ميادة شكري فرج*
انطلاقا من كون قضية اللاجئين واحدة من أكبر التحديات الإنسانية في العالم بشكل عام، وبشكل خاص تعيش أفريقيا اليوم أزمة لاجئين غير مسبوقة بسبب الصراعات المستمرة وغير المتوقعة في العديد من الدول الإفريقية، حتى أصبح من الصعب تحديد الأعداد الدقيقة للاجئين، إلا أن التقديرات تشير إلى أنها تقدر بالملايين، كما تنطوي هذه الأزمة على تداعيات خطيرة على مختلف جوانب الحياة الإنسانية، سواء على الدول المضيفة أو على اللاجئين أنفسهم. إذ قد تؤدي هذه الأزمة إلى تفاقم التوترات الداخلية في الدول المضيفة بسبب الضغوط الاقتصادية الناتجة عن الأعداد الكبيرة للاجئين، والمنافسة على فرص العمل مع السكان المحليين، فضلاً عن ضرورة توفير الخدمات الأساسية لهم.
كما أن هناك خشية من استمرار تدفق اللاجئين بسبب ما يشهده العالم من اضطرابات سياسية وكوارث طبيعية تدفع المزيد من سكان هذه البلدان للنزوح إلى دول أكثر استقرارًا وأمانًا. في هذا السياق، تبرز أيضًا الحاجة إلى الحذر من استغلال وضع اللاجئين من قبل الوسطاء والسماسرة الذين يستغلون نقص المعلومات لدى اللاجئين للتحايل على المساعدات المالية المقدمة لهم من قبل المنظمات والهيئات الدولية.
إزاء هذه التحديات، اتخذت مصر خطوة هامة نحو تعزيز حماية حقوق اللاجئين والمهاجرين من خلال تدشين منصة مشتركة للاجئين والمهاجرين بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للاجئين، وكذلك سن قانون جديد لتنظيم وضع طالبي اللجوء لديها.
ومن هذا المنطلق سوف يستعرض المقال مسار قضية اللاجئين والمهاجرين في مصر من خلال
أولا: أزمة اللاجئين في أفريقيا بين تفاقم النزوح والإهمال الدولي، وثانيا: الجهود المصرية في إدارة أزمة اللاجئين:
تعاني أفريقيا، على وجه الخصوص، من تزايد حاد في أعداد اللاجئين والنازحين ويعزى ذلك إلى تفاقم الصراعات والكوارث الطبيعية، والتي تساهم بشكل كبير في زعزعة الاستقرار الإقليمي والتأثير على التنمية، وطبقا لتقارير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين 2024، بلغ عدد النازحون في أفريقيا نحو 37% من إجمالي النازحين في العالم، أي ما يعادل 45.9مليون شخص، ويتضمن هذا العدد نحو 8.9 مليون لاجئ، 1.1 مليون طالب لجوء، 35 مليون نازح داخلياً، ومليون شخص عديم الجنسية، هذه الأرقام تعكس الضغط المتزايد على الحكومات والمنظمات الدولية للاستجابة للأزمات المتواصلة، فضلا عن الصراعات المتعاقبة في السودان، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، و الصومال، وغيرها من الدول الأفريقية، التي أدت إلى نزوح جماعي ضخم خلال العام 2023 الماضي، كما أدى الصراع في السودان وحده إلى نزوح أكثر من 10 ملايين شخص، منهم 7.26 مليون منذ أبريل 2023 ،حيث شكلت هذه الكارثة الإنسانية واحدة من أسوأ الأزمات في العصر الحالي، نظرا لتسببها في تعرض نحو 18مليون شخص من الجوع الحاد، وفرار ما يقرب من مليوني شخص إلى دول الجوار مثل تشاد وجنوب السودان ومصر.
