كانت المائة يوم اليوم الأولى في ولاية ترامب الثانية بمثابة الكابوس المفزع بالنسبة للمهاجرين واللاجئين الذين وصلوا للولايات المتحدة قبيل تنصيبه في 26 يناير الماضي، فقد اتخذ ترامب أكثر من 21 إجراءً، سعى خلالها إلى تغيير أجزاء من نظام الهجرة الأمريكي، بما في ذلك كيفية معالجة طلبات المهاجرين واللاجئين وترحيلهم من الولايات المتحدة. وبالفعل نشرت صور لعمليات الترحيل القسري التي تنفذها طائرات شحن عسكرية، كما وعد ترامب بـ”عمليات ترحيل جماعي” واعتقالات، ولا يزال من غير الواضح كيفية تنفيذ خطته كاملة بالفعل.
ويمكن القاء الضوء على ستة إجراءات هامة توضح سياسة ترامب بشأن الهجرة خلال فترة رئاسته الحالية وهي أولاً ترحيل المهاجرين حيث يُعد ترحيل المهاجرين غير الشرعيين من الولايات المتحدة ووعده بـ”الترحيل الجماعي” حجر الزاوية في سياسة ترامب المتعلقة بالهجرة، فقد أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية خلال الأسبوع الأول من حكم ترامب أنها ستوفر طائرات عسكرية لترحيل أكثر من 5000 شخص احتجزتهم حرس الحدود في سان دييغو وأل باسو بولاية تكساس، وتشير إحصاءات دائرة الهجرة والجمارك الأمريكية إلى أن أكثر من 1000 شخص قد تم ترحيلهم أو إعادتهم إلى أوطانهم في اليوم الرابع لإدارة ترامب، ومع تغييرات ترامب، يُمكن الآن تنفيذ عمليات الترحيل هذه في أي مكان في الولايات المتحدة، وستُطبق على المهاجرين غير المسجلين الذين لا يستطيعون إثبات وجودهم في البلاد لأكثر من عامين.
والعامل الثاني في خطته يتمثل في تحصين الحدود الأمريكية المكسيكية، حيث أعلن البنتاجون عن نشر 1500 جندي في الخدمة الفعلية على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة وهذا بالإضافة إلى 2500 جندي في الخدمة الفعلية موجودين بالفعل هناك، بما يمثل زيادة بنسبة 60% في عدد قوات الجيش في المنطقة. وفي نفس الوقت صرح القائم بأعمال وزير الدفاع روبرت ساليسيس بأن القوات ستُسيّر طائرات هليكوبتر لمساعدة حرس الحدود في عمليات المراقبة. كما ستساعد في بناء حواجز لمنع دخول المهاجرين.
وثالث هذه الإجراءات يتمثل في وقف معالجة طلبات المهاجرين وطالبي اللجوء بموجب أمر تنفيذي آخر بموجبه علق ترامب دخول جميع المهاجرين غير المسجلين إلى الولايات المتحدة، وصدرت تعليمات لعناصر دوريات الحدود برفض طلباتهم دون منحهم جلسات استماع بشأن طلبات اللجوء. وقبيل صدور هذا الأمر، كان بإمكان المهاجرين الوصول إلى الحدود الأمريكية وكان لهم الحق القانوني في طلب اللجوء.، باستخدام تطبيق CBP One، وهو تطبيق للتليفون المحمول. كما أنهى برنامجًا رئيسيًا في عهد بايدن سمح لما يصل إلى 30 ألف مهاجر شهريًا من كوبا وهايتي ونيكاراغوا وفنزويلا بالسفر إلى الولايات المتحدة جوًا لأسباب إنسانية. وسيتم أيضًا إعادة العمل بسياسة “البقاء في المكسيك” التي فُرضت خلال ولاية ترامب الأولى. وقد أجبرت هذه السياسة طالبي اللجوء غير المكسيكيين على الانتظار في المكسيك حتى تُحل طلبات لجوئهم في الولايات المتحدة، وقد أثرت على حوالي 71 ألف شخص خلال ولاية ترامب الأولى. وحاليا يُقدر عدد القضايا المتراكمة في محاكم الهجرة الأمريكية بنحو 3.6 مليون قضية.
رابع هذه الخطوات التي أثرت على المهاجرين واللجئين هو إلغاء مواعيد المهاجرين الحالية فور تولي ترامب منصبه تقريبًا إلغاء تطبيق CBP One للهواتف الذكية، الذي كان بإمكان المهاجرين استخدامه لحجز المواعيد مع ضباط دوريات الحدود الأمريكية. أطلقته إدارة بايدن تطبيق CBP One كوسيلة لتنظيم وتبسيط دخول المهاجرين الفارين من الملاحقة القضائية.
وحاليا هناك حوالي 30 ألف شخص عالقين داخل المكسيك منذ إزالة التطبيق – جميعهم لديهم مواعيد مُجدولة تم إلغاؤها الآن.كما يوجد حوالي 270 ألف مهاجر على الجانب المكسيكي من الحدود ينتظرون الحصول على مواعيد من خلال هذا التطبيق وقوبلت هذه الخطوة بقلق بالغ من المهاجرين الذين قطعوا رحلات طويلة إلى الحدود، وانتظروا شهورًا لتأمين تلك المواعيد.
خامس هذه الإجراءات هو بناء ملاجئ للمهاجرين في المكسيك التي بدأت في بناء ملاجئ خيام عملاقة في تسع مدن حدودية لإيوائهم مؤقتًا، وستوفر هذه الملاجئ الطعام والرعاية الطبية والمساعدة في الحصول على وثائق الهوية.
وسادس وآخر هذه الإجراءات هي توسيع صلاحيات هيئة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك (ICE) وتنفيذ المداهمات للقبض على المهاجرين ممن ليس لديهم اوراق ثبوتية، حيث يُلغي هذا الأمر مبدأً توجيهيًا قائمًا منذ فترة طويلة يحظر مداهمات الهجرة في المناطق التي تُعتبر “حساسة”، مثل المدارس والمستشفيات والكنائس.كما ويدعو أمر آخر إلى توسيع برنامج يسمح لهيئة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك بتفويض مهام إنفاذ قوانين الهجرة إلى شرطة الولايات والشرطة المحلية.
هذه القرارات تمثل كابوسا ولكنه متوقع من ترامب وإدرارته اليمينية الشعبوبية التي تغازل مشاعر الأمرييكين الذين يعانون من مشكلات اقتصادية متعددة ويلقون اللوم على المهاجرين واللاجئين باعتبارهم سبب تلك المشكلات، وهذه القرارات مثل قررات ترامب بفرض تعريفة جمركية مبالغ فيها على غالبية دول العالم تثمل ضررا للإقتصاد الأمريكي الذي تحرمه من توافر الأيدي العاملة الرخيصة التي توفرها ملايين المهاجرين واللاجئين، ولكنها تأتي لتنفيذ وعوده الانتخابية، ولن تحد من الجرائم المنتشرة في الولايات المتحدة الأمريكية.
وإجمالا لن تمثل هذه السياسة مكسبا للإقتصاد والمجتمع الأمريكي القائم على الهجرة سوى في ترديد الدعايات الكاذبة المناهضة لقضايا وحقوق المهاجرين واللاجئين في الولايات المتحدة ودول العالم الغربي الذي تتصاعد فيه موجات العنصرية وكراهية الأجانب والمهاجرين واللاجئين.