عبد الله محمد عبد الله يكتب : أناملٌ لا تخطئ -2-

 

ظلّ صديقنا أزهري عازفاً ماهراُ على الاكورديون تأتيه العدادات من كل حدب ٍ و صوب، لكنه كان انتقائياً جداً. و لم لا؟ فقد بدأ مسيرته مع هذه الآلة منذ صباه، إذ استهوته حين أعلت من شأنها مهارة عازفيها الكبار، عبداللطيف خضر و أكرت و احمد الماحي و من عاصرهم، فصارت عماد الفرقة الموسيقية. و قد اعتلى ازهري المسرح مسانداً كبار الفنانين و هو بعد في المرحلة الثانوية، فقام بالعزف في مطلع السبعينات مع عمالقةٍ زاروا مدينتة، الدويم، من بينهم محمد ميرغني، ابوداؤد، عبدالقادر سالم، عثمان مصطفى، عبدالله الكردفاني. كما صاحَب هناك الكابلي و سيد خليفة و آخرين من كبار المطربين. ثم تمدّدت القائمة بعد انتقاله إلى الخرطوم لتشمل كل فناني العاصمة و فناناتها كما قال لي يوماً، عدا من توفاهم الله قبل وصوله الميمون إليها.. فأزهرى نسخة متنقلة من مكتبة الأغاني السودانية، و قد فاجأ أبوالزهور يوماً المطرب عزالدين صديق ( الذى يحفظ كل ذائعة ٍ و خاملة ٍ مما بثته الإذاعة من غناء) وأدهشه بأن صاحَبه في أغنيات لرمضان حسن كان الأستاذ عزالدين يظن أنه حافظها الأوحد!
بين الدويم و العاصمة، كانت مسيرة الموسيقار ازهري عبدالقادر نورالهدى، محبوب المطربين الكبار مما وراء السجانة الي ما بعد الحتانة، و الذي شارك في كورال الحزب الشيوعي السوداني في احتفالات العيد الأربعين بالخرطوم، مفتتحاً أغنية محجوب شريف (غني يا خرطوم) بصولو الاكورديون الشهيرة، كما قاد الكورالات في احتفالات القوى الديمقراطيةحيثما أقام.
لكن ذلك ليس كل شئ، فلكي يظل المرء مقبولاً بين الموسيقيين و رهطهم لابد له من التحلّي بصفات أخرى. في مقدمتها سرعة البديهة و سعة الذاكرة، و حسن التصرف و روح الفريق، فما الفرقة الموسيقية ألا جماعة تمتزج أحاسيسها و تتكامل مهاراتها لتتحف المستمعين بعمل ٍخالٍ من التنافر و الأخطاء. و هنا يتجلّى ازهري كعارف متبحر في علوم الموسيقى و فنونها، و عازف دقيق الأذن منضبط الأنامل، و كصديقٍ أحبّه الجميع فبادلهم المحبة الوفاء. و قد كان بيت أزهري و رفيقة دربه الأستاذة سارة عصام حسون، المجاور لمقر اتحاد المهن الموسيقية بالموردة، محراباً لأهل الفن الموسيقي يرتادونه بلا عناء و يُستقبلون فيه بلا تكلف.
هكذا كان ازهري، إلى أن دفعه جورُ الانقاذيين إلى الهجرة فاستقر في بريطانيا منذ يونيو 1991 . فكانت داره في اكسفورد كعبة لكبار الموسيقيين ممن طاب لهم المقام ببريطانيا و من زاروها أمثال وردي و محمد الأمين و بشير عباس.
و هناك اختط أزهري لنفسه طريقاً جديدا بدراسة القانون، ما أتاح له أن يصبح مستشارا قانونيا بدولة قطر. لكنه ظل مستمسكاً بعروته الأولى، موسيقياُ رفيع الطراز و نجماً متعدد العلائق و الصداقات، عرفه سودانيو الخليج عازفاً للعود و الكيبورد و مغنياً مدهشاً بين اوساطهم.
ثم ماذا؟
لن ازيد . . فهل بيننا من لم يخلخل أبو مريم و ملاذ أوتاد كآبته يوما بقفشة محكمة التسديد، أو بهرَهُ بصولو طوقت جيدَ أغنيةٍ، أو بتنويعةٍ أزهرت عفواً على لحنٍ للباشكاتب أو عركي؟؟

عن وجه افريقيا