مقالات مشابهة
القاهرة : محمد خليل
أضيفت إلى معاناة النساء في ليبيا تضييقات قانونية جديدة، بعد إعلان وزير الداخلية في حكومة غرب ليبيا، عماد الطرابلسي، عن عودة دوريات شرطة الآداب، إلى جانب مقترح يمنع النساء من السفر داخل البلاد بدون موافقة ولي أمر ذكر.
تعكس هذه القرارات تصاعد الضغوط المجتمعية والقانونية على المرأة، مما يدفع العديد منهن إلى الهروب بحثا عن الحرية في دول مجاورة.
فرانس24 رصدت الظاهرة المتزايدة من خلال قصة إحدى هؤلاء النساء وآراء ناشطين حقوقيين.
أعاد قرار شرطة الآداب، الذي أعلن عنه وزير الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية الليبية عماد الطرابلسي، ودخل حيز التنفيذ شهر ديسمبر إثارة الجدل مجددا حول حقوق المرأة والحريات الفردية في ليبيا، حيث يتضمن عودة دوريات شرطة الآداب.
يهدف القرار إلى إنفاذ ما وصفه بـ “تقاليد المجتمع”، من خلال فرض قيود على المظهر والسلوك العام، بما في ذلك منع “صيحات” الشعر غير المناسبة، وضمان ارتداء النساء ملابس “متواضعة”، إلى جانب حظر الاختلاط بين الجنسين في الأماكن العامة.
كما تضمن القرار مقترحا يمنع النساء من السفر داخل البلاد بدون موافقة ولي أمر ذكر، ما أثار موجة من الانتقادات لكونه يشكل خطوة جديدة في التضييق على حريات المرأة الفردية، التي تعاني أصلا من انتهاكات مثل التهميش الفكري والثقافي والسياسي، العنف الأسري والزواج القسري والقتل بذريعة الشرف، والإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد النساء وفق تقرير المقررة الأممية ريم السالم.
و”تقاليد المجتمع” التي يتحدث عنها وزير الداخلية الليبي، تحرم النساء من حقوق أساسية مثل حرية اختيار مصيرهن ونمط حياتهن، بعيدا عن الأدوار الاجتماعية التقليدية التي تفرض عليهن الزواج كمحور رئيسي لحياتهن، وتحد من إمكانية تحقيق الاستقلال الشخصي أو اتخاذ قرارات تتعلق بمستقبلهن.
في ظل هذه القيود، والتي تفاقمت بسبب الفوضى والانقسام السياسي المستمر في البلاد منذ ثورة 2011 تجد العديد من النساء أنفسهن خاصة في منطقة الغرب وفق ناشطين حقوقيين، مضطرات للهروب إلى دول مجاورة مثل تونس، مصر، أو تركيا، حيث تصبح هذه الدول بلدا جديدا للاستقرار أو محطات عبور نحو طلب اللجوء في بلد أوروبي أو أمريكي، رغم أن هذا القرار غالبا ما يكون محفوفا بالمخاطر. فرانس24 سلطت الضوء على قصة مها (اسم مستعار)، إحدى هؤلاء النساء.
مها، شابة ليبية، كانت تحلم بمستقبل أفضل يمنحها الحرية الكاملة لاتخاذ قرارات حياتها بنفسها. لكن حلمها تحوّل إلى كابوس عندما وجدت نفسها خلف القضبان في مركز الإيقاف في بوشوشة بتونس، متهمة بالإرهاب، في مؤامرة حاكتها عائلتها لمنعها من السفر وشق طريقها نحو “الاستقلالية”.
تابعت فرانس24 قصة مها منذ عام 2022، لكنها فضّلت تأجيل نشرها حتى إغلاق ملفها قضائيا حفاظا على سلامتها.
مها هي نموذج حي للنساء الليبيات اللاتي يطمحن للعيش باستقلالية أو بأسلوب حياة يعتبره المجتمع غير تقليدي.
