قبل ظهور الموبايلات كان يستخدم كثيرون “البيجر” أو جهاز الاستدعاء. يتم طلبه من رقم معين، فيقوم حامل البيجر بالاتصال برقم المتصل الذي ظهر على الجهاز.
بعد الموبايلات لم يعد له جدوى، وكنت شخصياً اعتقد أنه اندثر ولم تعد شركات تصنيع أجهزة الاتصالات تنتجه.
لكن وول ستريت جورنال تحدثت عن انتاج نسخ مطورة تجمع بين مميزات التواصل اللاسلكي والتطبيقات الذكية، وتتيح للمستخدمين إرسال النصوص، المكالمات، والتنبيهات دون الحاجة لاستخدام هواتفهم، بالإضافة إلى ذلك، توفر تقنية البلوتوث والواي فاي ربطاً سلساً بين الأجهزة.
لأن الحروب الحديثة تدار بالتكنولوجيا وتحقق الانتصار لمن يمتلك ناصيتها، فإن أجهزة الإتصال والحواسب تشكل خطراً كبيرا ووسيلة استخبارية ناجعة لتتبع المستهدفين وللاختراق والوصول إلى الخطط ومراكز القيادة والسيطرة.
لقد كان السؤال الأهم أمس.. كيف استطاع زعيم ح ماس توصيله رسالته الموجهة إلى عبدال ملك ال حوثي من أنفاق غ زة، بعد 36 ساعة فقط نجاح الصاروخ الباليستي اليمني من اختراق أجواء قلب إسرائيل؟!..
قدرة الرجل الخارقة على التخفي سببها تخليه الكامل عن أي وسيلة تكنولوجية.. إنه يعتمد على الأدوات اليدوية القديمة وعلى الاتصال الشفهي وعلى سلسلة طويلة من الأفراد لنقل رسائله وتعليماته.. ليس بينها الحمام الزاجل بالطبع!
لكن الحزب اللبناني يعمل فوق الأرض.. ولابد أن بفعل نظام السيطرة والتحكم الخاص به.. من هنا ذهبوا إلى أن البيجر وسيلة آمنة لا يمكن تتبعها..فأمر منسوبيه بالتخلي عن أجهزتهم المحمولة واستخدام البيجر.. وقد رصده العملاء وسربوه للموساد، ويُفترض أنه اخترقت الشركة التايوانية التي طلب منها الحزب انتاج 3000 جهاز أو 5000 وفق رواية رويترز، وبالفعل تم وضع المادة المتفجرة بين 3 و20 جراماً بجوار بجوار البطارية، وكان هناك مفتاح مدمج لتفجيرها عن بعد، وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز. انفجرت الأجهزة في وقت واحد بعد تلقي الرسالة. وتم استهداف الأجهزة النشطة.
لكن كيف اختاروا توقيتاً معيناً لتفجيرها في وقت واحد في كل من سوريا ولبنان.. وهل ذلك يحل لغز اغتيال هنية في مقر إقامته في طهران مع حارسه الخاص دون أن يدمر التفجير المبنى أو يصيب من كان في غرف أخرى في الطابق نفسه؟!
نذهب إلى هذا الافتراض لأن السفير الإيراني في بيروت مجتبى أماني أصيب بجروح سطحية جراء انفجار جهاز البيجر ويتلقى العلاج في المستشفى.
وحسب ما ورد في وكالة AP فإن الحزب قد حصل على أجهزة البيجر بعد أن أمر زعيم الجماعة أعضاءها في فبراير بالتوقف عن استخدام الموبايلات، محذراً من إمكانية تعقبهم من قبل الموساد.
وذكر مصدر أمني لبناني كبير لرويترز ان الحزب طلب 5000 جهاز من صنع شركة جولد أبولو التايوانية، وجُلبت إلى لبنان في الربيع.
في حوالي الساعة 3:30 مساءً. بالتوقيت المحلي يوم الثلاثاء، بينما كان الناس يتسوقون لشراء البقالة، أو يجلسون في المقاهي أو يقودون السيارات والدراجات النارية في حركة المرور بعد الظهر، بدأت أجهزة البيجر في أيديهم أو جيوبهم تسخن ثم تنفجر – تاركة مشاهد متناثرة بالدماء وذعر المارة.
وقال المصدر لرويترز إن 3000 جهاز انفجرت عندما أرسلت إليهم رسالة مشفرة. وأن ما يصل إلى 3 جرامات من المتفجرات كانت مخبأة في أجهزة البيجر الجديدة ولم يرصدها حزب الله لعدة أشهر.
ووقعت الانفجارات بشكل رئيسي في المناطق التي يوجد بها وجود قوي للحزب، لا سيما ضاحية بيروت الجنوبية وفي منطقة البقاع بشرق لبنان، وكذلك في دمشق، وفقاً لمسؤولين أمنيين لبنانيين ومسؤول في الحزب.
في المستشفيات المكتظة، تم نقل الجرحى على نقالات، وبعضهم فقدوا أيديهم، ووجوههم منفجرة جزئيًا أو بها ثقوب كبيرة في الوركين والأرجل، وفقًا لمصوري AP. وعلى طريق رئيسي بوسط بيروت تناثرت الدماء على باب سيارة وتشقق زجاجها الأمامي.
تسعة أشخاص على الأقل قتلوا، من بينهم فتاة تبلغ من العمر 8 سنوات، وأصيب حوالي 2750 شخصا – 200 منهم في حالة خطيرة، وكان معظمهم مصابين بجروح في الوجه أو اليد أو حول البطن.
ويبدو أن ثمانية من القتلى ينتمون إلى الحزب الذي أصدر بيانا أكد فيه مقتل عضوين على الأقل، أحدهم نجل أحد أعضاء الحزب في البرلمان. وأصدرت الجماعة في وقت لاحق بيانات عن مقتل ستة أعضاء آخرين يوم الثلاثاء، رغم أنها لم تحدد كيفية مقتلهم.
شون مورهاوس، وهو ضابط سابق بالجيش البريطاني وخبير في التخلص من الذخائر المتفجرة، قال إن مقاطع الفيديو تشير إلى أن عبوة ناسفة صغيرة – بحجم ممحاة قلم رصاص – قد تم وضعها في الأجهزة، ومن المفترض أنه تم وضعها قبل تسليمها، وهو أمر محتمل جداً من قبل الموساد.
وأوردت AP أيضاً قول إيليا ماجنير، وهو محلل كبير للمخاطر السياسية ومقره بروكسل، إنه تحدث مع أعضاء الحزب الذين فحصوا أجهزة البيجر التي لم تنفجر. ويبدو أن ما أدى إلى الانفجارات رسالة خطأ تم إرسالها إلى جميع الأجهزة تسببت في اهتزازها، مما أجبر المستخدم على النقر على الأزرار لإيقاف الاهتزاز.
ونقلت رويترز عن مسؤول في الحزب، أن تفجيرات البيجر “أكبر خرق أمني” للجماعة منذ اندلاع الصراع في غزة بين إسرائيل وح ماس، في 7 أكتوبر.
وقال جوناثان بانيكوف، نائب ضابط المخابرات الوطنية السابق للحكومة الأمريكية في الشرق الأوسط: “هذا أكبر فشل في مكافحة التجسس يواجهه الحزب منذ عقود”.
كاتب صحفي مصري