أسباب تفاقم أزمة اللجوء في إفريقيا
بجانب التداعيات الإنسانية التي يواجها اللاجئين بسبب الفرار من بلدانهم الاصلية، تعاني أيضا دول اللجوء من تداعيات أخرى وهي ما تنعكس على استقبال اللاجئين في البلد المضيف، ومفادها يكمن في،
أولا: نقص التمويل، حيث أصبحت المنظمات الإنسانية تعاني من نقص حاد في التمويل، ووفقا لتقرير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ان عجز التمويل لعام 2024 بلغ نسبة 55% وهو ما انعكس على تراجع مساهمتها في العمليات الإنسانية وتقديم المساعدات، مما أدى إلى التأثير بشكل مباشر على اللاجئين، وحرمانهم من احتياجاتهم الأساسية، كما خفض برنامج الغذاء العالمي حصص الطعام المخصصة للاجئين، مما أدى إلى إعلان حالة الطوارئ للأمن الغذائي في بعض المناطق، مما يهدد حياة اللاجئين الذين يعتمدون على هذه المساعدات للبقاء على قيد الحياة، كما تعد جمهورية الكونغو الديمقراطية، واحدة من أكثر الدول تضرراً من الأزمات الإنسانية في أفريقيا، حيث شهدت هي الأخرى تدهوراً في أوضاعها، و أدى نقص التمويل إلى انخفاض بنسبة 79% في عدد مراقبي الحماية، الذين يقومون بتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان من عنف جنسي، وتهجير قسري.
ثانيا: التعتيم الإعلامي، حيث تواجه بعض الدول الافريقية صراعات خارج الصخب الإعلامي، ما ترتب عليه إهمال ازماتها، مثل بوركينا فاسو التي شهدت نزوح مليوني شخص داخلياً و36 ألف لاجئ في ظل حصار عسكري يحول دون وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين.
واستنتاجا لما سبق، يكمن حل ازمة اللاجئين بديهيا في ثلاث طرق، أولهم العودة لموطنهم الأصلي، وهو الطريق المرهون بضرورة تحقيق الأمان في بلدانهم الأصلية، أو إعادة توطينهم في دول أخرى ربما أكثر ثراء ، وهذا الطريق أيضا لم تأنفه الدول الثرية، حيث أقرت المملكة المتحدة في عام 2023 تشريعا يسمح بترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا، كما أقرت فرنسا قانون الهجرة لعام 2024، و الذي اعتبر قمعا للمهاجرين ، في حين أقرت الولايات المتحدة في 2023 أمرا تنفيذيا يسمح بإغلاق الحدود امام المهاجرين، ويبقى أخيرا طريق الاندماج في المجتمعات المضيفة، وهو ما يعطى بارقة امل لتواجد الإنسانية، وهو الطريق الذي اتبعته الحكومة المصرية في سياساتها نحو استقبال التدفق الهائل لأعداد اللاجئين والمهاجرين إليها من خارج وداخل القارة الإفريقية.
ثانيا: الجهود المصرية في إدارة أزمة اللاجئين
تواجه مصر تدفقاً متزايداً للأعداد اللاجئين من مختلف الجنسيات، هرباً من الصراعات والحروب والكوارث الطبيعية في دولهم الأصلية، وقد أدت الأحداث الأخيرة في السودان، على سبيل المثال، إلى زيادة كبيرة في أعداد الوافدين إلى مصر بجانب أعداد اللاجئين من الجنسيات الأخرى ، مما زاد الضغط على الموارد والبنية التحتية المصرية، هذا التدفق يفرض تحديات كبيرة على الدولة، منها الضغط على الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والإسكان، بالإضافة إلى التحديات الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن استيعاب أعداد كبيرة من الوافدين.
وطبقا لأخر تحديث للأرقام المتعلقة باللاجئين من قبل المفوضية السامية لشئون اللاجئين بالأمم المتحدة في 31 أغسطس 2024، أفادت المفوضية تزايد أعداد اللاجئين إلى مصر المتدفقين إليها من 62 دولة أكثرهم من اللاجئين السودانيين واللذين تزايدت اعدادهم إثر الصراع الأخير المندلع في ابريل 2023 فقط، بنحو أكثر من 700 ألف شخص.
كما تمثل أعداد اللاجئين وطالبي اللجوء المسجلون لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر، اعتبارا من 8 أغسطس 2024، نحو 425000 لاجئ من السودان، و175000لاجئ من سوريا، ومن جنوب السودان نزح إلى مصر نحو 45000 لأجيء، ومن دولة إيريتريا نحو 38000 لاجئ، وغيرهم من جنسيات أخرى
تنتشر أعداد اللاجئين والنازحين في جمهورية مصر العربية بشكل كبير داخل جل المجتمعات الحضرية المختلفة، دون تقيد بأماكن اقامات محددة، او داخل مخيمات خاصة باللاجئين ، مما يعزز الرؤية المصرية في دمج اللاجئين في المجتمع المصري وتوفير فرص العمل لهم ، بدلاً من حصرهم وعزلهم في مخيمات، إدراكا منها لأهمية التنوع الثقافي الذي يجلبه اللاجئون، وما يمثله من فرصة لتعزيز التعاون الدولي والتضامن الإنساني، مما جعلها من طليعة الدول التي تبنت نهجا استباقيا لدمج اللاجئين في المجتمع، حيث تميز هذا النهج بتوزيع اللاجئين على مختلف المحافظات المصرية.
