خالد محمود يكتب : سورية “وديعة بشار” و “مجاهيل المستقبل “

 

 

كما المتوقع، تحولت “القضية السورية” الى محل تجاذب على صفحات التواصل الاجتماعي، وعاد النقاش المصري الى ماكان عليه من حالة استقطابية ومن حدة وشجار واتهامات متبادلة بين فريقين، فريق يرى أن الثورة على نظام بشار الأسد الديكتاتوري ، كانت ضرورية أي كانت النتائج، وفريق أخر يرى ان الثورة اذا( سماها بالاصل ثورة)،هي مؤامرة استعمارية، يسيستتبعها بالحتم خراب الدولة السورية: دولة اصولية داعشية ، هيمنة تركية، توغل اسرائيلي ، طائفية ، أصولية، وارهاب ، وتقسيم مناطق.

والحقيقة أن هناك التباسات في الموقف ، لكن هناك ، ملحوظات عامة يمكن ان تشكل حد ادني للقراءة-من وجهة نظري كالآتي:-

1- ان نظام بشار الاسد لم يدخر جهدا من اجل البقاء ولودقيقة واحدة اضافية أخرى ، لم يدخر رصاصة كان يمكن ان يطلقها على معارض ، ولا سجن لأحد، أو تعذيب لأحد ، كان يمكن ان يفعله ، وانه مات اكلينيكيا منذ شهور وربما سنين قبل ليلة الزحف على وجوده، وكان ينتظر من يدفنه حتى دون ان ينتظر حتى سرادق عزاء. وبالتالي فنهاية النظام لاعلاقة لها بنقاشاتنا ، دعما له او هجوما عليه، وانما هو نقاش تشريح لجثة.

2- ان كارثة النظام السوري لم تقتصر على مافعله من جرائم في شعبه وووطنه ودولته ، والمفروض انها ذهبت بذهابه، وانما على ارثه ، او مايمكن ان نسميه ب (وديعة بشار)، وهذه الوديعة لم تقتصر على تركه وطن عليه 6 احتلالات (روسي ، ايراني ، اميركي ، تركي ، اسرائيلي، اممي )، وانما ترك ايضا بلد “متحارب فعليا”، و “مقسم فعليا ” الى كانتونات درزية وكردية وسنية وعلوية ، وقد تعايش هذا النظام مع هذه الاحتلالات وهذه الدويلات بوصفها أمر واقع لمدة 14 عام ، وكان مستعد ان يتعايش معهها الى الابد ، المهم ان لايقترب أحد من قصره الرئاسي.

3- ان نظام بشار في مواجهته القمعية للثورة السلمية في 2011 التي خرجت تهتف ( واحد واحد واحد ، الشعب السوري واحد) ، قد ابدل الثورة السلمية الحالمة بسورية ديمقراطية حديثة ، بفصائل مسلحة وارهابية ومعارضات طائفية تستقوى بالمال الخليجي وبالعلاقات الاستخبارية الدولية ، فحول الثورة من حلم ديمقراطي بسيط الى “مواجهة مختلطة الحابل والنابل) ، بها الديمقراطي واليساري والليبرالي والقومي ، وبها الارهابي والداعشي ، ثم تحولت بعد ذلك الى واقع فيها شي من الثورة واشياء من حرب اقليمية ثم حرب دولية بالوكالة.

4- ان “وديعة بشار ” تجاوزت تخريب الارض والحالة الانسانية والديمقراطية ، ووصلت الى تخريب (الحالة الوطنية) يستحق بسببها المحاكمة بتهمة الخيانة العظمى ،ظهر ذلك ليلة الاطاحة به ، فالرجل ترك جيشا لم يطلق فيه ضابط واحد رصاصة واحدة ضد المسلحين القادمين رغم ما نعم به هؤلاء الضباط من امتيازات فجروا وجرى جنودهم يخلعون ملابسهم العسكرية ويرمونها في الشوارع ، حيث كان الرجل مهموما بتامين جسده وعائلته واسرته دون ان يفكر لحظة في تأمين جيشه و حدود وطنه مع اسرائيل.

5- ان بشار الاسد ، بغروره وغباءه ، كان لديه فرصة لم تمنح لديكتاتور ، فهو لم يكن امام هبة شعبية مفاجئة كما حدث في الربيع العربي ،فيبقى او يفر ، وانما كان امام سنوات ممتدة ، عاش فيها لحظات انتصار على مسلحين ، وكان امامه وهو في وضع معقول ، وعلى مدى 14 عاما مسارات ل (الاصلاح السياسي ” التدريجي كانت تضمن تبدلات سياسية تدريجية تحمي وطنه من الكارقة ، مبادرات اصلاح سياسية وقع عليها هو بنفسه ثم تنكر لها مصرا على الحالة الحدية واستمرار طواحين الدم .(جنيف ، سوتشي، الاستانة، منصة موسكو ، الخ الخ).

