بمناسبة ذكرى ميلاد بوليفار وتشافيز والنصر الشعبي في 28 يوليو، في لحظة من لحظات
الوضوح الثوري النادر في هذا العالم المتغير جاءت كلمة سفير فنزويلا لدى مصر، في 28 يوليو 2025، لتكون أكثر من مجرد احتفال بثلاث مناسبات وطنية.
لقد كانت وثيقة سياسية وإنسانية ذات أبعاد متعددة، جسّدت رؤية فنزويلا البوليفارية لموقعها في العالم، والتزامها بالمبادئ التحررية، وسعيها نحو بناء عالم عادل، متعدد الأقطاب.
ثلاث مناسبات… وطن واحد
انطلقت الكلمة من ثلاث محطات مفصلية في الوجدان الفنزويلي: الذكرى ٢٤٢ لميلاد
المحرر سيمون بوليفار، والذكرى 71 لميلاد القائد هوجو تشافيز، والذكرى الأولى لانتصار الشعب في الانتخابات الرئاسية عام 2024، والتي جددت الثقة في الرئيس نيكولاس مادورو.
لقد استخدم السفير هذه المناسبات الثلاث كمدخل لاستعراض سردية وطنية موحدة: فنزويلا هي وريثة نضال بوليفار، مجددة بمشروع تشافيز، ومستمرة عبر الشرعية الديمقراطية التي منحها الشعب لمادورو.
بين الرمزية والتأريخ: بوليفار وتشافيز كركيزتين للهوية السياسية
بدا واضحًا أن الخطاب لم يكن مجرد تأبين لرموز تاريخية، بل استدعاء واعٍ لمشروع سياسي ممتد.
ففي بوليفار، تجسدت فكرة التحرر القاري، ومواجهة الاستعمار القديم، بينما يمثل تشافيز نموذج الثورة الاجتماعية ذات الطابع السيادي، في وجه النيوليبرالية والإمبريالية الجديدة.
وقد حرص سفير فنزويلا وليمار أومار بارينتوس على التأكيد أن ما بدأه بوليفار أكمله تشافيز، وما رسّخه تشافيز يتواصل اليوم مع مادورو، في خط فكري متّصل، لا يقتصر على الداخل الفنزويلي، بل يتعداه إلى شعوب الجنوب العالمي، خصوصًا تلك التي تعاني من الهيمنة أو الاحتلال.
ملف المهاجرين والمختطفين: تدويل المظلومية الفنزويلية
ركّزت الكلمة على قضية إنسانية حساسة: تحرير 252 مواطنًا فنزويليًا كانوا محتجزين تعسفيًا في السلفادور، واستعادة عدد من الأطفال الفنزويليين المحتجزين في الولايات المتحدة، وهنا، لعب الخطاب على وتر مزدوج: الإدانة الصريحة للسياسات الأميركية، مع إبراز القوة التفاوضية لفنزويلا ودورها الأخلاقي في حماية أبنائها.
إن ما يلفت الانتباه هو اللغة الوجدانية التي وُصفت بها معاناة الأمهات، والدموع، والحيرة، وهي طريقة ذكية لتحويل قضية سياسية إلى مأساة إنسانية تطالب بتضامن عالمي.
مركزية القضية الفلسطينية في خطاب الثورة البوليفارية
لم تكن فلسطين في الخطاب مجرد تعاطف عابر، بل قضية محورية.
حيث أدان السفير بشدة “الإبادة الجماعية في غزة”، واستعرض الأرقام والشواهد بطريقة تفصيلية، متهمًا النظام الدولي بالفشل، بل بالتواطؤ.
وقد عبّر عن موقف فنزويلي جريء، يربط بين القضية الفلسطينية ومسألة العدالة الدولية، ويصفها بأنها “المعركة الأخلاقية الكبرى في عصرنا”، محذرًا من انهيار منظومة الشرعية الدولية ما لم يُحاسَب مجرمو الحرب.
إن طرح الرئيس مادورو لمبادرة عقد قمة عالمية للسلام يعكس الطموح الدبلوماسي لفنزويلا في لعب دور فاعل في النظام العالمي الجديد.
تعزيز الشرعية والديمقراطية التشاركية
في حديثه عن الانتخابات البلدية التي جرت يوم 27 يوليو، قدّم السفير نموذجًا ديمقراطيًا مضادًا للرواية الغربية عن “الديكتاتورية الفنزويلية”. إذ تم التأكيد على المشاركة الشعبية، ونجاح حزب PSUV في غالبية البلديات، وعلى دور الاستشارة الوطنية للشباب كأداة لترسيخ المشاركة السياسية.
هنا، يراد القول إن الثورة البوليفارية لا تزال حية ومتصلة بالشارع، وليست محصورة في النخبة أو المؤسسات.
البعد الثقافي والتضامن الجنوبي: الكتاب والشعر ضد الحصار
أشار الخطاب إلى مهرجان الشعر العالمي، ومعرض الكتاب الذي استضاف مصر كضيف شرف، باعتبارهما ركيزتين للدبلوماسية الثقافية.
هذا يعكس إدراك فنزويلا لأهمية “القوة الناعمة” في كسر الحصار، وإبراز التحالفات الجديدة خارج نطاق القطب الغربي.
الخطاب تقاطع فيها المحلي بالعالمي
لم تكن كلمة السفير الفنزويلي في مصر مجرد تأبينٍ لبوليفار وتشافيز أو احتفال بنتائج انتخابية ، بل كان عرضًا شاملًا لرؤية فنزويلا للعالم: مقاومة ضد الحصار، تأكيد على السيادة، انحياز للحق الفلسطيني، ومطالبة بإصلاح النظام الدولي المختل.
وبين التأريخ والتحديث، الإنسانية والسياسة، الخصوصية الوطنية والانتماء الجنوبي، رسمت كلمة السفير الفنزويلي ملامح دولة ترفض الانكفاء، وتتمسك بدورها كصوت حر في زمن الاصطفافات.
كاتبة مصرية ورئيسة موقع وجه أفريقيا