سحر رجب
في ظل تصاعد التوترات في قطاع غزة، أصدرت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) تقريراً صادماً يفضح حجم الكارثة الإنسانية الناجمة عن الغارات الإسرائيلية المستمرة، حيث أكد أن نحو 1.9 مليون فلسطيني – أي أكثر من 90% من سكان القطاع – أصبحوا نازحين قسرياً داخل أراضيهم، معظمهم يعيشون في خيام مؤقتة أو مبانٍ مدمرة جزئياً.
التقرير، الذي صدر يوم 18 سبتمبر 2025، يأتي في سياق حملة عالمية متزايدة لدعم إقامة دولة فلسطينية مستقلة، مع دعوات من قادة أوروبيين وأمريكيين لوقف إطلاق النار الفوري.
وفقاً للتقرير، الذي يعتمد على بيانات ميدانية جمعها فرق الأونروا في المناطق المتضررة، فقد أدت الاشتباكات الأخيرة إلى تدمير أكثر من 60 ألف وحدة سكنية، وإغلاق 80% من المدارس والمستشفيات، مما يهدد حياة مئات الآلاف من الأطفال والنساء.
“هذه ليست مجرد أرقام؛ إنها قصص حياة مأساوية لأشخاص فقدوا منازلهم وأحلامهم بين عشية وضحاها”، قال فيليب لازاريني، مفوض عام الأونروا، في بيان رسمي أصدره مع التقرير. وأضاف أن “النازحين يواجهون نقصاً حاداً في المياه النظيفة والغذاء، مع ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض المعدية بنسبة 40% في الأسابيع الأخيرة”.
الأزمة الإنسانية: من الغارات إلى الجوع والمرض
يسلط التقرير الضوء على تفاصيل مروعة، مشيراً إلى أن الغارات الجوية الإسرائيلية في الفترة من 1 إلى 15 سبتمبر وحدها أسفرت عن مقتل 450 مدنياً، بينهم 200 طفل، وإصابة أكثر من 2,000 آخرين.
كما أفاد بأن 70% من النازحين يعتمدون على مساعدات الأونروا كمصدر وحيد للغذاء، لكن الوكالة تواجه صعوبات لوجستية بسبب إغلاق المعابر الحدودية، مما أدى إلى تأخير شحنات الإغاثة بنسبة 60%. وفي سياق متصل، أشارت التقرير إلى أن أكثر من 500 ألف طفل في غزة يعانون من سوء التغذية الحاد، مع خطر انتشار أوبئة مثل الكوليرا في ظل انهيار نظام الصرف الصحي.
من جانبها، شددت الأونروا على الحاجة الملحة إلى تمويل إضافي يبلغ 1.2 مليار دولار للأشهر الستة المقبلة، محذرة من أن “التقاعد عن الالتزامات الدولية بالقانون الإنساني سيؤدي إلى كارثة غير مسبوقة”. ودعت الوكالة المجتمع الدولي إلى الضغط على إسرائيل لفتح المعابر ووقف الهجمات، مع التركيز على حماية المدنيين كأولوية قصوى.
الدعوات الدولية: نحو دولة فلسطينية كحل دائم
يأتي تقرير الأونروا في توقيت حاسم، حيث شهدت الأيام الأخيرة تصريحات دولية قوية تدعم حل الدولتين. في خطاب ألقاه يوم 19 سبتمبر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن أن “السلام في الشرق الأوسط يتطلب إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل”، مشدداً على ضرورة وقف إطلاق النار خلال 30 يوماً. كما أعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن دعمه لقرار أممي يعترف بالدولة الفلسطينية، قائلاً: “غزة ليست ساحة معركة؛ إنها أرض شعب يستحق الحياة الكريمة”.
في السياق العربي، أصدرت الجامعة العربية بياناً مشتركاً يدعو إلى قمة طارئة في القاهرة لتنسيق الجهود الإنسانية، مع التأكيد على أن “النازحين في غزة يمثلون وجهاً من وجوه الظلم التاريخي الذي يجب إنهاؤه بدولة فلسطينية ذات سيادة”. وأضاف البيان أن الدول العربية ستوفر 500 مليون دولار إضافية لدعم برامج الأونروا، مشددة على أهمية المساءلة الدولية للانتهاكات.
صرخة من الشارع: شهادات نازحين ودعوة للعمل
في التقرير، نشرت الأونروا شهادات مباشرة من النازحين، مثل أمينة، أم لثلاثة أطفال من خان يونس، التي قالت: “هربنا من القصف، لكن الخيام لا تحمي من البرد أو الجوع. أين هو العالم؟”، مما يعكس اليأس الذي يعم القطاع. وفي ختام التقرير، أكد لازاريني أن “الأونروا ملتزمة ببقائها إلى جانب اللاجئين، لكن الحل الجذري يكمن في العدالة السياسية”.
مع استمرار التوترات، يُتوقع أن يُقرأ هذا التقرير في اجتماعات مجلس الأمن يوم 22 سبتمبر، حيث ستُناقش اقتراحات لقوة حفظ سلام دولية. وفي ظل هذه الأزمة، يبقى السؤال مفتوحاً: هل ستكون هذه الدعوات العالمية خطوة نحو السلام، أم مجرد كلمات في الهواء؟ يظل الأمل معلقاً بين أنقاض غزة، حيث ينتظر 1.9 مليون نازح إجابة.