أخبار عاجلة

صرخة الحرية في زوكالو: احتفال المكسيك بعيد الاستقلال الذي هز الإمبراطورية الإسبانية

سحر رجب

في 16 سبتمبر من كل عام، تنبض المكسيك بحيوية الثورة والفخر الوطني، احتفاءً بعيد الاستقلال الذي يُعرف بـ”غريتو دي ديلوريس” (صرخة ديلوريس)، الذي أشعل شرارة حرب الاستقلال ضد الاستعمار الإسباني في 1810.

هذا العيد ليس مجرد تاريخ في التقويم، بل رمز لنضال شعب مكسيكي شجاع قاوم الظلم لأكثر من عقد، ليحقق حريته في 1821.

في عام 2025، مع اقتراب الاحتفالات، يتجدد العهد بالوحدة الوطنية وسط تحديات اقتصادية واجتماعية، حيث يجتمع الملايين في الميادين العامة لإعادة إحياء ذكرى تلك اللحظة التاريخية التي غيَّرت وجه أمريكا اللاتينية.

نضال الشعب المكسيكي: من صرخة الكاهن إلى إعلان الحرية

بدأت قصة النضال في 16 سبتمبر 1810، عندما نادى الكاهن ميغيل هيدالغو ي كوستيلا، في قرية ديلوريس، بثورة مسلحة ضد الحكم الإسباني الاستعماري، مستخدماً جرس الكنيسة ليُعلن “غريتو دي ديلوريس”، الذي دعا فيه إلى حرية الشعب المكسيكي من الفقر والتمييز العنصري.

كان هيدالغو، الذي كان يدعم حقوق السكان الأصليين والمستضعفين، يعبر عن غضب شعب مكسيكي يعاني من الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي تحت الإمبراطورية الإسبانية، حيث كان الإسبان يسيطرون على الأراضي والتجارة، بينما يعيش السكان الأصليون في الفقر.

سرعان ما تحولت الصرخة إلى ثورة واسعة النطاق، حيث قاد هيدالغو جيشاً شعبياً بلغ عدده 80 ألف مقاتل، معظمهم من الفلاحين والسكان الأصليين، وهاجموا مدينة غواناخواتو، مُحرِّرين السجون ومصادرين الأسلحة. ومع ذلك، أُعدم هيدالغو في 1811 بعد هزيمة عسكرية، لكنه أصبح رمزاً للثورة. استمر النضال تحت قيادة خوسيه ماريا موريلوس، الذي أسس “كونغرس أناهواس” في 1813 لصياغة دستور يضمن المساواة والحقوق المدنية، لكنه أُعدم أيضاً في 1815.

استمر الصراع 11 عاماً من المعارك الدامية، مليئة بالخيانات والتحالفات، حتى أعلن الجنرال أغوستين دي إيتوربيده الاستقلال في 27 سبتمبر 1821، بعد معاهدة إيغوالا التي وحدت المتمردين والمحافظين الإسبان. كان النضال مكسيكياً شعبياً حقيقياً، شارك فيه مئات الآلاف من السكان الأصليين والمستعمِرين الجدد، وأدى إلى إنشاء إمبراطورية مكسيكية قصيرة الأجل قبل تحولها إلى جمهورية في 1824.

هذا التراث يُذكِّر اليوم بالقيم الثورية: الحرية، المساواة، والكرامة الوطنية.

أشكال الاحتفال: من الصرخة الرئاسية إلى الألعاب النارية الساحرة

يبدأ الاحتفال رسمياً في الساعة 11 مساءً يوم 15 سبتمبر، عندما يقف الرئيس المكسيكي في بالكون الوطني بمكسيكو سيتي أمام حشود هائلة في ميدان زوكالو، ويُعيد إصدار “غريتو دي ديلوريس” بصوته الجهوري: “¡Viva México!”، متردِّدَةً الصرخة ثلاث مرات بين هتافات الجماهير والأجراس.

هذا الطقس يُبثُّ عبر التلفزيون الوطني، ويُكرَّر في كل ميدان عام في البلاد، حيث يرتدي الناس الأزياء التقليدية مثل الشاربي (تنورة النساء) والغوايابيرا (قبعة واسعة الحواف).

أما في 16 سبتمبر، فيصبح اليوم عيداً وطنياً رسمياً، يغلق فيه المدارس والمكاتب، ويملأ الشوارع بالعروض الملونة: مسيرات مدرسية بأزياء تاريخية تمثِّل قادة الثورة، وعروض فولكلورية للرقصات التقليدية مثل “جارابي”، مع موسيقى المارياتشي التي تُعزف أغاني وطنية مثل “كوكو أرايبي”.

الألعاب النارية الضخمة تضيء السماء، خاصة في زوكالو حيث يُطلَق آلاف الصواريخ في عرض يستمر ساعات، بينما تُقام حفلات شعبية في الشوارع مع ألعاب مثل “بينياتا” (وعاء مليء بالحلويات يُكسَّر بعصا).

الطعام يلعب دوراً أساسياً

تاماليس محشوة باللحم أو الجبن، تشوريزو (سجق مكسيكي)، وغواجامولي مع التورتيلا، مع مشروبات مثل “أتولي دي غرانادا” (مشروب ذرة حلو).

في الولايات الخارجية، مثل كاليفورنيا أو شيكاغو، تُقام مهرجانات مكسيكية-أمريكية تجمع الجاليات، مع عروض ثقافية تعكس التراث المختلط.

وفي 2025، مع التركيز على الشباب، أُضيفت فعاليات رقمية مثل بث مباشر للصرخة عبر تيك توك، لجذب الأجيال الجديدة.

إرث يتجدَّد: عيد يُوحِّد ويُلهِم

يُعدُّ عيد 16 سبتمبر ليس احتفالاً بالماضي فحسب، بل تذكيراً بالنضال المستمر من أجل العدالة الاجتماعية في المكسيك الحديثة، حيث يواجه الشعب تحديات مثل الهجرة والاقتصاد.

كما قال الرئيس كلوديو شينباوم في خطاب سابق: “صرخة هيدالغو لا تزال تُصدَحُ للحرية اليوم”.

هكذا، يبقى هذا العيد رمزاً للصمود المكسيكي، يجمع بين التراث والأمل في مستقبل أفضل.

عن وجه افريقيا