في هذا السياق، تسعى مصر، كدولة محورية في المنطقة، إلى تنظيم أوضاع اللاجئين وطالبي اللجوء بما يتماشى مع التزاماتها الدولية، وضمن إطار يعكس احتياجاتها الوطنية، لذا اتخذت السلطات المصرية بعض الخطوات الإيجابية لتنظيم أوضاع طالبي اللجوء لديها على النحو التالي:
1- تدشين البرنامج المشترك للأمم المتحدة في إطار المنصة المشتركة للاجئين والمهاجرين.
في سياق ما تتحمله الدول المضيفة من أزمة تدفق اللاجئين والمهاجرين، وتحمل أعباء اقتصادية واجتماعية كبيرة نتيجة استقبال أعداد كبيرة من اللاجئين، مما يستدعي توفير خدمات أساسية مثل السكن والغذاء والرعاية الصحية والتعليم.
تبذل مصر جهودا حثيثة لاستقبال اللاجئين وتوفير الاحتياجات الأساسية لهم، بالتعاون مع المنظمات الدولية والإقليمية، أطلقت مصر في أواخر شهر سبتمبر 2024 برنامجا طموحا يهدف إلى حماية حقوق اللاجئين والمهاجرين المقيمين على أراضيها.
يهدف البرنامج الجديد، الذي جاء بدعم مالي سخي من الاتحاد الأوروبي بقيمة 12.2 مليون يورو، إلى تحقيق مجموعة من الأهداف المرجوة لتحسين وضع اللاجئين في الدول المضيفة لهم من أبرزها:
* توفير الحماية الشاملة للاجئين والمهاجرين لضمان تمتع اللاجئين والمهاجرين بحقوقهم الأساسية، بما في ذلك الحق في الحياة، والتعليم والصحة، والعمل، والحق في اللجوء.
* تعزيز الاندماج الاجتماعي والاقتصادي وذلك من خلال دعم اندماج اللاجئين والمهاجرين في المجتمع المصري وتوفير فرص العمل والتدريب المهني، وتعزيز مشاركتهم في الحياة العامة.
* تحسين الوصول إلى الخدمات الأساسية والمتضمنة الخدمات الصحية والتعليمية للاجئين والمهاجرين، خاصة الأطفال والنساء.
* بناء الشراكات والتعاون استنادا على التعاون الوثيق بين الحكومة المصرية ووكالات الأمم المتحدة، مثل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة، لتوفير خدمات شاملة ومتكاملة.
2- إصدار قانون جديد لتنظيم أوضاع طالبي اللجوء
أقرّت السلطات المصرية في 2024 قانونا جديدا لتنظيم أوضاع طالبي اللجوء، يتضمن القانون 39 مادة تنظم أوضاع اللاجئين، بما في ذلك حقوقهم والتزاماتهم المختلفة، حيث يعد قانون اللاجئين أول تشريع داخلي في مصر يختص بتنظيم شؤون اللاجئين و يهدف إلى تعزيز الحماية القانونية لهذه الفئة مع مراعاة التوازن بين اعتبارات الأمن القومي ومتطلبات حقوق الإنسان، ويضع القانون أسسًا واضحة لمعالجة طلبات اللجوء، ويوفر ضمانات قانونية للمستفيدين من هذه الحماية، مع تحديد التزامات اللاجئين تجاه الدولة، حيث يُعد هذا القانون خطوةً هامة في تطوير سياسات الهجرة واللجوء في مصر، فيما تضمنت أبرز نقاط هذا القانون حول إنشاء لجنة دائمة لشئون اللاجئين تكون لها الشخصية الاعتبارية وتتبع رئيس مجلس الوزراء، لتكون هي الجهة المعنية بشئون اللاجئين تفصل في طلبات اللجوء على النحو التالي:
* تبت اللجنة في طلبات اللجوء خلال سنة كحد أقصى للأشخاص الذين دخلوا البلاد بطرق غير مشروعة.
* تُمنح الأولوية في معالجة طلبات اللجوء المقدمة من الأشخاص ذوي الإعاقة، والمسنين، والنساء الحوامل، والأطفال غير المصحوبين.