تقول مها: “واجهت ضغوطا هائلة من عائلتي لإجباري على الزواج، وهو أمر لم يكن يتماشى مع طموحاتي، أريد أن أكون حرة، أن أعيش حياتي بإرادتي الكاملة،حتى ارتداء الحجاب لم يكن اختياري،القمع في ليبيا لا يقتصر على العائلة، بل يمتد ليشمل المجتمع والقوانين التي تقيد حريتنا كنساء”.
في عام 2022، تقدمت مها بطلب تأشيرة للهجرة إلى الولايات المتحدة، لكنه قوبل بالرفض، وبإصرار منها عاودت مها في 2023 تجديد طلبها وتم قبوله، لكنها لم تكن تعلم أن رحلتها إلى الحرية من الضغوط العائلية والمجتمعية حيث القوانين المحافظة، ستكون محفوفة بالمخاطر.
وصلت مها من ليبيا إلى تونس لعدم وجود سفارة أمريكية في بلدها،في نوفمبر 2023 استأجرت هناك منزلا صغيرا في ضواحي العاصمة.
لكنها غفلت عن تفصيل مهم بشراء شريحة هاتف من المطار واستخدامها، مما مكن عائلتها من تتبعها، وبعد ساعات من وصولها، وجدت منزلها محاصرا بالشرطة. ومستخدما نفوذه، قام أحد أقاربها في ليبيا، وفق روايتها، بإقناع السلطات التونسية بأنها مطلوبة في قضية إرهاب، ليتم اعتقالها وتوقيفها من قبل فرقة مكافحة الإرهاب لمدة اثني عشر يوما وإبقاؤها بمركز احتجاز (بوشوشة) رهن الإيقاف.
داخل السجن، عاشت مها ظروفا قاسية، لكنها لم تفقد الأمل، وبفضل جهود محامين تونسيين، تم إثبات أن التهم كيدية، أُطلق سراحها في فبراير 2024، وسافرت إلى الولايات المتحدة حيث بدأت حياتها الجديدة بعيدا عن القيود التي أثقلتها.
قصة مها ليست حالة معزولة، فالعديد من النساء الليبيات ولا سيما من الشابات، سواء من شرق أو غرب ليبيا يخاطرن بالهروب من بلدهن، لأنهن يتعرضن للعنف الأسري أو فرارا من زواج قسري، أو بسبب ميولاتهن الجنسية أو ببساطة برغبة منهن في عيش حياة مستقلة بعيدة عن النمط الذي يفرضه المجتمع والقوانين المقيّدة للنساء في ليبيا. لكن، تواجه العديد من هؤلاء النساء مصيرا مختلفا خلال رحلة هروبهن.
العنف الموجه ضد النساء
في حديثها لفرانس24، أشارت الكاتبة الليبية المقيمة في باريس، ليلى المغربي، إلى أن محاولة العديد من الشابات والنساء الهروب من ليبيا تعود إلى “العنف الممارس ضدهن، وانتهاك حقوقهن، وتسلط المجتمع عليهن”.
وأكدت أنهن “يسعين وراء الحرية، الكرامة، والأمان، ويتطلعن إلى أن يصبحن مواطنات كاملات الحقوق يتمتعن بالاحترام وحرية اتخاذ قراراتهن الشخصية”.
وبحسب تقصي فرانس24، تبين أن عمليات الهروب تأتي من مناطق مختلفة من شرق أو غرب ليبيا، إلا أن النسبة الأكبر من هذه العمليات تأتي من الغرب حيث القوانين أكثر صرامة على النساء، إضافة إلى المدن القريبة من المطارات في الجهتين، هذا القرب الجغرافي يسهل لهن فرصة المغادرة.
وهذه المسألة تُعد ظاهرة متزايدة في ليبيا، رغم غياب الإحصاءات الدقيقة الرسمية والتقارير الحقوقية والتغطية الإعلامية الكافية.
وبحسب الآراء التي أُدلى بها ناشطون حقوقيون لفرانس24، يمكن القول إنها ظاهرة ناتجة عن تدهور الأوضاع السياسية والاجتماعية التي تضيق الخناق على النساء في ليبيا.
