعب الليبي وتقويض آفاق التنمية المستقبلية.

عن وجه افريقيا