أخبار عاجلة

قصة الغاز الطبيعي المصري.. من الاستيراد إلى الهيمنة الإقليمية والعوائد المليارية

سحر رجب
في تحول دراماتيكي غير وجه الخريطة الطاقية في شرق المتوسط، أصبحت مصر لاعباً رئيسياً في سوق الغاز الطبيعي، مدعومة باكتشافات هائلة مثل حقل “ظهر” وغيره من الحقول.
 هذا التحول لم يقتصر على تحقيق الاكتفاء الذاتي، بل امتد إلى جعل مصر مركزاً إقليمياً للتصدير، مع عوائد اقتصادية بلغت مليارات الدولارات، رغم التحديات الجيوسياسية والإنتاجية.
 في هذا التقرير، نستعرض كيف حدث ذلك، مدعوماً بأحدث البيانات والإحصاءات.
اكتشاف “ظهر”: الشرارة التي أشعلت الثورة الغازية
بدأت القصة في عام 2015، عندما أعلنت شركة “إيني” الإيطالية عن اكتشاف حقل “ظهر”، أكبر حقل غاز في البحر المتوسط، باحتياطيات تقدر بنحو 30 تريليون قدم مكعب (تريليون قدم مكعب).
 ويمثل هذا الحقل وحده 35% من إجمالي احتياطيات الغاز في مصر.
 بدأ الإنتاج في ديسمبر 2017، مما ساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي لمصر بحلول 2018، وتحويلها من مستورد صافٍ إلى مصدر صافٍ للغاز.
بلغ إنتاج “ظهر” ذروته في 2019 بنحو 3 مليارات قدم مكعب يومياً (bcf/d)، لكنه انخفض تدريجياً إلى حوالي 1.9 bcf/d بحلول 2024 بسبب الضغط الطبيعي في الحقل.
ومع ذلك، تشهد 2025 جهوداً مكثفة لاستعادة الإنتاج، حيث يبلغ حالياً 2.7 bcf/d، مع هدف الوصول إلى 3.2 bcf/d بنهاية العام من خلال استثمارات تصل إلى 360 مليون دولار في تحسين البنية التحتية والحفر المتقدم.
 هذا الاكتشاف لم يكن وحيداً؛ فقد ساهم في رفع إنتاج مصر الإجمالي إلى ذروة 7.1 bcf/d في 2018.
الحقول الأخرى: دعم إضافي للطفرة
لم يكن “ظهر” الوحيد في دفع عجلة التحول.
اكتشافات أخرى في دلتا النيل وشرق الدلتا، مثل حقل “نورس” (اكتشف في 2015) وحقل “أتول” (2017)، أضفت احتياطيات هامة. ينتج “نورس” حالياً 1.2 bcf/d، وهو أعلى إنتاج في تاريخ دلتا النيل، حيث تجاوز 1.1 bcf/d لأول مرة.
أما “أتول”، فيبلغ إنتاجه 350 مليون قدم مكعب يومياً.
بشكل عام، ساهمت دلتا النيل في إنتاج 2,825 مليار قدم مكعب من الغاز خلال السنوات الأخيرة، بمتوسط 282.54 مليار قدم مكعب سنوياً.
ومع ذلك، شهد إنتاج مصر الإجمالي انخفاضاً بنسبة 11% في 2023 مقارنة بـ2022، ليصل إلى متوسط 2 تريليون قدم مكعب سنوياً بين 2013 و2022.
في مايو 2025، بلغ الإنتاج 2.6654 مليون طن متري، مقارنة بـ3.799 مليون طن في مايو 2023، مما يعكس تحديات في الحفاظ على المستويات.
مصر كمركز إقليمي: منتدى غاز شرق المتوسط والصادرات إلى أوروبا
 تعزيز دور مصر الإقليمي
في 2018، أطلقت مصر مبادرة إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط (EMGF)، الذي أصبح منصة للحوار السياسي حول الغاز، مشاركاً دولاً مثل إسرائيل وقبرص واليونان.
يهدف المنتدى إلى تعزيز التعاون، بما في ذلك ربط حقول قبرص بمصنع “ظهر” بحلول 2028 بطاقة 1.3
bcf/d.
على صعيد الصادرات، أصبحت مصر الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك مرافق تصدير الغاز المسال (LNG)، مما يجعلها مركزاً للتصدير الإقليمي.
في 2022، وقعت مصر اتفاقاً مع الاتحاد الأوروبي وإسرائيل لزيادة الصادرات إلى أوروبا، حيث يتم تسييل الغاز الإسرائيلي في مصانع إدكو ودمياط.
بلغت صادرات الـLNG المصرية 8.9 مليار متر مكعب في 2021، و4.7 مليار متر مكعب في الأشهر الخمسة الأولى من 2022.
ومع ذلك، تعتمد مصر جزئياً على الاستيراد من إسرائيل، الذي شكل 72% من إجمالي واردات الغاز في2024.
أدت الحروب في المنطقة، مثل الصراع في الشرق الأوسط عام 2025، إلى إغلاق الصادرات الإسرائيلية مؤقتاً، مما كلف مصر خسائر اقتصادية كبيرة.
العوائد الاقتصادية.. وتحديات المستقبل
أحدث هذا التحول تأثيراً اقتصادياً هائلاً. خلال أزمة أوكرانيا، حققت صادرات الغاز المصري إلى أوروبا إيرادات بلغت 8.4 مليار دولار.
 يساهم قطاع الغاز في تعزيز الاحتياطي النقدي الأجنبي، خلق فرص عمل، ودعم الناتج المحلي الإجمالي.
كما أن تصدير الغاز إلى الأردن ودول أخرى أنتج إيرادات إضافية كبيرة.
رغم ذلك، تواجه مصر تحديات مثل انخفاض الإنتاج وطموحاتها المتضائلة كمركز إقليمي بسبب النزاعات الجيوسياسية.
 مع ذلك، تستمر الجهود لتعزيز الإنتاج والانتقال إلى الطاقة الخضراء، مما يعد بمستقبل أكثر استدامة.
في النهاية، يظل تحول مصر شاهداً على كيف يمكن لاكتشافات الغاز أن تغير مصير أمة، لكن الاستمرارية تتطلب إدارة حكيمة للموارد والعلاقات الإقليمية.

عن وجه افريقيا