وجدي عبد العزيز يكتب الإحتفال بيوم أفريقيا

يجرى الإحتفال بيوم أفريقيا هذا العام بحلول الذكرى الواحدة والستين لتأسيس منظمة الوحدة الأفريقية والاتحاد الأفريقي، وتعد حاليا أفريقيا موطن 1.3 مليار شخص يتحدثون 3000 لغة ويعيشون في 55 دولة، وهي ثالث أكبر قارة في العالم، ففي 25 مايو 1963، التقى 30 من رؤساء الدول الأفريقية المستقلة في أديس أبابا إلى جانب قادة من حركات التحرر الأفريقية لصياغة طريق للمضي قدما نحو الاستقلال الكامل لأفريقيا عن الإمبريالية والاستعمار والفصل العنصري، وكانت نتيجة الإجتماع إنشاء أول مؤسسة قارية في إفريقيا بعد الاستقلال.

وتم تشكيل منظمة الوحدة الأفريقية كتعبير عن رؤية عموم أفريقيا لأفريقيا التي كانت موحدة وحرة وتتحكم في مصيرها، وقد تم إقرار ذلك رسميًا في ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية الذي تم اعتماده في 25 مايو يوم إفريقيا 1963، وفي عام 1999، قرر مؤتمر رؤساء دول وحكومات منظمة الوحدة الأفريقية عقد جلسة استثنائية لتسريع عملية التكامل الاقتصادي والسياسي في القارة، في 9 سبتمبر 1999 أصدر رؤساء دول وحكومات منظمة الوحدة الأفريقية إعلانًا (إعلان سرت) يدعو إلى إنشاء اتحاد أفريقي، وفي عام 2002 أثناء قمة ديربان، تم إطلاق الاتحاد الأفريقي رسميا خلفا لمنظمة الوحدة الأفريقية.

ويعتبر الاحتفال بالذكرى فرصة للإعتراف بدور ومساهمة مؤسسي المنظمة القارية والعديد من الأفارقة الآخرين في القارة وفي الشتات الذين ساهموا بشكل كبير في التحرير السياسي للقارة، وعلى قدم المساواة في التحرر الاجتماعي والاقتصادي لأفريقيا، كما أنها  فرصة لتبادل المعلومات والمعرفة وأفضل الممارسات في الماضي وتشجيع بعضنا البعض على تبني رؤية الاتحاد الأفريقي، وكذلك نحو تحقيق “أفريقيا التي نريدها” في إطار أجندة 2063، كما إنها أيضا لحظة مناسبة للاتحاد الأفريقي للتفكير في روح الوحدة الأفريقية، التي تربط الماضي بالحاضر وتطلعات القارة للمستقبل.

خبرة سنوات ما بعد الإستقلال

صادف “يوم أفريقيا” هذا العام مرور 61 عامًا على تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية، ويفرض الإحتفال بهذه الذكرى السنوية  السؤال التالي: إلى أي مدى تم تحقيق رؤية الآباء المؤسسين لمنظمة الوحدة الأفريقية بعد 61 عاما؟ وماهي النجاحات والإخفاقات التي شهدتها القارة على صعيد التعاون من أجل بناء مستقبل أفضل للأفارقة لتحقيق الأمن والتنمية والسلام؟

الإستقلال والتأسيس

يعتبر عام 1960 هو عام الإستقلال الأفريقي حيث حصلت فيه حوالي 13 دولة على استقلالها من الدول الاستعمارية، وكانت هناك محاولات عدة لتوحيد جهود دول القارة المستقلة حديثا من أجل دعم حركات التحرر الوطني الأفريقية حتى تم التوافق على تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية بعضوية 32 دولة مؤسسة، وكانت هناك رؤيتان للتأسيس أولها دعا لها الرئيس الغاني كوامي نكروما في خطابه الذي ألقاه يجب أن تتحد إفريقيا، حيث كان يدعو لتحقيق الوحدة الأفريقية عبر اتحاد الدول الأفريقية، بهيئة دبلوماسية قارية واحدة ووزارة دفاع واحدة وسوق مشتركة، بينما كانت الرؤية الثانية لغالبية القادة الأفارقة تتمثل في أنه يمكن تحقيق تلك الوحدة في المستقبل اعتمادا على التنسيق والتعاون بين مناطق دول القارة المختلفة، وأن يتم التعامل وفقا للحدود السياسية للدول وفقا لما هي عليه أثناء فترة الإستعمار حتى لاتدخل دول القارة في صراعات على الحدود السياسية، ولكن الصراعات على الحدود لم تتوقف بسبب أنها حدود مصطنعة تفصل بين القبيلة الواحدة في دولتين وأكثر مما تسبب في الكثير من النزاعات المسلحة بين الدول الأفريقية.