6- ان توقيت الاطاحة بالديكتاتورية دعى الكثيرين ، ولهم الحق ، الى الاسترابة ، فقد جاء كاحدى تداعيات ماحدث في 7 اكتوبر ، وعقب توجيه ضربة الموت لحزب الله ، ويكمل هذه الاسترابة العدوان الاسرائيلي الوحشي على سورية اغتناما للفرصة ، وهي تسلسلات ساعدت في تحفظ كثيرين حتى اكثر الناس كان ترحيبا بالتخلص من اجرام الاسد، وكما قال لي صديق ضد ماحدث (لو الاطاحة تمت في يناير 2011 كنت ساكون اوالمؤيدين بلا تحفظ) .

7- ان الشعب السوري – (كل الشعب السوري -كل الاحزاب والقوى السياسية بلا استثناء )رغم كل هذه الملابسات ، مبتهج بهذه الثورة كما نرى ونشاهد بلاحدود ، على الاقل بالاطاحة بالديكتاتور،هذه البهجة شملت كل الطوائف (تابع مظاهرات اللاذقية ذات الاغلبية العلوية أمس ) وكل القطاعات وحتى مناصري النظام السابق ، الذين وعلى عكس ماحدث ف يالعراق انتقلوا بكليتهم لمعسكر الترحيب بالتغيير ، وما حدث بالنسبة لهم سقوط جمهورية الخوف ، سقوط رعب التعذيب والاعدامات انتهاء عصر اعتقال مايقدر ب200 الف سوري لم يجد اهاليهم معظمهم وترجح اعدامهم / عودة ملايين اللاجئين الى سورية الحبيبة بعد 13 عاما من التشرد، اطلاق ، حل الازمة الاقتصادية ، وهم يتحدثون بلسان حال ( وسواء كان الجنين شرعا أم سفاحا فقد ولد) . الحقيقة ان المعارضين الوحيدين للاطاحة بالديكتاتور رايناهم في مصر والدول العربية.

8-ان الديكتاتور علاوة على كونه اقام دولة فاشلة بها كل انواع الاحتلالات، وكل انواع التطرف، وكل انواع الخرابات ، مكن ضمن من مكن لدولة ل(داعش) بكل تطرفها واجرامها ، تبث اطرافها على بلده وجيرانه ، وصل نفوذها في لحظة عام 2013 الى اكثر من نصف اراضي سورية ، التحمت بمكونات قبلية رات فيها (عدل الله) ، ولم يقلص نفوذها سوى ماسمي ب(تحالف دولي ) خلف كنتيجة وجود اميركي حتى اليوم في النتف

9- اننا الان في وضع (ازدواجية مشروع سياسي ) ، وليس ازدواج سلطة، يتجاور فيه مشروع اقامة دولة طالبانية ، متطرفة دينية ، ارهابية ، اقصائية (كان مشهد الجولاني وهو يخطب في الاموي في زمرة متطرفين سابقين بوصفهم سورية مرعبا )، وارد جدا ، وفي المقابل لدينا الجنين الديمقراطي المدني الليبرالي اليساري الوطني الديمقراطي المتسع لكل الاعراق والاطياف والمؤمن بسورية لكل السوريين ، موجود وسط كل هذه الافاعي والاخطوبوطات ، فمن ينتصر على الاخر ، لا احد يدري.

10- ان هناك خسائر كبرى وقعت بسورية ، بسبب (وديعة بشار ) منها تدمير اسرائيل لمقدرات الجيش السوري الفعلية ، اسرائيل شنت 400 هجمة كسرت فيها كل القوى الجوية والبرية والبحرية لسورية ، دمرت فيها 90% من القوة المسلحة السورية ….وهذه اشبه بمكافأة نهاية الخدمة التي منحها الديكتاتور لشعبه.

11-كذلك فان الاخطر من تدمير القوة المسلحة السورية ، هواندفاع اسرائيل بانحطاط الى التلاعب بمكونات الشعب السوري للتلاعب بالسكاني قبل اهيمنة الجغرافية ، وفي المقام الاول المكون الدرزي استنادا على علاقة دولة الكيان الصهيوني التاريخية ب دروز فلسطين ، وعلى الكرد استنادا الى علاقتها الى علاقتها بساسة كرد تاريخيا ، وبتصوري هذا هو الخطر الاول ، وهذه القضية -وحدة الشعب السوري هي المعركة الاهم . اسرائيل عبر دراساتها تدرك حجم معاداة الشعوب العربية لاسرايل ايا كان النظام القادم ، في سورية او غير سورية لذا هي تتخذ خطوات استباقية.

