سحر رجب
مع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في قطاع غزة، ينبض القطاع بأمل هش يتردد صداه بين أنقاض الدمار الذي امتد لعامين كاملين.
لكن هذا الهدوء النسبي لا يخفي الجراح العميقة: أكثر من 67 ألف شهيد، و167 ألف مصاب يصارعون الآلام والإعاقات، في ظل تدمير ممنهج لكل ما يدعم الحياة الإنسانية.
هنا، تبرز منظمة الصحة العالمية (WHO) كصوت الضمير العالمي، مطالبة باستجابة طارئة ومنسقة على المستوى الدولي لإعادة تأهيل السكان، معتبرة القطاع الطبي وخدمات الإعادة التأهيلية “الأولوية القصوى” قبل أي خطوة إنسانية أو إنشائية أخرى.
في تقريرها الطارئ الصادر اليوم، أكدت المنظمة أن غزة “بحاجة ماسة إلى تدخل فوري لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من حياة وصحة ومستقبل”، مشيرة إلى أن الحرب المستمرة دمرت أكثر من 80% من البنية التحتية الطبية، بما في ذلك 36 مستشفى وأكثر من 200 مركز صحي أساسي.
“الآن، مع وقف النار، يجب أن تتحول الجهود من الإغاثة الطارئة إلى برامج إعادة تأهيل شاملة، لأن التأخير قد يعني فقدان دائم لآلاف الأرواح”، قالت الدكتورة ريتشاردا فان دير جيست، منسقة المنظمة في الشرق الأوسط، في بيانها الرسمي.
كارثة إنسانية تتجاوز الأرقام
يتركز التقرير على الجانب الطبي كـ”باب النجاة الأول”، حيث يعاني أكثر من 167 ألف مصاب من إصابات شديدة تشمل الكسور، الحروق، والإعاقات الناتجة عن القصف والحصار.
منهم، يقدر التقرير أن 25% يحتاجون إلى عمليات جراحية فورية، و40% إلى برامج تأهيل طويلة الأمد لاستعادة الحركة والوظائف الحيوية.
“الأطفال والنساء هم الأكثر تضررًا؛ أكثر من 15 ألف طفل مصاب، ونسبة كبيرة منهم معرضون للإعاقة مدى الحياة إذا لم يتلقوا العلاج الآن”، أوضح التقرير، مستندًا إلى بيانات ميدانية جمعتها المنظمة خلال الأشهر الأخيرة.
وفقًا للمنظمة، انهار نظام الرعاية الصحية في غزة بنسبة 70%، مع نقص حاد في الأدوية والأجهزة الطبية، وفقدان آلاف الأطباء والممرضين.
“نحتاج إلى 500 مليون دولار فوريًا لإعادة بناء المستشفيات الميدانية وتوفير أجهزة الأطراف الاصطناعية والعلاج الطبيعي لـ100 ألف مصاب على الأقل”، دعت الـWHO، محذرة من أن “الأمراض المعدية والصحة النفسية ستشكلان قنبلة موقوتة إذا تجاهلنا الإعادة التأهيل”.
دعوة عالمية للتنسيق
تأتي هذه الدعوة في سياق اجتماع طارئ للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث شددت المنظمة على ضرورة “تحرك منسق عالمي” يشمل الدول المانحة، المنظمات غير الحكومية، والجهات الطبية الدولية.
“وقف إطلاق النار يفتح نافذة ذهبية، لكنها لن تظل مفتوحة طويلًا؛ يجب إرسال فرق طبية متخصصة خلال أسابيع، مع ضمان مرور آمن للمساعدات”، أكدت الدكتورة فان دير جيست.
من جانبها، أعلنت الصليب الأحمر الدولي دعمه للخطة، مشيرًا إلى أنه سيرسل 200 متخصص في الإعادة التأهيل إلى غزة، بينما تعهدت الاتحاد الأوروبي بـ150 مليون يورو إضافية للقطاع الطبي. في مصر، أكدت وزارة الصحة استعدادها لاستقبال مصابين من غزة للعلاج، مشددة على “التضامن العربي كجسر للشفاء”.
مستقبل يُبنى على الجراح
بعد عامين من الكابوس، يصبح قطاع غزة اليوم رمزًا للصمود الإنساني، لكنه يحتاج إلى يد العالم الممدودة فورًا.
تقرير الـWHO ليس مجرد وثيقة؛ إنه صرخة تحذيرية تذكر بأن السلام الحقيقي يبدأ بالشفاء.
“دعونا ننقذ غزة من رمادها، فالحياة التي نعيد بناءها اليوم هي مستقبل أمة”، ختمت المنظمة بيانها، في دعوة تتجاوز الحدود لإعادة كتابة قصة الأمل في أرض الشهداء.
وجه أفريقيا رئيس التحرير: سحر رجب