انطلقت اليوم السبت حملة الانتخابات الرئاسية داخل تونس بعدما انطلقت خارجها يوم الخميس الماضي، وستستمر حتى يوم الصمت الانتخابي في 5 أكتوبر.
وكانت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات قد أعلنت رفضها مطالب اعتماد قدمتها بعض الجمعيات لمراقبة الانتخابات قائلة إنها “أُشعِرت من جهات رسمية بتلقي بعض تلك الجمعيات لمبالغ مالية ضخمة يأتي مصدرها من بلدان لا تربط بعضها بتونس علاقات ديبلوماسية”، وأحالت الهيئة ملفات هذه الجمعيات إلى النيابة العمومية.
من بين هذه الجمعيات جمعية “أنا يقظ” التي قالت في بيان لها إن رفض الهيئة لطلب اعتمادها واتهامها بتلقي “تمويلات أجنبية مشبوهة” هو محاولة منها “لإقصاء منظمات المجتمع المدني من مراقبة الانتخابات”.
وفي خضم التجاذبات والجدل الدائر في تونس في الفترة الأخيرة حول وضع الحقوق والحريات في البلاد أسست مجموعة من نحو 20 منظمة وجمعية بالإضافة إلى 9 أحزاب، الشبكة التونسية للدفاع عن الحقوق والحريات.
وقد نظمت هذه الشبكة مسيرة سلمية يوم الجمعة 13 سبتمبر/أيلول احتجاجا على ما وصفه رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بسام الطريفي بـ”انتكاسة وضع الحقوق والحريات في تونس” خاصة مع ما حدث في الفترة الأخيرة مع مترشحين للانتخابات الرئيسية. ورفع المشاركون شعارات منددة بسياسات السلطة والرئيس قيس سعيد ومطالبة بالعدالة والحرية.
الخيارات المطروحة أمام التونسيين في هذه الانتخابات محدودة جدا، إذ أقصت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عددا من المرشحين قالت إنهم لو يستوفوا شروط الترشح، كما رفضت تنفيذ قرار المحكمة الإدارية القاضي بإعادة ثلاثة من المرشحين إلى السباق فأصبح العدد النهائي ثلاثة مرشحين، أحدهم في السجن.
الاسم الأبرز في القائمة هو الرئيس التونسي، قيس سعيد، الذي يتهمه معارضون ومنظمات حقوقية بالتضييق على المرشحين المنافسين له.
وقالت هيومن رايتس ووتش في شهر أغسطس الماضي إن “السلطات التونسية أبعدت من السباق جميع المنافسين الجديين تقريبا من السباق، ما سيجعل هذا التصويت مجرد إجراء شكلي”.
بينما يتهم سعيد معارضيه بالتآمر عليه وعلى أمن البلاد، مغتنما كل فرصة للإشارة إلى “غرف مظلمة” و”لوبيات فساد” يلقي عليها المسؤولية في كل ما يحدث في البلاد من أزمات اقتصادية أو سياسية أو بيئية حتى، ويقول إنها “تقوم بعمليات تخريبية لتحمل مسؤوليتها لرئيس الدولة” في خضم الانتخابات الرئاسية.
ويقود سعيد ما يعرف بـ”مسار 25 (يوليو) الذي بدأ بإقالة الحكومة وتجميد البرلمان في 25 يوليو 2021 قبل حله نهائيا، بعدها عرض سعيد على الشعب دستورا جديدا للاستفتاء، مر بأغلبية تجاوزت 94٪ من ناخبين لم تتجاوز نسبتهم 30.5٪.
وقوبل الدستور الذي ما يزال ساري المفعول بانتقادات من رأوا فيه منحا لـ”سلطات مطلقة” للرئيس ووضعه “فوق المحاسبة” مقابل تقليص سلطة البرلمان.
المرشح الذي ذاع صيته في الآونة الأخيرة هو السياسي ورجل الأعمال، العياشي زمّال، الذي يقبع في السجن الآن على ذمة اتهامات بتزوير عدد من التزكيات التي جمعها حتى يكتمل ملف ترشحه للانتخابات.
