فراج اسماعيل يكتب : لم يبق للعرب سوى جيشين علي الأرجح

لم يبق للعرب سوى جيشين على الأرجح. المصري والجزائري. أمر الجزائري مؤجل لأنه بعيد عن المنطقة الساخنة في الشرق الأوسط. يبقى الجيش المصري وهناك محاولات وتحريض لدفعه إلى حرب تستنزفه. أخطرها أن يهاجم سد النهضة الإثيوبي فيتعرض لحشد دولي وحظر تسليح ومقاطعة أفريقية وحصار للبلد ودفع تعويضات هائلة تخنق الاقتصاد المخنوق أصلا.

من الفطنة عدم الإنجرار إلى تحريض من هذا النوع يقوم على بطولات زائفة.

التحريض الثاني، التدخل العسكري في القطاع والذي يعني إنهاء اتفاقية كامب ديفيد. أن تفرض على جيش الدخول في حرب لم يختر توقيتها وأسبابها خطر أعظم. لولا تدخلنا غير المحسوب بسبب سوريا ما كانت هزيمة يونيه والمعاناة الاقتصادية التي نعايشها حتى الآن.

أي حل يجب أن يكون سياسيا لا عسكريا. ويجب ألا يدخل الجيش حربا إلا إذا تعرضت بلده نفسها للهجوم. مقولة السادات بأن حرب أكتوبر هي آخر الحروب يجب أن نتمسك بها ونعض عليها بالنواجز.

أزمة القطاع ستحل بالسياسة ولا حل آخر غير الحل السياسي. أما حرب عربية إسرائيلية يضحي فيها العرب حتى آخر جندي مصري، فذلك أمر لم يعد مقبولا لا مجتمعيا ولا منطقيا.

يجب ألا تجرنا أوهام مثل نظرية نتنياهو “إسرائيل الكبرى” إلى الحرب. إنها أحلام يقطة لا أكثر ولا أقل. ما دام هناك جيش قوي مسلح جيدا بحراً وبراً وجواً، لن يجرؤ نتنياهو وجيشه المرهق على الدخول في حرب ومهاجمة أراضينا. هنا نحن نتمسك بنظرية الاستعداد بالقوة والسلاح لإرهاب العدو وردعه عن أوهامه.

لولا تفكيك الجيش العراقي القوي ما كان يمكن للقاذفات الإسرائيلية عبور أراضيه لضرب إيران. لولا تفكيك الجيش السوري لاحقا ما تمددت إسرائيل 40 كم إلى ما بعد جبل الشيخ، وعلى بعد كيلو مترات قليلة من دمشق بعد أن دمرت البنية العسكرية الاستراتيجية من ترسانة بحرية وبرية وجوية.

الهجوم على إيران لم يكن هدفه الرئيس برنامجها النووي، بل تفكيك جيشها، بعد أن يتم دفع الشعب إلى التظاهر لإسقاط النظام. ذلك كان واضحا في خطابات نتنياهو الموجهة إلى الشعب الإيراني أثناء حرب الـ12 يوما، ولكن الوعي الإيراني أفشل هذا المخطط، إضافة إلى التماسك العسكري وتوفر الردع ممثلا في الصواريخ الباليستية.

لا أنا ولا أنتم يسعدنا أن نفقد أبناءنا في حروب ذقنا مرارتها سنوات طويلة. كم خذلنا الأشقاء وراجعوا تسريبات جمال عبدالناصر الأخيرة. وها هم الآن يعيروننا بفقرنا وتخلفنا.

لم يعد هناك أشقاء ولا اتفاقية دفاع مشترك. هناك سياسة ومصالح. الحمد لله أننا لم نعمل بـ “مسافة السكة” في حرب السعودية ضد اليمن وإلا كانت الحرب ستطول وكنا سنفقد فيها كما خسرنا في حرب اليمن قبل هزيمة يونيه.

العرب لا يحاربون ما عدا شيعة لبنان والحوثيين في اليمن ومقاومة الفصائل في القطاع. كانوا دائما يقدمون “المصري” ليحارب بالوكالة عنهم، ولم يكن يحارب إسرائيل فقط بل الولايات المتحدة والدول الغربية العظمى. وأي حرب مستقبلية لن تكون ضد إسرائيل فقط.

مرة أخرى وعاشرة: أزمة القطاع حلها بقوة السياسة ولا خيار آخر. المفاوضات وحدها ستنهي المجاعة والحصار. أم دفع الجيش المصري إلى الحرب فهو تحريض على الانتحار والتفكك.

سيسأل البعض: لماذا إذاً دعوة الفصائل إلى التمسك بسلاحها؟.. أولا: لأن هذه قضيتها وهي التي اختارت توقيت الحرب. وثانيا لأن إسرائيل لن تتفاوض إذا تخلت الفصائل عن سلاحها ولن يكون هناك الضغط الحالي الذي تواجهه حكومة نتنياهو من تظاهر مئات الآلاف في الشوارع ضد توسيع الهجوم.

الأمر نفسه ينبطق على سلاح شيعة لبنان. فإسرائيل لا زالت تحتل أراضي لبنانية ولم تتوقف عن الغارات الجوية على لبنان.

علينا أن نعترف بأننا دول ناطقة بالعربية لها مصالحها وسياساتها المنفردة وليست أمة عربية واحدة.

عن وجه افريقيا