فراج اسماعيل يكتب: بعد اغتيال قيادات حزب الله

يجري الآن تعظيم إعلامي للاستخبارات الإسرائيلية في اعقاب اغتيال معظم قيادات الحزب، ويهدف ذلك لإعادة هيبة فقدتها في 7 أكتوبر وفشلها في الوصول إلى الرهائن في غزة رغم أنها تسيطر عليها وتستخدم إمكانيات السي آي ايه والمخابرات البريطانية.
الاغتيالات التي تمت للقيادات والوصول إلى مقراتهم بدقة تمثل حالة خلل أمني كارثية سواء للجهاز الأمني للحزب ولاستخبارات الحرس الثوري الإيراني أيضا المخترق في قلب طهران والتي أغتيل إسماعيل هنية بين ظهرانيها وفي أحد مقراتها السرية.
هذا الضعف لا يعني قوة الاستخبارات الإسرائيلية وتفوقها مع الاعتراف بتفوقها السيبراني والتقني والتكنولوجي وفي مجال الدرونز المعلوماتية.
لكنها تجد دعماً كبيرا من الاستخبارات الأمريكية والبريطانية بما تملكه من تكنولوجيا متقدمة وأقمار صناعية تجسسية تغطي فضاء الشرق الأوسط وتتنصت على شبكات الاتصالات.. إضافة إلى استخبارات بعض الدول العربية التي تتعاون معها أمنيا ومعلوماتيا.
لكن ما أوقع زعيم الحزب ومعظم قادته هم العملاء على الأرض. بيروت بيئة خصبة للجواسيس كقبرص واليونان. ليس أسهل هناك من تجنيد الجواسيس في البيئة الحاضنة للقيادات المستهدفة مثل الضاحية في ظل غباء أمني واضح.
نتذكر عندما أجبرت مقاتلات إسرائيلية طائرة مدنية عراقية على الهبوط في مطار بن جوريون عام 1973 بهدف اعتقال الدكتور جورج حبش الذي كانت لدى الموساد معلومات مؤكدة أن حبش بين ركابها.. ثم سمح لها بالإقلاع عندما تبين خطأ تلك المعلومات.
الأمر لم يكن كذلك. كانت المعلومات دقيقة جداً وكان المفترض أن يكون حبش مسافراً على متنها.. لكن أمراً شخصيا جعله يؤجل سفره في اللحظة الأخيرة.
وهنا كان السؤال: من هو العميل في بيروت الذي أخبر الموساد حيث يوجد مكتب ياسر عرفات قبل إخراجه منها.
لم يكن يعلم بسفر جورج حبش إلا هو طبعا وأبو عمار.
وظهرت المفاجأة أن العميل هي مديرة مكتب عرفات في بيروت.
حتى بعد انتقال منظمة التحرير الفلسطينية إلى تونس كان العامل البشري ممثلاً في الجواسيس وسيلة الموساد لرصد المنظمة وقياداتها ومباحثاتها.
كان العميل مفاجأة.. إنه عدنان ياسين نائب السفير الفلسطيني في تونس حتى عام 1993.
كان ياسين مكلفا بأهم الواجبات التي تجعل أبا عمار وأبا إياد وأبا جهاد في قبضة الموساد. كان ياسين مسؤولا عن ترتيب سفر وتنقلات المسؤولين الفلسطينيين من والى تونس وتأثيث مكاتبهم ومنازلهم.
لم يكتشفه أحد إلا الاستخبارات الفرنسية بطريق الصدفة عندما ألتقطت بواسطة أقمارها الصناعية ذبذبات أجهزة التنصت في السيارة المرسيدس التي كانت تنقل القادة الفلسطينيين وأبلغت السلطات التونسية وقتها..
كانت ابنته عايدة تعيش مع زوجها في قطاع غزة.
نجح السنوار خلال وجوده في سجون الاحتلال في دراسة تلك الخطط وتجنيد الجواسيس التي يعتمد عليها الموساد وجهاز أمان.. وتوصل إلى نقاط ضعفها وهي كثيرة. وعندما آل إليه الأمر في غزة وضع هدفه الأول كشف العملاء وقتلهم وهذا ما حدث.. ثم اعتمد على الاتصال الشفهي مبعداً أي تقنيات حديثة. الرسائل مع السنوار وردوده عليها تستغرق من أربعة أيام إلى أسبوع كأنه يعيش في عصر الحمام الزاجل. أساليب قديمة جعلت الاستخبارات الإسرائيل بكل الدعم الذي تلقاه من المخابرات الأمريكية والبريطانية والأقمار الصناعية عاجزة عن حل لغز مكان اخفاء الرهائن أو الوصول إلى السنوار.
العكس تماما بالنسبة للحزب وحليفه إيران. زعيمه لم يكن يستخدم إطلاقا الهواتف المحمولة أو الاتصال الأرضي أو يشاهد التليفزيون.. لكنه أهمل العنصر البشري. لم يستفد من تجارب سابقة لمنظمة التحرير الفلسطينية أو حتى أسامة بن لادن الذي كان تتبع أحد الأشخاص الذين يتولون خدمته وسيلة الوصول إلى مكان اختبائه.
حراس السيد الراحل معروفون في الضاحية وتتبعهم أو اختراقهم سهل.. بل قد يكون أحدهم هو العميل نفسه. جميع القادة الذين تم اغتيالهم شاركوا في الحرب بين النظام السوري والمعارضة وكانوا يستخدمون الهواتف المحمولة في إتصالاتهم.. ومن ثم نجحت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والدولية في التعرف عليهم ورصد مقراتهم ومنازلهم وحتى شققهم داخل أبراج بيروت.
إضافة إلى ذلك فقد حصلت تلك الاستخبارات على المعلومات التي قدمت لفريق التحقيق الدولي في اغتيال رفيق الحريري وتتضمن منظومة الإتصالات والتحويلات البنكية والبنك الخاص بالحزب.. وقد ذكرت شيئا من ذلك في البوست السابق.
نأتي إلى نقطة أخيرة.. هل استخبارات الحزب على درجة من الضعف أنها لم تعرف مصير السيد بعد الغارة العنيفة إلا بعد يوم كامل رغم أن إسرائيل دمرت منافذ دخول وخروج المباني الأربعة أو الستة والشارع الذي بينهم والذي كان تحته المقر السري المحصن للقيادة المركزية؟..
ليس دقيقاً.. الحزب عرف مقتله بعد دقائق وأبلغ بها بعض الصحفيين الذين يثق فيهم.. بغرض منحهم الوقت اللازم ليكتبوا عن الرجل ويجمعوا المعلومات الخاصة بسيرته، لكنهم طلبوا منهم عدم الإعلان عم ذلك إلا بعد بيان الحزب.
عُثر على جثة السيد دون أي جروح.. فقد مات من أثر التفريغ التي أحدثته القنابل المفرغة بعد اختراقها الحصون حيث تسحب الأوكسجين تماما من المكان المستهدف.
لقد مات مختنقاً.

عن وجه افريقيا