سحر رجب
في صباح مشرق من أيام الثقافة المصرية، شهدت قاعة الموسيقى بدار الكتب والوثائق القومية انعقاد ندوة فكرية ملهمة بعنوان “الشعر والموسيقى توأمان لا يفترقان”، ضمن فعاليات اليوم المصري للموسيقى الذي أقرته وزارة الثقافة. الندوة، التي جمعت نخبة من الشعراء والنقاد والموسيقيين، سلطت الضوء على التلاحم التاريخي بين الفنين، مؤكدة دورهما في صياغة الهوية الثقافية المصرية والعربية، وسط تحديات العصر الحديث.
بدأت الندوة بكلمات افتتاحية من الشاعرة والناقدة نجلاء أحمد حسن، مديرة “دوحة الشعراء” والمدير العام بمكتبة القاهرة الكبرى، التي أدارت الجلسة ببراعة، مشددة على أن الشعر والموسيقى ليسا مجرد فنين متجاورين، بل “جناحان للإبداع يرفرفان معاً نحو السمو الإنساني”. شارك في الندوة الشاعر الكبير أحمد سويلم، مؤسس “دوحة الشعراء”، والدكتورة نوران فؤاد، الناقدة الأدبية والشاعرة المعروفة، إلى جانب الدكتورة عفاف طلبة، أستاذة البيانو بالكونسرفتوار في أكاديمية الفنون.
ركزت المناقشات على أهداف الندوة الرئيسية، التي شملت تسليط الضوء على العلاقة التاريخية بين الشعر والموسيقى منذ العصور القديمة، مع التركيز على الموروث العربي والمصري. كما هدفت إلى نشر الوعي بأهمية التراث الموسيقي، وإبراز تأثير الإيقاع واللحن في بنية الشعر، بالإضافة إلى مناقشة التحديات المعاصرة مثل الحفاظ على الأصالة أمام التأثيرات الحديثة.
قالت الدكتورة نوران فؤاد في مداخلتها الملهمة: “الشعراء والموسيقيون حراس الفكر والوجدان الإنساني، يحملون معجزة الأرض وحراس النغمات.
الموسيقى تنبع من القلوب وتصل إلى القلوب، تعبر عن الأوطان وتاريخ الأجداد، وتلتحم مع الشعر لتشكل تعبيراً شفافاً، نورانياً، صوفياً، مليئاً بالحب والإخلاص”.
استعرض المشاركون محاور نقاشية غنية، بدءاً بدور الموسيقى في تشكيل البنية الإيقاعية للشعر، مروراً بتأثير الغناء في نشر الشعر على نطاق واسع، وصولاً إلى الأمثلة التراثية المصرية التي جمعت بين الشعر والإنشاد، مثل أغاني الأم لطفلها كـ”ماما زمنها جاية”، أو القصائد الدينية المغناة مثل “خد بايدي” لعلية الجعار، وأغاني الحب الشعبية للأبنودي.
كما تطرقوا إلى أغراض الشعر مثل الرثاء والمدح، مقارنة بأهداف الموسيقى في مقامات الفرح كالنهاوند، أو الحزن كالرست، مستشهدين بأعمال كلاسيكية مثل السيمفونية الخامسة لبيتهوفن، وأوبرا “عايدة” لفيردي.
لم تغفل الندوة الرؤى المستقبلية، حيث اقترح المشاركون تعزيز التلاقح بين الشعر والموسيقى عبر ورش عمل ومهرجانات ثقافية، مستلهمين آراء فيلسوف مثل ابن سينا الذي اعتبر الاستماع إليهما مسكناً للأوجاع. كما أكدوا على دور هذا التكامل في تقوية التماسك الاجتماعي، مستشهدين بأناشيد وطنية مثل “بلادي” ليونس القاضي، وارتباط الفنين بأساطير قديمة كإيزيس وأوزوريس، التي تعكس قيم الحق والخير والجمال في العقل الجمعي.
في ختام الندوة، أكدت الفعالية أن الشعر والموسيقى يشكلان وحدة فنية تعكس هوية الإنسان المصري والعربي، داعية إلى دعم هذا التكامل من خلال المؤسسات التعليمية والثقافية. ومع تزايد الاهتمام بالتراث في ظل التحديات العالمية، تبرز مثل هذه الندوات كجسر نحو مستقبل يجمع بين الأصالة والإبداع، ليظل الفن شاهداً على حيوية الثقافة المصرية.