حينما علمت أن الطريق إلى شرم الشيخ، مكان إنعقاد المؤتمر الدولي الأول المكرس لمناهضة التمييز والعنف ضد المرأة يمر عبر السويس وسيناء وطور سيناء الخالدة انتابني مشاعر الفرح الممزوج بالرهبة والجلال والجمال وتلك حالة لا يشعر بها إلا من قرأ وفهم التاريخ وفلسفته منذ فجر الحضارة الإنسانية الذي بزغ من مصر قبل قرابة عشرة الف عام كما كتب المؤرخ اللماني جيمس هنري باستيد في كتابه المهم، فجر الضمير البشري. نعن هنا في أم الدنيا بزغ فجر الحضارة بوصفهاسياسة وتشريعا وأخلاقاً حيث ادرك المصريون القداما أن حضارة بلا قيم هي بناء أجوف لا قيمة له، فكم من حضارات انهارت وأصبحت نسيًا منسيًّا؛ لذا سعى إلى وضع مجموعة من القيم والمبادئ التي تحكم إطار حياته، تلك القيم التي سبقت «الوصايا العشر» بنحو ألف عام. وقد تجلى حرص المصري القديم على إبراز أهمية القيم في المظاهر الحياتية؛ فكان أهم ما في وصية الأب قبل وفاته الجانب الأخلاقي، حيث نجد الكثير من الحكماء والفراعنة يوصون أبناءهم بالعدل والتقوى. كذلك كانوا يحرصون على توضيح خلود تلك القيم في عالم الموت. لذا؛ نحتوا على جدران مقابرهم رمز إلهة العدل «ماعت» ليتذكروا أن العمل باقٍ معهم. لقد سبق المصريون العالم أجمع في بزوغ فجر الضمير الإنساني. انطلقنا من القاهرة في الثالثة فجرا وحينما بزغت الشمس وصلنا مكانا يدعى عيون موسى في وسط سيناء الجنوبية مررنا على طور سيناء شعرت وأنا ونحن نمخر رمال صحراء سيناء المقدسة برعشة الذاكرة إذ أخبرني الدكتور سعد أبو النار باننا نسير بمحاذاة جبل موسى أو طور سيناء هو جبل يقع في محافظة جنوب سيناء في مصر؛ يبلغ ارتفاعه 2285 مترا فوق سطح البحر. سمي بجبل موسى نسبة للنبي موسى الذي كلّمه ربه في هذا الجبل وتلقى الوصايا العشر وفقًا للديانات اليهودية والمسيحية والإسلام. تخيلت مشهد الحوار المقدس بين الله سبحانه وتعالى ونبيه موسى ( إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى) فأحسست بحالة من هسهسة اللغة وارتعاش الذاكرة بعبق التاريخ المستمر في هذه الأرض المباركة شعور الرحيل عبر الزمن على أجنحة الخيال والذاكرة أنها مصر التي تقول الكثير للزائرين دون أن تتحدث بالضرورة فحيث ما وليت وجهك في أم الدينا ثمة صرح أو هرم ونقش أوأثر وحكاية أورواية تحكي حكاية نبي أو ملك أو راهب وهذه هي خلاصة معنى التاريخ؛ أن نحدث ندبة على الأرض! بحسب تعبير مارلو. وصلنا شرم الشيخ في العاشرة والنصف صباح الخميس ودلفنا بوابة مدينة جديدة تم إنشاءها من الصفر في العصر الحديثة. أدهشتني بسعة امتدادها إذ تمتد على شاطى البحر الأحمر أكثر من أربعين كيلومتر متناسقة البنيان تظلها الأشجار مسكونة بالأمن والأمان التام فضلا عن نظافة شوارعها وجودة خدماتها وجمال منتجعاتها المتنوعة. هناك في فندق Jolie ville الكلاسيكي الواسعة حطت رحالنا لمدة ثلاثة أيام عقدنا مؤتمرنا وعدنا في منتصف نهار الأحد فشاهدت الطريق كلها وأنا اتخيل التاريخ وفِي السويس توقفنا لأخذ قسط من الراحة مع غروب الشمس الذي آسرني بجمال منظره الخلاب فأخذت صورة تذكارية.
أستاذ الفلسفة جامعة عدن