وبدأت هذه القصص بالبروز بين عامي 2017 و2018، حيث كانت ليبيا تعيش حالة من الانقسام السياسي الحاد بين حكومتين متنافستين، واحدة في طرابلس (الغرب) والأخرى في بنغازي (الشرق)، ما أدى إلى انهيار سيادة القانون وانتشار الميليشيات والجماعات المسلحة. كما تصاعدت حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي، بما في ذلك العنف الأسري، والزواج القسري، والاستغلال الجنسي. وقد ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في الكشف عن هذه الظواهر وتسليط الضوء عليها وعلى مواضيع حساسة كان مسكوتا عنها.
أوضحت الكاتبة ليلى المغربي قائلة إن “المرأة الليبية تعاني من الاضطهاد والعنف. هذا الكلام يصف الوضع بشكل عام” وأشارت إلى أنه “هناك نسبة صغيرة فقط من النساء يعشن بطريقة اخترنها بحرية، ولكن ليس بدعم من المجتمع، بل بدعم من أسرهن. رغم ذلك، تبقى هذه النساء تحت سيطرة سلطة المجتمع. المجتمع الليبي مجتمع ذكوري، حتى وإن نصت بعض القوانين على حماية حقوق المرأة، سواء الحقوق المدنية أو الشخصية، إلا أن هذه القوانين لا تُطبّق على أرض الواقع”.
ويذكر أنه وفي تقريرها الصادر في يونيو 2023، أعربت المقررة الخاصة المعنية بمسألة العنف ضد المرأة والفتاة، ريم السالم، عن قلقها البالغ إزاء المستويات المفزعة للعنف ضد النساء والفتيات في ليبيا. ويشمل هذا العنف المنزلي والجنسي، إلى جانب القيود المفروضة على حرية التنقل والتمييز القانوني والاجتماعي.
وأشارت في تقريرها إلى الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة ضدهن.
وتجدر الإشارة إلى أن نظام التشريع في ليبيا يعتمد حاليا على مزيج من القوانين المدنية والعرفية، مع اعتماد الشريعة الإسلامية كأحد مصادر التشريع الأساسية وفق الدستور الموقت الذي صدر بعد ثورة 2011.
ومنذ سقوط نظام معمر القذافي، تعاني البلاد من انقسام سياسي حاد وعدم استقرار، مما يعيق توحيد النظام القانوني وتطبيق التشريعات بشكل فعال.
في عهد القذافي، كانت الليبيات تحظين بمكانة متقدمة نسبيا مقارنة بعدد من الدول العربية، حيث تمتعن بحقوق متساوية مع الرجال، وشغلن مناصب تعليمية ومهنية رفيعة. لكن بعد سقوط النظام، شهدت أوضاع النساء تدهورا ملحوظا في مختلف المجالات.
الهروب من أجل حياة أفضل
ومن أجل مزيد التعمق في الظاهرة تواصلت فرانس24 مع سامي (اسم مستعار) ناشط حقوقي يعمل في الأراضي التونسية على مساعدة الفارين من الوضع في ليبيا من بينهم النساء، حيث يسعى لتوجيههن للتواصل مع المنظمات المعنية وتوفير الدعم اللازم لتمكينهن من الحصول على الحماية المطلوبة، سواء للحصول على حق اللجوء أو الانتقال إلى بلد آخر.
أوضح قائلا “النساء الليبيات اللاتي يهربن من بلادهن غالبا ما يكون ذلك نتيجة لعدة أسباب اجتماعية ونفسية تضغط عليهن، بعضهن يهربن نتيجة العنف الأسري، أو بسبب الجندرية التي لا يتقبلها المجتمع، البعض الآخر يُجبرن على الهروب بسبب قيود مجتمعية ترفض أن تكون المرأة حرة في اتخاذ قرارات حياتها”.
وتابع متأسفا “غالبا ما تواجه هؤلاء النساء الرفض لمجرد كونهن منفتحات فكريا أو يعشن أسلوب حياة يعتبره المجتمع غير تقليدي. مثال ذلك امرأة أو فتاة تسافر، تخرج، تتواصل مع صديقاتها، تسهر، أو تحقق طموحاتها المهنية من خلال عملها أو مشاركتها في المجتمع المدني، أو حتى تسعى لأن تكون قيادية في مجتمعها”.
