سحر رجب
في مسرحية سياسية تبدو كأنها من عصر الإمبراطوريات القديمة، أعلن المجلس الدستوري في الكاميرون اليوم الاثنين رسميًا فوز الرئيس بول بيا بولايته الثامنة، محولاً الانتخابات الرئاسية التي جرت في 12 أكتوبر الماضي إلى تأكيد لعصره الذي يمتد لأكثر من أربعة عقود.
الرجل البالغ من العمر 92 عامًا، الذي يُلقب بـ”الأبدي” بين أنصاره و”الديكتاتور” بين معارضيه، حصد 53.66% من الأصوات، مسيطرًا على السلطة بفارق مريح يُثير تساؤلات حول مصير الديمقراطية في غرب أفريقيا.
في جلسة رسمية حضرها مسؤولون كبار، أعلن رئيس المجلس الدستوري، كليمنت أتانجانا، النتيجة بصوت هادئ: “أُعلن أن الرئيس المنتخب هو المرشح بول بيا”، متجاهلاً صرخات الشارع والدعوات الدولية المتزايدة للتنحي الفوري. بيا، الذي تولى الرئاسة في 1982 بعد وفاة سابقه أحمدو أحجو، أصبح بفوزه هذا أطول زعيم في العالم بقاءً في السلطة، متجاوزًا حتى الزعماء السابقين في كوريا الشمالية وكوبا.
وإذا أكمل ولايته الجديدة حتى نهايتها في 2030، قد يصل عمره إلى 97 عامًا، وفقًا للمعارضة التي تتوقع أن يبقى في المنصب “حتى المئة”.
الانتخابات، التي شهدت مشاركة ضعيفة بلغت نسبة تصويتها حوالي 50% وفقًا لتقديرات المراقبين الدوليين، جاءت في أجواء من التوتر الشديد.
ألغى بيا الحد الأقصى لعدد الولايات الرئاسية في 2008 عبر استفتاء مثير للجدل، مما سمح له بالفوز في سبع ولايات سابقة بفوارق هائلة، غالبًا ما تجاوزت 70%. هذه المرة، واجه منافسين مثل جوزيف إنونغو، الذي حصل على نحو 30% من الأصوات، لكن الاتهامات بالتزوير والقمع الأمني طغت على المنافسة.
منظمات حقوقية مثل هيومن رايتس ووتش أفادت باعتقالات جماعية لمعارضين، وقطع إنترنت في مناطق معارضة، مما جعل الانتخابات “شكلية” في نظر الغرب.
“هذا ليس انتخابًا، بل تتويجًا لنظام يرفض الشيخوخة السياسية”، قال أحد النشطاء الكاميرونيين في مقابلة مع “غروك نيوز”، مشيرًا إلى أن بيا، الذي اختفى عن الأنظار لأسابيع قبل الانتخابات، يعاني من مشاكل صحية تجعل حكمه “رمزيًا”. ومع ذلك، يرى أنصار بيا في فوزه “انتصارًا للاستقرار” في بلد يعاني من تمرد مسلح في المناطق الناطقة بالإنجليزية منذ 2017، وأزمة اقتصادية مدفوعة بارتفاع أسعار الطاقة العالمية.
دوليًا، أثارت النتائج ردود فعل متباينة. أعربت فرنسا، الشريك التاريخي للكاميرون، عن “قلقها” دون إدانة صريحة، بينما دعت الولايات المتحدة إلى “مراجعة الانتخابات” عبر بيان من وزارة الخارجية.
أما الاتحاد الأفريقي، فقد رحب بالنتيجة “كتعبير عن إرادة الشعب”، مما أثار انتقادات من منظمات المجتمع المدني التي تتهمه بالتواطؤ.
مع استمرار بيا في الحكم، يبقى السؤال: هل سينتهي عصر “الأبدي” قريبًا، أم أن الكاميرون محكومة بـ”وريث غير معلن”؟ الشوارع في ياوندي هادئة اليوم، لكن الغضب يغلي تحت السطح، وفق مراقبين.
في بلد يعاني من فقر مدقع ونزاعات عرقية، يُخشى أن يؤدي هذا الفوز إلى تصعيد التوترات، مما يهدد الاستقرار الإقليمي في وسط أفريقيا.
وجه أفريقيا رئيس التحرير: سحر رجب