* تُكفل كافة أشكال الدعم والرعاية والخدمات اللازمة للاجئين.
* تحتل طلبات اللجوء المقدمة من ضحايا الاتجار بالبشر، والتعذيب، والعنف الجنسي الأولوية في النظر.
* يتم تقديم طلب اللجوء إلى اللجنة المختصة من قبل طالب اللجوء نفسه أو من يمثله قانونيًا.
* تُفصل اللجنة في الطلب خلال ستة أشهر بالنسبة لمن دخلوا البلاد بطرق مشروعة.
كما يضع القانون الجديد بعض المحظورات لطالبي اللجوء والتي تضمنت:
* يلتزم طالب اللجوء باحترام الدستور والقوانين واللوائح السارية في مصر، مع مراعاة قيم وتقاليد المجتمع.
* يُرفض طلب اللجوء إذا ثبت وجود أسباب جدية لارتكاب طالب اللجوء جريمة ضد السلام، أو الإنسانية، أو جريمة حرب.
* يُحظر على طالبي اللجوء القيام بأي نشاط يهدد الأمن القومي أو النظام العام.
* يُرفض طلب اللجوء إذا كان مقدمه مدرجًا على قوائم الكيانات الإرهابية أو الإرهابيين داخل مصر وفقًا للقانون.
* يُمنع القيام بأي نشاط يتعارض مع أهداف ومبادئ الأمم المتحدة، أو الاتحاد الأفريقي، أو جامعة الدول العربية.
* يُرفض طلب اللجوء إذا ثبت قيام مقدم الطلب بأفعال تضر بالأمن القومي أو النظام العام.
* في حالة رفض طلب اللجوء، تقوم اللجنة المختصة بإبلاغ الوزارة المعنية لاتخاذ إجراءات إبعاد طالب اللجوء خارج البلاد، ويتم إخطاره بالقرار.
* يُحظر على طالبي اللجوء القيام بأي أعمال عدائية ضد دولتهم الأصلية أو أي دولة أخرى.
* يُمنع الانخراط في أي نشاط سياسي أو حزبي، أو المشاركة في النقابات، أو تأسيس والانضمام إلى الأحزاب بأي شكل من الأشكال.
* يُسقط وصف اللاجئ عن الشخص ويتم إبعاده فورًا من البلاد إذا ثبت ارتكابه لأي من المحظورات المنصوص عليها في القانون.
ختامًا، تعكس المبادرات المصرية، سواء عبر إطلاق البرنامج المشترك للأمم المتحدة أو إصدار قانون جديد لتنظيم أوضاع طالبي اللجوء، التزامًا واضحًا من الدولة بتعزيز نهج متوازن يجمع بين مسؤولياتها الإنسانية تجاه اللاجئين والمهاجرين، والحفاظ على مصالحها الوطنية وأمنها القومي. تأتي هذه الجهود استجابةً للتحديات المعقدة التي تفرضها أزمة اللاجئين والمهاجرين، بما في ذلك الأعباء الاقتصادية والاجتماعية التي تتحملها المجتمعات المضيفة، وهو ما يستدعي وضع حلول مبتكرة ومستدامة لتحسين أوضاع اللاجئين وضمان استقرار المجتمعات التي تستضيفهم.
يسعى البرنامج المشترك، بدعم مالي كبير من الاتحاد الأوروبي، إلى توفير الحماية الشاملة والخدمات الأساسية للاجئين والمهاجرين في مصر، مع التركيز على تعزيز اندماجهم الاجتماعي والاقتصادي من خلال فرص العمل والتدريب المهني. وفي الوقت ذاته، يمثل القانون الجديد نقلة نوعية في سياسات الهجرة واللجوء في مصر، حيث يُنظّم أوضاع طالبي اللجوء بشكل أكثر شمولًا، مع تحديد حقوقهم وواجباتهم، وضمان التعامل مع طلباتهم وفق إجراءات عادلة وواضحة. كما يوفر القانون ضمانات قانونية لتعزيز حماية اللاجئين، وفي الوقت نفسه يضع ضوابط صارمة تهدف إلى منع أي تهديد محتمل للأمن القومي أو النظام العام، وبذلك يصبح من الممكن تحويل التحديات المرتبطة بأزمة اللاجئين إلى فرص حقيقية للنمو والاستقرار، بما يضمن تحقيق فوائد مشتركة لكل من اللاجئين والمجتمعات المضيفة على حدٍ سواء.
- باحث ماجيستير كلية الدراسات الافريقية العليا – جامعة القاهرة