ووفق قوله فإن المرأة في ليبيا “ما زالت تعامل كأنها أقل شأنا من الرجل في نواح عدة، حتى على مستوى توزيع الإرث.
غالبا ما يتم قمع تطلعاتها، ويتم تقييدها بأدوار اجتماعية محددة. الجامعة، على سبيل المثال، تمثل في كثير من الأحيان المتنفس الوحيد للفتاة الليبية، حيث يمكنها التعلم، التفاعل مع صديقاتها، وربما حتى التعرف على شريك حياتها”.
وتابع حديثه “ولكن بمجرد انتهاء مرحلة الجامعة، تبدأ حياة مظلمة لكثير من النساء، حيث يُنظر إليهن كوسيلة للزواج وتحصيل المهر، بدون اعتبار لطموحاتهن أو رغباتهن. بعض الأسر تفرض زواجا مبكرا على الفتيات بدون موافقتهن أو مشاركتهن في اتخاذ القرار.
هذا الواقع يدفع العديد من النساء إلى البحث عن فرصة للهرب من حياة مليئة بالقيود والضغوط الاجتماعية التي تمنعهن من العيش بحرية وكرامة”.
التعتيم الإعلامي وغياب الأرقام
وعلى الرغم من أهمية المسألة، إلا أنها لم تحظَ باهتمام إعلامي كاف في ليبيا، كما يغيب وجود أرقام رسمية أو تقارير حقوقية موثقة عنها.
وفسرت الكاتبة الليبية ليلى المغربي المقيمة بباريس، هذا التعتيم الإعلامي عن الموضوع قائلة “هذا الموضوع يُعد من “الطابوهات” والخطوط الحمراء في ليبيا، لا أحد يجرؤ على الحديث عنه في الصحافة، حتى لو كان هناك صحافيون يرغبون في تسليط الضوء على معاناة النساء أو على هروبهن من المجتمع، فإن الخوف والرعب يمنع النساء من التحدث علنا، حتى مع ضمان السرية. بالإضافة إلى ذلك، المرأة، رغم كونها ضحية، تُعتبر مذنبة أمام المجتمع، مما يجعل أهلها يترددون في دعمها علنا لذلك، حتى التغطية البسيطة أو التقارير الصحفية تُقابل بالرفض، والإنكار، وحتى التكذيب من المجتمع. للأسف، بعض النساء الليبيات أيضا يحملن نفس العقلية التي تُكرّس الاضطهاد والصمت”.
بدوره أكد الناشط الحقوقي سامي قائلا “ليس هناك أرقام أو إحصائيات لكن وأنا أكلمك الآن، أعرف تسع نساء يعشن في ظروفا مشابهة، من بينهن ثلاث أمهات يعُلن أطفالا دون سن 12 عاما. هؤلاء النساء يواجهن معاناة يومية، ويحاولن الهروب من واقعهن بحثا عن فرصة لبدء حياة جديدة، سواء كلاجئات أو كمهاجرات يأملن الوصول إلى أوروبا”.
وأضاف سامي قائلا “أنا أعيش في تونس منذ عشر سنوات، ولا يمر شهران بدون أن أسمع عن حالة امرأة هاربة أو فتاة مهربة تعاني من الخطر وتلجأ إلى تونس.
هذه الحالات ليست مجرد قصص عابرة؛ فهي تعكس واقعا صعبا تواجهه النساء اللاتي يصلن إلى هنا بحثا عن ملاذ آمن. وجودهن في تونس يشير إلى معاناة عميقة وظروف قاسية دفعت بهن إلى الهروب، سواء كان ذلك نتيجة للعنف، أو الاضطهاد، أو القيود المجتمعية التي تعيق حريتهن وحياتهن”.
نورا الجربي الناشطة النسوية الليبية المقيمة في تركيا أكدت لفرانس24 “للأسف، لا توجد أرقام دقيقة، كما تعلمين، حتى عندما يذهب الأهل للإبلاغ عن اختفاء بناتهم، فإنهم في الغالب يبلغون السلطات ويقولون إنه تم اختطافهن حتى يسهّلوا إجراءات التتبع. يمكن القول إن هذه ظاهرة، لأن خلال السنوات الست التي قضيتها في إسطنبول، لم يمر عام بدون أن تحدث حالتان أو ثلاث حالات مشابهة”.