وجاء تشكيل منظمة الوحدة الأفريقية في 25 مايو 1963 على غرار منظمة الدول الأمريكية، وكانت منظمة حكومية دولية تعهد ميثاقها بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدولها الأعضاء، وكانت منظمة الوحدة الأفريقية ملتزمة بإنهاء الاستعمار، بما في ذلك إنهاء الفصل العنصري في جنوب إفريقيا ونظام المستوطنين في جنوب روديسيا (زيمبابوي). وساهمت في الضغط الدبلوماسي والعقوبات الهائلة لتحقيق ذلك، وتبرعت لجنة التحرير التابعة لها ومقرها دار السلام (العاصمة التجارية التنزانية) بالأسلحة والأموال لحركات التحرر في جنوب إفريقيا وزيمبابوي وناميبيا وأنجولا وموزمبيق.

التحديات التي تواجه أفريقيا

كان التصدي للتحديات التي فرضتها الصراعات والنزاعات التي طال أمدها في القارة الأفريقية محورا رئيسيا لمنظمة الوحدة الأفريقية والأمم المتحدة، ففي عام 1960 تم نشر عملية حفظ السلام الأولى في أفريقيا في جمهورية الكونغو لضمان انسحاب القوات البلجيكية ومساعدة الحكومة في الحفاظ على القانون والنظام.

ومنذ ذلك الحين، تم نشر الآلاف من قوات حفظ السلام في أكثر من 30 عملية  من عمليات حفظ السلام في الدول الافريقية، بما في ذلك أنغولا وموزمبيق والصومال وسيراليون وإثيوبيا وإريتريا وبوروندي والسودان. وكان أحدثها تأسيس بعثة حفظ السلام في جمهورية أفريقيا الوسطى في عام 2014.

تكرار الإنقلابات العسكرية

يتمثل أحد إخفاقات الاتحاد الأفريقي في عدم القدرة على منع الانقلابات العسكرية، فقد وقع أكثر من 200 انقلاب في أعقاب عهد الاستقلال في الستينيات، وهناك 23 محاولة انقلاب ناجحة أو محاولة انقلاب منذ عام 2012، وثمانية حالات استيلاء على السلطة من قبل مجلس عسكري منذ عام 2019، وشهدت كل من مالي وبوركينا فاسو، وهما جارتان في غرب أفريقيا عرفتا باستقرارهما السياسي النسبي، انقلابين لكل منهما. والسبب الواضح هو أن الهيئة القارية لا ترسل أبدا أي تدخل عسكري لقمع الانقلابيين والقبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة بتهمة الخيانة، ويقتصر على الضغوط الدبلوماسية ضدهم، مثل تعليق عضويتهم، كما انتشرت حركات التمرد والحروب من منطقة الساحل إلى القرن الأفريقي، وكذلك في مناطق أبعد جنوبا.

في الوقت الذي تنتشر فيه ظاهرة  هشاشة الديمقراطيات في أفريقيا، لإنخفاض مؤشرات التنمية الاجتماعية والاقتصادية والصراع وانعدام الأمن، وضعف الأحزاب السياسيىة ومنظمات المجتمع المدني، بالاضافة إلى تدهور مستويات حرية الصحافة والإعلام، والافتقار إلى استقلال القضاء، والتلاعب بالقوانين الانتخابية والأعراف الدستورية، فضلا عن القيود الخطيرة على الحقوق المدنية والسياسية.

مبادرة إسكات البنادق

في عام 2016 أطلق الاتحاد الأفريقي حملة “إسكات البنادق” وبحلول عام 2020 ثبت أنها عجزت عن منع الانقلابات وحركات التمرد الإرهابية من الاستمرار، لذلك أعيد تجميع الشعار على أنه “إسكات المدافع بحلول عام 2030”. يبقى أن نرى ما إذا كان يمكن قمع الحروب في جميع أنحاء القارة الأفريقية بحلول عام 2030.

