بالدخول إلى شهر فبراير الجاري 2023، يقترب نصف أعضاء مجلس نقابة الصحفيين الصحفيين والنقيب/رئيس هيئة الاستعلامات الحكومية ومعهم الدورة النقابية الحالية من الأيام الأخيرة. وهذا قبل انتخاب نقيب آخر بالضرورة وإعادة التنافس على المقاعد الستة لنصف المجلس من أجل الدورة المقبلة.
يذهب هذا النقيب ومعه هذه الدورة النقابية، بما فيها من خيبات وعطالة وكسل، ومصادرة لفضاء النقابة من الداخل، و”تكفينها” من الخارج.
أعلم وغيري من الزميلات والزملاء أن بيننا من رحل إلى بارئه خلال هذه السنوات الأربع العجاف، و التي صودرت فيها نقابة الصحفيين المصريين المعني والمبنى والدور الديمقراطي والاجتماعي وما تبقى من مكانة وسمعة في الداخل والخارج. ومع المصادرة ارتفع حاجز مادي ونفسي غير مسبوق بين الصحفيين ونقابتهم.
صودرت نقابة الصحفيين المصرين أولا بفعل أوامر أمنية غير معلنة تأتي من خارج المهنة والنقابة. وقد استحكمت حلقات هذه الأوامر اعتبارا من سبتمبر 2019، ومع تزايد تدخلات الأجهزة الأمنية في قيد الصحفيين بجداولهم. ثم تاليا جرى إغلاق النقابة نتيجة كارثة وباء “كورونا” بين مارس 2020 وصيف 2022، والتي حرمتنا وعموم مواطنينا المصريين من تقاليد عزاء ومواساة ومشاطرة أحزان متجذرة في حضارتنا المصرية، وإن كان هذا الإغلاق غالبا بالتعلل والتحجج بالوباء.
وأقول لزميلاتي وزملائي اليوم ..
إذا كان لابد ولامفر من “نشاط” بعد طول موات ـ والأدق “تمويت” ـ يراد له أن يجرى، وهكذا فجأة في الوقت الضائع هذه الأيام، فأعتقد أن أسماء الزملاء التالية تتقدم الراحلين منا في أولوية وأسبقية التأبين و” الذكرى السنوية”. وهم هؤلاء الذين لايمكن إلا أن يبدأ بهم هذا ” النشاط” في ضمير ووجدان أي صحفي ونقابي محترم عاقل يراعي المنطق والاعتبارات الموضوعية والترتيب الزمني والعطاء للعمل النقابي ولديمقراطيته والإخلاص لقيم المهنة من استقلالية ونزاهة واحترام للجمهور والحقائق والعقل والذات والكرامة.
..و وفق ترتيب الحروف الأبجدية من الألف ونهاية إلى “الياء” لايمكن إلا أن يكون بينهم:
ـ الأستاذ/ إبراهيم حجازي وكيل النقابة الأسبق، وحتى لو اختلف بعضنا وأنا منهم ـ مع توجهاته في العمل النقابي والصحفي.
ـ الأستاذ/ رجائي الميرغني وكيل النقابة الأسبق و”عقل” مجلسها ومحرر خطابه في معركة قانون إغتيال الصحافة منتصف التسعينيات. وهو من بين أبرز المدافعين عن حرية الصحافة في بلادنا على مدى العقود الثلاثة الأخيرة.
ـ الأستاذ/ ساهر جاد النقابي المعطاء بلا مناصب، ومن بين رموزنا في الدفاع عن الحريات وحرية الصحافة وحقوق الصحفيين.
ـ الأستاذ/ عباس الطرابيلي لاعتبارات تتعلق بعطائه الطويل في المهنة، ومشاركته المقدرة في معركة قانون اغتيال الصحافة في التسعينيات.
_ الأستاذ محمد منير النقابي أيضا بلامناصب شهيد الاعتقال مع تقدم السن والأمراض في ظل الوباء و للضغط عليه كي يتوقف عن الكتابة الصحفية في موقع بالخارج محجوب في مصر فيما اغلقت السلطة وأعوانهم في صحافتنا أمامه الحق في العمل و ابواب الرزق .
ـ الأستاذ/ مصطفى ثروت النقابي المعطاء بلا مناصب، وأحد فرسان محاربة الفساد في المهنة والمؤسسات الصحفية القومية ودفاعا عن حقوق الصحفيين وأمام المحاكم، وذلك في مواجهة استبداد السلطات و رؤساء العمل والإدارات، وذلك منذ عقد الثمانينيات وإلى حين رحيله في 24 سبتمبر 2021.
ـ الأستاذ/ لويس جرجس النقابي المعطاء بلا مناصب، والكاتب صاحب القلم المحترم النزيه بجريدة “الجمهورية”.
ـ الأستاذ/ مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين الأسبق لدورات عديدة، وهذا بصرف النظر عن اختلافي وآخرين معه جمع بين موقع النقيب وسلطة رئيس مجلس الإدارة والتحريرمعا، وكاتبا مواليا لسلطة مستبدة فاسدة ودكتاتور قامت عليهما ثورة 25 يناير المجيدة، ورئيسا للمجلس الأعلى للإعلام انخفض سقف الحريات الصحفية في عهده مع حجب المئات من المواقع الإلكترونية.
و للقائمة السابقة يمكن أيضا إضافة اسماء إخرى اليها من بين زملائنا الراحلين خلال العامين السابقين إن لم نقل الأربعة، ربما سقطت سهوا اسماؤهم من ذاكرتي اليوم. إما أن يقرر مجلس نقابة الصحفيين ـ وعلى طريقة “يارايح أكثر من الفضائح” ـ اختيار أحد الزملاء الراحلين وبمفرده ودون غيره لتأبينه والاحتفال بسنويته وحده هكذا وفي هذا التوقيت فهو أمر يفتح الباب أمام تأويلات مؤسفة عن صراع بين أجنحة أهل السلطة والامتيازات داخل مؤسسة بعينها يراد لها أن تمتد اليوم وفي هذا التوقيت الانتخابي المريب الى نقابة تمثل كل الصحفيين المقيدين بجداولها.
ودون إساءة لأي من الزملاء الراحلين رحمهم الله جميعا وغفر لهم سيئاتهم، و ستر عورات من أساء (طبعا العورات السياسية والمهنية ومعها ملفات الفساد المالي والتعسف الإدراي ضد زملاء)، فكل تكريم وتأبين وذكرى لراحلين من بيننا إذا قام على اختيار واصطفاء سيظل بمثابة انحياز لقيم ما في مهنتنا و تاريخ هذا الوطن وحقوقه وسعي مواطنيه وصحفييه للحرية والديمقراطية والعدالة. وقل لي لمن تنحاز أقل لك من أنت “يامجلس”.
فقط أترحم على كل الزملاء الصحفيين الراحلين من مختلف المشارب والمواقع من السلطة واستقلالية المهنة ونقابتها والمواقف من حقوق الزملاء والجمهور.
وقبلها بالطبع أترحم على شهداء ثورة يناير وميدان التحرير، وضحايا قمع الأمل في الحرية والتغيير ومصر خالية من الاستبداد والفساد من بين أبناء مهنتنا.
في يوم الخميس 2 فبراير 2023