طريق محفوفة بالمخاطر
هذه الرحلة تكون في أغلب الأحيان محفوفة بالمخاطر لأن عائلات هؤلاء النساء لن تقبل بما تعتبره فضيحة تمس بـ”شرف” العائلة فتسعى بكل الطرق لجلب بناتها. واستطاعت السلطات الليبية بطلب وضغط من هذه العائلات استعادة العديد منهن حيث يمكن أن يلاقين مصيرا مأساويا.
وفي شهادتها قالت الناشطة النسوية نورا الجربي “معظم النساء اللاتي أسمع عنهن أو أعرف عن حالاتهن هُن بين 18 و35 سنة وفي أغلبهن شابات صغيرات جدا، أحيانا بالكاد يبلغن من العمر 18 عاما”.
وأوضحت نورا “هذه السن الصغيرة تعد تحديا كبيرا، ففي هذا العمر تكون الفتاة مندفعة وغير ناضجة بما يكفي لاتخاذ قرارات طويلة الأمد. كما أن افتقارها للتجربة والخبرة يجعلها عرضة للاستغلال في المجتمعات الجديدة التي تدخلها، مما يزيد من معاناتها ويؤدي إلى تورطها في مشكلات أخرى”.
عدم اتخاذ التدابير الاحترازية
وفصلت نورا حديثها عن عدم اتخاذ هذه الفتيات للاحتياطات اللازمة قبل بدء رحلتهن قائلة “هناك قصور في اتخاذ التدابير الاحترازية التي يمكن أن تحمي هؤلاء النساء من أن يصل إليهن أفراد الأسرة بسهولة. على سبيل المثال، يتعلق الأمر بضعف المعرفة بالأمن الإلكتروني فالبعض منهن قد يقمن بشراء شريحة هاتف من أماكن مكشوفة مثل المطارات، ما يسهل على الآخرين تتبعهن عبر المعلومات المرتبطة بها. هذه التفاصيل قد تبدو صغيرة، لكنها حاسمة في الحفاظ على الأمان ومنع التعرض للخطر مرة أخرى”.
والبلدان التي يتجهن إليها، فعادة ما تكون مصر أو تونس، حيث تعتبران وجهات قريبة وسهلة نسبيا، بالإضافة إلى تركيا وفق ما أكدت نورا مضيفة “هذه البلدان تتيح الدخول بدون تعقيدات كبيرة مثل الحاجة إلى تأشيرة، وتكون نقطة انطلاق للحصول على اللجوء”.
لكن وفي العديد من الحالات، و”بالتواطؤ مع السلطات المصرية أو التونسية، تتمكن العائلات من استعادة بناتهن وإعادتهن إلى أوطانهن، مما يثير مخاوف حول استغلال الثغرات القانونية وضعف الحماية الدولية”، وهو ما أكدته كل من نورا الجربي وسامي الناشط الحقوقي في تونس.
القتل بدعوى “الشرف” في حال العودة
وتابعت نوار قائلة “يعتقدن أن الحياة في الخارج ستكون سهلة وخالية من التعقيدات. قد يغادرن بدون التفكير حتى في قوانين الدولة التي ينوين الذهاب إليها. هل تلك القوانين ستحميهن؟ هل ستسلمهن إذا رفعت أسرهن دعوى جنائية ضدهن؟ إن عدم الوعي بهذه الأمور يؤدي إلى مشكلات كبيرة، سواء مع قوانين البلد الأول الذي يذهبن إليه أو عند الانتقال إلى بلد آخر. حتى خياراتهن المتعلقة بالأمان تبدو غير مدروسة. وفي كثير من الأحيان، تجد النساء أنفسهن في مشاكل جديدة أو يضطررن إلى العودة إلى بلادهن، وقد تختفي أخبارهن تماما، وربما يتعرضن لمصير أقسى كالزواج القسري وحتى إلى القتل بدعوى “الشرف”.
