في أعقاب زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى فى أغسطس 2017 م إلى تنزانيا كأول زيارة لرئيس مصرى بعد 47 عاما من زيارة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر شهدت العلاقات المصرية- التنزانية زخما سياسياً وتعاوناً مشتركاً ، وظهر ذلك واضحا فى الدور الحيوي الذي لعبته الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية من خلال برامجها وأنشطتها المتعددة التي شارك فيها عدد كبير من الكوادر التنزانية من مختلف الجهات ، حرصت مصر من خلال نشاط الوكالة على مساعدة الأشقاء التنزانيين وتقديم كافة أشكال الدعم في مجال تعزيز بناء القدرات الوطنية من خلال توفـير العديد من الدورات التدريبية في المجالات المختلفة ، ثم توجت العلاقات التاريخية المشتركة بين البلدين بتوقع اتفـاق إنشاء سد “جيوليوس نيريري ” في منطقة “ستيغلر جورج” .
كان مشروع سد “جيوليوس نيريري حلما للشعب التنزاني منذ عقد الستينيات بعد أن نشرت منظمة الفاو عام 1961 م دراسة تتضمن إمكانية إنشاء سد بحجم أكبر يهدف إلى توليد كهرباء وتحويل المنطقة إلى بيئة صناعية والقضاء على الفيضانات والمستنقعات وتوفير التخزين المستمر ، بعد ذلك اتجه الزعيم التنزاني جوليوس نيريري أول رئيس لتنزانيا بعد الاستقلال والذي يحمل السد اسمه نحو البحث عن مصادر خارجية لتمويل السد ؛ فعرض المشروع على البنك الدولي الذي رفض تنفيذ المشروع .
وخلال الفترة من عام 2009 – 2014 م وضعت الحكومة التنزانية المشروع من جديد على رأس أولويات التنمية الاقتصادية فى البلاد فظهرت مفاوضات متعددة مع شركات لبناء السد لكنها توقفت دون التوقيع النهائي.
وفى 2017 أعلنت حكومة الرئيس جون ماجوفولي ،بأن مشروع سد تنزانيا سيكون مشروعًا قوميًا لشعبها وسيتم تغيير آلية التمويل التى كانت متبعه مسبقا على أن يكون التمويل من قبل الحكومة بدلا من اللجوء لممول خارجي ، ومن ثم طرحت مناقصة لبناء السد، تنافست عليها مجموعة شركات من مختلف دول العالم منها شركات (مصرية – صينية – روسية – هندية – إيطالية — تركية- برازيلية- لبنانية ) ، فاز بها التحالف المصري بين شركتي ( المقاولون العرب المملوكة للدولة المصرية، والسويدي اليكتريك إحدى كبرى شركات القطاع الخاص المصرى )، على أن تعمل الشركتان تحت إشراف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية .
حضر رئيس مجلس الوزراء المصري حفل توقيع العقد فى ديسمبر 2018 ، بحضور رئيس جمهورية تنزانيا، و فى 27 يوليو 2019 وضع حجر أساس مشروع سد ومحطة “جوليوس نيريري” .
تضمنت بنود الاتفاق إنشاء سد حرساني بارتفاع 134 متر يشتمل على تسعة توربينات، بقدرة إجمالية تصل إلى 2115 ميجا وات، أي نفس إنتاجية السد العالي تقريبا من الكهرباء لتلبية احتياجات نحو 17 مليون أسرة تنزانية من الكهرباء ، يقع مشروع السد على مساحة حوالي 1350كم و تكلفته 3.6 مليار دولار ، فضلاً عن أربعة سدود مكملة لزيادة السعة التخزينية لتصل إلى 34 مليار متر مكعب، على مساحة 2% فقط من محمية سيلوس .
السد سيوفر الري المستمر ويحافظ على البيئة من الفيضانات و المستنقعات و يخلق فرص عمل للتنزانيين ، ويضع تنزانيا على طريق التنمية المستدامة .
الرسائل التي تحملها اتفاقية بناء سد تنزانيا على المستويين الإفريقي – الدولي ؟
المشروع يعكس دور مصر الإقليمي باعتبارها الدولة الكبرى في إفريقيا التي تقدم يد العون والمساعدة لأشقائها من الدول الإفريقية دون استغلالهم ، كما أنها لا تربط هذه المشاريع بأي إملاءات أو ضغوط مغرضة سياسية أو اقتصادية علي هذه الدول.
- إن بناء السد بآيادى مصرية يسترجع قوة مصر الناعمة داخل القارة بما تمتلك من خبره طويلة في بناء السدود وتنظيم أدارتها – مثل السد العالي ( 1960- 1971 ) – كما يعتبر رسالة واضحة لدول حوض النيل بصفه خاصة وشعوب القارة الإفريقية بصفة عامة بان مصر حريصة على تنمية وتحقيق الطموحات الاقتصادية ، طالما أن هذه التنمية لا تنعكس سلبا على حصتها المائية ، وتفعيلا لمبدأ التعاون سوف يساهم السد فى ربط شبكات تنزانيا وكينيا وأوغندا وزامبيا، لذلك نجد المشروع حظي باهتمام رئاسي كبير حيث كلفت القيادة السياسية منذ توقيع العقد .
- اختيار مصر لتشيد السد على نهر ” روفيجي ” الذى لا يتبع أنهار منابع نهر النيل وروافده حال دون استغلال أي دولة لحاجة تنزانيا للكهرباء لتقيم السد على نهر النيل بدلا من نهر ” روفيجي ” ، أي أنه ليس له ضرر على حصة مصر من مياه النيل .
- التعنت الإثيوبي في مسألة سد النهضة يغلب عليه الطابع السياسي أكثر من الطابع الفني ، لذلك يعد الحضور المصري في شرق إفريقيا وبناء سد بخبرات مصرية ، رسالة مباشرة لإثيوبيا بان مصر استطاعت رسم حط احمر في شرق إفريقيا يحمى مصالحها وحقوقها التاريخية المكتسبة فى مياه النيل ، بعد أن استعادت مكانتها في إفريقيا وضبطت مسار العلاقات مع غالبية أو كل العواصم الإفريقية، بآليات عمل فاعلة على ارض الواقع ؛ فقد احتضنت الكثير من المؤتمرات الإفريقية على أراضيها؛ بعد الغياب المصري عند المشهد الأفريقى فى حقبة مبارك ، واهتمت القاهرة بقضايا إفريقيا بشكل واسع في المحافل الدولية وكان الهدف وضع القارة على الخريطة الاستثمارية في إطار برنامج الاتحاد الإفريقي 2063، وبرنامج الأمم المتحدة 2030، والاستفادة من ثرواتها الطبيعية الهائلة .