أيمن سلامة يكتب : عاصفة الجمارك ..أوروبا تتحدى قرارات ترامب الانتقامية

 

وسط غمرة نشوة النصر الانتخابي الكاسح، يترنح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تصريحاته، متشبثًا بسياسة تصعيدية لا تعرف التريث ولا تزن العواقب. قراراته العنترية، التي باتت السمة الأبرز لحقبته، لم تقتصر على خصومه، بل امتدت لتطال أقرب الحلفاء، في تجسيد صارخ لمعادلة القوة على حساب الشراكة.

لم يكن الاتحاد الأوروبي بمنأى عن ضربات السوط الجمركي الذي أطلقه ترامب، إذ جاءت قراراته بفرض تعريفات جديدة على البضائع الأوروبية كإجراء عقابي، متجاهلًا القواعد الراسخة التي تحكم التجارة الدولية، ومتجاوزًا الأعراف الدبلوماسية التي طالما صانت التحالفات العابرة للقارات. غير أن الرد الأوروبي لم يتأخر. ففي قمة ميونيخ الأمنية، حيث تلتقي العقول لرسم خريطة الاستقرار العالمي، وقفت مفوضة الاتحاد الأوروبي، بملامح جامدة ونبرة لا تعرف التردد، وأعلنت بوضوح أن “التعريفات الأمريكية الجديدة غير العادلة لن تمر مرور الكرام”.

بهذه الكلمات، أطلقت بروكسل أولى سهامها في معركة اقتصادية لا هوادة فيها، مؤكدة أن التصعيد الأمريكي لن يقابل بالصمت أو الخنوع، بل بإجراءات مضادة ستعيد الحسابات في البيت الأبيض. فمنطق الأحادية الذي يسير به ترامب، متجاهلًا قواعد المعاملة بالمثل ومتغافلًا عن طبيعة العلاقات التجارية التي تقوم على المصالح المتبادلة، لن يجد طريقًا للاستمرار أمام جدار الممانعة الأوروبي.

القانون الدولي واضح في هذا الصدد، إذ يكرّس مبدأ التناسبية في الإجراءات الاقتصادية بين الدول، ويمنح الدول المتضررة حق الرد بالمثل وفقًا لآليات منظمة التجارة العالمية. وبناءً على ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي، بوصفه كيانًا قانونيًا قويًا، لن يتردد في رفع القضية إلى المنصات القضائية الدولية، فضلًا عن اتخاذ إجراءات انتقامية تستهدف الصادرات الأمريكية التي تعتمد على السوق الأوروبية.

وبينما تتصاعد حدة المواجهة، يبقى السؤال الأهم: هل تدرك إدارة ترامب أن سياسات الهيمنة الاقتصادية لا يمكن أن تُفرض على قوى كبرى مثل الاتحاد الأوروبي؟

وهل ستستوعب أن التوازن الدولي لا تحكمه نزوات فردية ولا شعارات انتخابية، بل معايير دقيقة من المصالح المتبادلة والقوانين الناظمة؟

إن الأيام القادمة ستكشف إن كان البيت الأبيض سيعود إلى منطق الحكمة السياسية، أم أنه سيواصل نهجه التصعيدي غير المحسوب، ليجد نفسه في مواجهة كتلة اقتصادية لا تقل صلابة عن الولايات المتحدة، بل تتفوق عليها في بعض الجوانب. وأمام هذا المشهد، يبقى المؤكد أن الاتحاد الأوروبي لن يكون الطرف الذي يقبل الانحناء أمام العاصفة، بل سيكون هو العاصفة نفسها، تعصف بكل من يحاول تجاوز حدوده دون حساب!

دكتور مصري في القانون الدولي

عن وجه افريقيا