عرضة للوقوع ضحية للاستغلال الجنسي
والمخاطر التي تحدق بهؤلاء النساء لا تقتصر فقط على كابوس عودتها إلى الجحيم الذي أرادت أن تهرب منه وإنما أن تصبح أيضا فريسة للاستغلال الجنسي والتجارة بالبشر في بلد العبور وهو ما أوضحته نورا الجربي التي تابعت عن قرب هذه الظاهرة “هناك فتيات في أعمار صغيرة جدا، بدون وعي أو إدراك كاف للخيار الذي أمامهن. يقعن فريسة للاستغلال الجنسي وهذا يحدث غالبا نتيجة الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي الصعب الذي يعيشه هؤلاء الفتيات. ليس لديهن مكان آمن يأويهن، ولا بيت يحميهن، ولا منظمات توفر لهن المساعدة”.
وتابعت الجربي “حتى خارج ليبيا، في أغلب دول العبور، لا توجد مؤسسات يمكنها مساعدتهن أو تأمين فرص عمل لهن. مثلا في تركيا، وضع حقوق الإنسان والمرأة مغلق بشكل كبير. حتى إن كان الوضع هنا أقل سوءا مقارنة بغيرها، إلا أنه لا يزال بعيدا عن توفير الحلول. ما يحدث عادة هو أن يقدم شخص لهن المال، ويُترك الأمر لهن ليتصرفن بأنفسهن”.
كيف تعاملت السلطات مع الظاهرة؟
أمام هذه الظاهرة اختارت السلطات الليبية أن تتعامل مع الوضع بطريقة أمنية مما يعقد الأمور ويزيد من خطورتها، وقد أوضحت الجربي في هذا السياق “تتعامل السلطات مع ظاهرة هروب النساء من العنف الأسري والمجتمع الأبوي كمسألة تمس الأمن القومي. في نظرهم، أي فتاة تهرب تعتبر قضية معقدة، حيث يتصورون أن وراء كل حالة هروب شبكة كبيرة وأجندة أجنبية للأسف وعلى هذه الخلفية وضعت كل من حكومة الشرق وحكومة الغرب قيودا إضافية على تنقل النساء في المطارات”.
وتجدر الإشارة إلى أنه في مطار معيتيقة في طرابلس التابع لحكومة الغرب يتم اعتماد نموذج دخول وخروج مخصص للنساء اللواتي يسافرن بدون وجود محرم (مثل الأب، الأخ، الزوج، أو العم) بهدف جمع المعلومات ومتابعتهن. ومن بين الأسئلة المطروحة في النموذج: “لماذا لا يوجد معكِ محرم؟”. كما أنه من الممكن أن يتم الاتصال بولي أمرهن خلال وجودهن في المطار.
أما بالنسبة للمطار التابع لحكومة الشرق، وهو مطار بنغازي، فيُطلب من المرأة الاستظهار بإذن من ولي الأمر أو أن تكون مرافقة بمحرم.
وتابعت الجربي متأسفة “أنا وُجهت إليّ اتهامات رسمية في ليبيا بأنني أدير شبكة تهريب فتيات لتشغيلهن في الدعارة، رغم أني لم أتدخل بشكل مباشر في أي حالة تتعلق بهروب النساء. لم أتدخل أبدا ولم أشجع أحدا على الهروب. علمت عن هذه الحالات بالصدفة، أو لأن الخبر انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي. ليس لي علاقة مباشرة به، لا من قريب ولا من بعيد. وحتى عندما يطلبن مني التدخل، لا أريد أن أتدخل. أفضل أن أوجههن إلى أشخاص آخرين يمكنهم مساعدتهن بشكل أنجع. لا أقبل أن أفتح باب بيتي لهن، فهذا أمر مستحيل بالنسبة لي”.
وأنهت الجربي حديثها قائلة “إن اللجوء هو محاولة لحل الأزمة التي يمر بها هؤلاء النساء، خاصة في ظل غياب أي دعم أو حماية محلية تمكنهن من التحرك داخل البلاد بأمان قبل أن يتخذن قرار المغادرة إلى الخارج. ولكن المشكلة تكمن في أن اللجوء ليس الحل دائما، بل يحمل في طياته الكثير من المخاطر”.