تغير المناخ

يشكل تغير المناخ تهديدا كبيرا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في أفريقيا. هناك أدلة قوية تشير بأن ارتفاع درجات الحرارة في أفريقيا زادت بشكل كبير خلال ال 50 إلى 100 سنة الماضية، حيث ظهرت آثارها الواضحة على صحة وسبل عيش الناس وأمنهم الغذائي في أفريقيا .من المرجح أن يؤدي تغير المناخ إلى تقليل المحاصيل وزيادة ندرة المياه وتفاقم فقدان التنوع البيولوجي والمساهمة في التصح ، ومن ثم فرض تحدٍ خطير على القارة.

الجوع وسوء التغذية

يستمر عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع في الارتفاع، لا سيما في 2019-2020. يعود سبب تدهور حالة الأمن الغذائي والتغذية في إفريقيا بشكل أساسي إلى النزاعات وتغير المناخ والتباطؤ الاقتصادي في أعقاب جائحة COVID-19.

وفي عام 2020، عانى 281.6 مليون أفريقي من الجوع، وتتباين الأرقام عبر المناطق الفرعية، حيث يصل عدد ناقصي التغذية إلى حوالي 44٪ في شرق إفريقيا و 27٪ في غرب إفريقيا و 20٪ في وسط إفريقيا و 6،2٪ في شمال إفريقيا و2،4٪ في جنوب إفريقيا.

الفساد

يبقى الفساد التحدي الأكبر للحكم الرشيد والنمو الاقتصادي المستدام والسلام والاستقرار والتنمية في أفريقيا، وبينما يعتبر الفساد ظاهرة عالمية، فإن آثاره أكبر في البلدان الفقيرة والمتخلفة، وينظر إلى أفريقيا باعتبارها المنطقة الأكثر فسادا في العالم وفقا للعديد من استطلاعات الفساد، فضلا عن أنها من اكثر المناطق تخلفا وتراجعا، وبالتالي، فإن معالجة مشكلة الفساد بطريقة إستراتيجية وشاملة تعتبر أهمية قصوى للتنمية في أفريقيا.

الجريمة والإرهاب

تواجه أفريقيا تحديات الإرهاب والتطرف العنيف والجريمة عبر الوطنية (الاتجار بالبشر، والاتجار بالمخدرات، والاتجار بالأسلحة). وتعتبر ظاهرة الإرهاب على وجه الخصوص خطرا حقيقيا في البلدان الأفريقية حيث يتقدم باستمرار، وتكرس دول كثيرة اليوم جزءا كبيرا من مواردها وطاقاتها لمحاربة هذه الظاهرة أو حماية نفسها منها ، وبالتالي تحرم قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم من الموارد التي تحتاجها.

التنافس الدولي على أفريقيا

عاد التنافس الدولي للسيطرة على موارد القارة الأفريقية بقوة، فهناك التنافس بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية الذي يؤثر سلبيا على مدى التقدم الحقيقي في دول القارة، كما لايمكن إغفال الدور الروسي والتدخلات المتنامية على الساحة الأفريقية عبر مقاتلي شركة فاجنر التي تنتشر في العديد من دول القارة التي تشهد نزاعات مسلحة، فضلا عن تزايد النفوذ التركي والاسرائيلي والأماراتي والإيراني في الكثير من الدول الأفريقية، وهكذا أصبحت إفريقيا الضحية الجانبية لصراع بعيد بين روسيا وأوكرانيا مثلاً التي أثرت على ارتفاع اسعار المواد الغذائية التي تستوردها أفريقيا.

غياب الحكم الرشيد

تواجه القارة أيضا الكوارث الناتجة عن سوء الإدارة، التي لم يعد من الممكن إخفاءها من خلال المطالبة بالشفافية التي يفرضها السكان المنفتحون بشكل متزايد على العالم من خلال تقنيات المعلومات والاتصالات الجديدة، وتعد البطالة المتزايدة بين الشباب والضعف المستمر لنساء القارة من التحديات الأخرى التي تتطلب استجابات عاجلة، لأن هذه الفئة من السكان الأفارقة لم تعد تقبل أن تكون متفرجا سلبيا على مصيرها. وتمثل ظواهر مثل الفساد، والصراعات بين المجتمعات، والموجات الأخيرة من التغييرات غير الدستورية لإطالة أمد الحكام في السلطة، أكثر الصور الرمزية وضوحا لهذا الحكم غير الرشيد.

عن وجه افريقيا