12- ان اختصار القصة في ان سورية ستتحول من دولة حديثة الى دولة طالبانية ، (سورية بشار ، كانت سلخانة عصور وسطى وليس دولة حديثة، وكانت فعليا تستضيف دولة ادلب ، ودولة داعش ، ودويلات كثيرة طالبانية ) وان الخطر ان ياتي نظام (سيمنع الادب والفن الموسيقى ويعادي المرأة) ، مع وجود شيء من هذا الخطر ، هو تقزيم للقصة ، فواقعيا حتى نتعامل بنضج مع هذه الاحتمال ، القرار ليس الان (النصرة وماتريد)، فهناك الامريكي والتركي والروسي ،وهناك من سيدفع القروض واعادة الاعمار ، و واقعيا في عام 2024 يستحيل اقامة هذه الدولة ، وحتى لو اقيمت لشهور او سنوات ستنهار.

13- ان مانملكه ، او مايملكه الاشقاء السوريين بدقة ، بعد أن حدث ماحدث ، قليل جدا جدا (مرة اخرى بسبب وديعة بشار ). فهناك واقعيا من يملكون السلاح على الارض ، وسيزيد امتلاكهم للسلاح بحكم وراثتهم لماتبقى من جيش وشرطة ، وهؤلاء قوى مشكوك في ديمقراطيتهم (نصرة ودواعش تائبون وماشابه)، وهناك قوى دولية تملك السلاح وماهو اقوى من ملكية السلاح المجردة (اقصد الشرعنة) مثل تركيا واميركا وروسيا ، ومن ثم فهي مساحة صغيرة الممكنة التي تملكها القوى المدنية في سورية ، وهي لاتزيد عن التفاعل مع التجربة السياسية بالداخل ومع العملية السياسية الدولية بالخارج ، وهي عمليات لن تكون في الحالتين على مقاس القوى الدمقراطية ولا معبرة على عن طموحاتها ، لكن القاعدة الانسانية الشهيرة ، (القانون هو ملاذ الضعفاء فالاقوياء لايحتاجونه :يملكون البطش). سورية مرعبا )، وفي الخلفيات هيمنة تركية وعربدة اسرايلية، ولدينا الجنين الديمقراطي المدني وسط كل هذه الافاعي والاخطوبوطات . والخيارات محصورة في مناكفة الاول للثاني ، لايملك السوريون ومن يحبهم الا التشبث بهذه (الخشبة ) وسط الامواج .

14- ان الخطر واحد واثنين وثلاثة وعشرة في سورية الان هي الانتقال من مشروع الثورة الى الحرب ، الحرب بكل صياغات ماجرى، اشتباكات طائفية ، فاقليمية ، فتدويل .

15- ان تلازم مخاطر الداخل والخارج ليس جديدا في التاريخ ، حدث في الثورة الفرنسية ، والروسية ، والايرانية ، وكل ثورة عفية ، وتم تجاوزه .الامر كله يعتمد على وعي الشعب السوري الذي نتمنى له كل تقدم وانتصار .

.—————
هذه ابرز ملامح الموقف في سورية الان ، والتي يجب نقاشها دون فرض وصاية على الشعب السوري الذي يعيش تجربته بخيرها وشرها بنفسه دون تعالم من بعض الاطراف من النخب العربية التي هي نفسها لاتملك مصيرها ، والتي يتوزع افرادها الان مابين “اسلام سياسيين ” (بعضهم) خرج من جديد يدقون طبول حانت دولة الخلافة ،وكأن لاشيء تغير ولامراجعات حدثت ، ، يحرضون ” النصرة ” على التطرف او العودة اليه ، واختطاف الثورة (لوحدهم)، وبين ليبراليون يساريون (بعض)لايملكون سوى خيالات (النموذج الجامد لدولة علمانية)،التي لايملكون اي رصيد لها على الارض ، و “دولجية “(بعض) من انصار الاستبداد الذين يؤمنون ان هذه الشعوب لاتستحق الا الاستبداد ، ولولا الخجل لقالوا الكرباج .، رغم ان كل هذه الاطراف تملك التوقف عن تجريب المجرب والبحث عن مشتركات لسورية مدنية ديمقراطية لكل اطرافها وطوافها وبنيها.
هذه هي ملامح الموقف لايملك انصار (سورية الديمقراطية الحديثة -دولة القانون -سورية كل السوريين ) الا الانتصار عبر معركة سياسية بامتياز . هل هذا الاحتمال وارد؟ لا احد يدعي حتى اللحظة انه اكثر من حلم.

كاتب صحفي مصري وخبير في الشئون الدولية

عن وجه افريقيا