أخبار عاجلة

69 مليار دولار في قبضة الديون: أفريقيا تعود إلى حضن صندوق النقد كملاذ أخير

 

سحر رجب

في ظل أعباء ديون متراكمة تتجاوز 650 مليار دولار، وغياب بدائل تمويلية منخفضة التكلفة، عادت الدول الأفريقية إلى الاعتماد المتزايد على صندوق النقد الدولي كشريك إنقاذي رئيسي.

منذ بداية جائحة كوفيد-19 في عام 2020، ضخ الصندوق، المقر في واشنطن، نحو 69 مليار دولار أمريكي كتمويل طارئ للقارة، وفقاً لتقرير نشرته وكالة بلومبيرغ في 12 سبتمبر 2025.

ومع توقعات باستمرار الصدمات الاقتصادية العالمية، يُتوقع أن يواصل الصندوق إقراض أفريقيا، مما يعكس تحولاً في العلاقة من التوتر إلى تعاون أكبر، رغم الاحتجاجات الشعبية ضد شروط التقشف المرتبطة به.

أكد متحدث باسم الصندوق في رد عبر البريد الإلكتروني لوكالة بلومبيرغ: “نرى طلباً متواصلاً من الدول الأفريقية على دعم صندوق النقد، بما يشمل برامج جديدة، وتمديدات، وزيادات، مدفوعاً بالصدمات المستمرة وضغوط الديون المرتفعة”.

هذا الدعم يأتي في وقت يعاني فيه الاقتصاد الأفريقي من ارتفاع تكاليف الاقتراض، حيث بلغت خدمة الدين الخارجي حوالي 90 مليار دولار في عام 2024 وحدها، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة المستشهد بها في التقرير.

ومع ذلك، يُشير التقرير إلى أن الإصلاحات الأخيرة في حوكمة الصندوق، بما في ذلك زيادة التمثيل الأفريقي في مجلسه التنفيذي، ساهمت في تحسين صورته كشريك أكثر شمولية.

برامج ممتدة ومفاوضات جديدة

يمتد التعاون الحالي إلى نحو 20 دولة أفريقية لديها برامج نشطة أو في مراحل تفاوضية مختلفة، بما في ذلك مصر وبنين وغانا التي تتلقى دعماً مستمراً لتعزيز الاستقرار المالي.

في المقابل، تسعى دول مثل ملاوي وكينيا وموزمبيق إلى إعادة إحياء برامج توقفت سابقاً بسبب فشل في تحقيق أهداف الصندوق، مثل الالتزام بإصلاحات الإنفاق العام.

أما أوغندا والسنغال، فتتفاوضان على برامج جديدة لمواجهة ضغوط السيولة، بينما تطلب زامبيا تمديداً إضافياً لبرنامجها الحالي لمدة عام كامل.

رغم هذا التعاون، لم تخلُ العلاقة من التوترات الشعبية.

في يوليو الماضي، شهدت أنغولا احتجاجات عنيفة بعد قرار خفض دعم الوقود كجزء من شروط برنامج الصندوق، بينما أثارت كينيا في 2024 مظاهرات واسعة ضد زيادات ضريبية مفروضة لتلبية متطلبات الإصلاح.

ومع ذلك، ترى بلومبيرغ أن العلاقة أصبحت “أكثر تعاوناً”، حيث يُنظر إلى الصندوق كـ”شريك ضروري” يوفر سيولة بالعملة الأجنبية وتمويلات ميسرة في ظل ضيق الخيارات.

تقول زينب حسين، كبيرة المحللين لشؤون أفريقيا في شركة “بانجيا-ريسك”: “العديد من قادة الدول يتعاملون مع الصندوق كشريك ضروري، يمكنه دعم السيولة بالعملة الأجنبية وتقديم تمويلات ميسرة وسط ضغوط الديون والمالية”.

وأضافت أن الإصلاحات في حوكمة الصندوق، مثل زيادة حصة أفريقيا في التصويت، “ساهمت في تحسين التصورات بشأن شرعيته وشموليته”.

ديون خارجية متضخمة: ضرورة أم مصيدة؟

من جانبه، يصف جاك نيل، رئيس قسم الاقتصاد الأفريقي في “أكسفورد إيكونوميكس”، الاعتماد على الصندوق بأنه “مسألة ضرورة”، مشيراً إلى أن “ظروف السيولة الدولية بدأت تتحسن، لكن العديد من الدول الأفريقية سجّلت ديوناً باهظة الكلفة”.

وفقاً لبيانات الأمم المتحدة، ارتفع الدين الخارجي للقارة إلى أكثر من 650 مليار دولار، مما يدفع المستثمرين الأجانب إلى طلب علاوات مخاطر أعلى، في وقت استنزفت فيه الحكومات أسواق رأس المال المحلية إلى حد يهدد القطاع الخاص.

يُبرز التقرير أن هذا الاعتماد يأتي في سياق أوسع من الأزمات، حيث زادت الديون الخارجية الأفريقية بنسبة تصل إلى 300% في بعض الدول مثل كينيا خلال العقد الماضي، مدفوعة بجائحة كوفيد-19 والحروب الجيوسياسية.

ومع ذلك، يستمر الجدل حول سياسات التقشف التي ترافق برامج الصندوق، والتي غالباً ما تُتهم بتعميق عدم المساواة الاجتماعية.

دراسة من منظمة العمل الدولية (ILO) في 2021 أكدت أن الصندوق فرض إجراءات تقشفية حتى خلال أشد أشهر الجائحة، مما أثار انتقادات من خبراء مثل ألكساندروس كنتيكيلينيس وتوماس ستابس في كتابهما “ألف جرح” (2023)، الذي يصف سياسات الصندوق بأنها “دورة من الديون والتقشف” تعيق التنمية الحقيقية.

آفاق قارية: بين الإنقاذ والاستقلال

يُتوقع أن يستمر الطلب على تمويل الصندوق في السنوات القادمة، خاصة مع تباطؤ النمو الاقتصادي في أفريقيا جنوب الصحراء إلى 3.6% في 2023، وفقاً لتقرير اقتصادي إقليمي للصندوق.

وفي تصريح لوجه أفريقيا، أكد نيل أن “ارتفاع مستويات الديون يدفع المستثمرين الأجانب للمطالبة بعلاوات مخاطرة أكبر، في وقت استنزفت فيه الحكومات أسواق رأس المال المحلية إلى حد يهدد بعرقلة القطاع الخاص”.

هذا يضع أفريقيا أمام خيار محدود: العودة إلى واشنطن كمصدر رئيسي للتمويل، أم البحث عن آليات إقليمية مثل بنك التصدير والاستيراد الأفريقي لكسر الدورة.

بهذه الطريقة، يُصبح صندوق النقد ليس مجرد مقرض، بل شريكاً استراتيجياً في مواجهة أزمة ديون تتسع عاماً بعد عام، لكن بسعر قد يكون باهظاً على الشعوب الأفريقية.

هل ستكون هذه العودة خطوة نحو الاستقرار، أم مجرد صفقة فاوستية جديدة؟ الإجابة تكمن في توازن القادة بين الإصلاحات والحفاظ على السيادة الاقتصادية.

عن وجه افريقيا