وقال عبد الستار المسعودي محامي المرشح العياشي زمّال” إن القضايا المفتوحة ضد زمّال “ملفقة وأثيرت بفعل فاعل”.
تقوم القضايا على شكايات من أشخاص توجد أسماءهم على قائمة المزكين لترشيح العياشي زمّال قالوا إن تزكياتهم زُوّرت وإنهم زكوا قيس سعيد أو اعتقدوا ذلك. إذ يقول بعضهم إنه خلط بين صورة المرشح العياشي زمّال وصورة سْعيد بينما ينكر بعضهم توقيعه على تزكية زمّال، حسب ما قال المحامي عبد الستار المسعودي لبي بي سي.
ورغم تأكيد الشاكين أنهم لا يعرفون العياشي زمّال ولم يتواصلوا معه، كما قال المسعودي، فإن زمّال هو المتهم في قضايا التزوير هذه، لذلك يرى المسعودي أن زمّال “زُجّ به في هذه القضايا نكاية به لإجباره على التراجع والخروج من الدورة الأولى للانتخابات”.
وقال المسعودي” إن المحامين في لجنة الدفاع عن زمّال يعدون لندوة صحفية سيوجهون بعدها خطابا رسميا للهيئة العليا للانتخابات لتحمل مسؤوليتها حيال المرشح الرئاسي المسجون “خاصة بعد أن قالت المحاكم التي نظرت في الاتهامات الموجهة ضده إنها اتهامات واهية وملفقة”. كما سيحملون قيس سعيد مسؤولية على ما يحدث باعتباره الضامن للدستور وبالتالي سلامة العملية الانتخابية.
وكان زمّال قد اعتقل من بيته في الثاني من سبتمبر/ أيلول بتهمة تزوير التزكيات، في محافظة منوبة بالعاصمة تونس لتأذن المحكمة فيما بعد بتركه في حالة سراح. وخلال خروجه من سجن برج العامري في العاصمة بعد استكمال إجراءات الافراج، وقبل مغادرته البوابة الرئيسة عند منتصف الليل اقتادته فرقة أمنية إلى وجهة “غير معلومة”. وتمكن محاموه صباح اليوم التالي من معرفة مكان وجوده في محافظة جندوبة شمال غرب البلاد حيث أودع بالسجن.
ورفضت الدائرة الجناحية بمحكمة جندوبة يوم الأربعاء مطلب الافراج عن زمّال وأبقته في حالة إيقاف مع تأجيل النظر في القضية الى يوم 18 سبتمبر/أيلول، كما أعلنت هيئة الدفاع عنه.
ثلاث محافظات يقف فيها زمّال أمام المحاكم بتهم تزوير التزكيات حتى الآن. ويعتقد محاموه أن هذا الإجراء سيتكرر وأن موكلهم سينقل من محافظة إلى أخرى حيث فتحت ضده 25 قضية بتهمة تزوير التزكيات.
أما أعضاء حملته الانتخابية فقد أعلنوا مواصلتهم الحملة لدعم مرشحهم وإن كان سجينا؛ فزمال ما يزال موجودا على قائمة المترشحين وسيبقى كذلك وفقا لقانون الانتخابات.
المرشح الآخر للانتخابات هو زهير المغزاوي الأمين العام لحركة الشعب الذي عبر هو أيضا عن رفضه وإدانته لقرارات الهيئة العليا للانتخابات واعتبرها “دوسا على القانون”.
وقال المغزاوي إن الهيئة “تعسفت على بعض المترشحين ونصبت نفسها سلطة بلا رادع قانوني ولا أخلاقي ولا مؤسساتي”. واتهم المغزاوي الرئيس التونسي قيس سعيد باستخدام إمكانيات الدولة التي بيده باعتباره مازال يمارس نشاطه الرئاسي “في حملة انتخابية مبكرة”.