ارتبط أقليم بنى شنقول جغرافياً وسياسياً وتاريخياً بالسودان حيث لعبت دورًا هاما في التاريخ السياسى لسلطنة الفونج أو السلطنة الزرقاء(910-1236/ 1504 -1821) التى تعد أول تجربة رائدة في تشكيل دولة موحدة في بلاد السودا نوعاصمتها سنار، وكانت هذه المملكة المسلمة اتحادًا لممالك القبائل المختلفة الذين كانوا يدينون بالطاعة لسلطان الفونج، وفي العصور التي كان فيها السلطان الفونجي يتمتع بقوة سياسية وعسكرية، استطاع أن يوسع رقعة بلادهحيث ضمت أكثر القبائل العربية المنتشرة بين سنار إلى منطقة دنقلا، بالإضافة الى قبائل البجة بشرقي السودان من مملكة بني عامر الممتدة حتى مصوع جنوبًا إلى البشاريين شمالاً حتى الحدود الشمالية مع مصر.
واهتم ملوك وسلاطين مملكة الفونج بنشر العلم والثقافة ودراسة الفقه وعلوم اللغة العربية والحساب، كما شجع ملوك سنار على هجرة علماء الدين الإسلامي إلى السودان للدعوة ونشر العلم واقامة الكتاتيب لتحفيظ القرآن الكريم، وخير دليل على ذلك أقاموا رواق السنارية في الأزهر بالقاهرة لاستيعاب طلاب مملكتهم المبتعثين الي هناك من المملكة، ولم يتوقف اهتمام السلاطين عند هذا الحد بل قام السلطان بادي الأحمر احد سلاطين المملكة بإنشاء وقفاً بالحجاز وفى المدينة المنورة بالتحديد لاستقبال الزوار من مملكته عند زيارتهم للأراضي المقدسة، ولا يزال جزء من آثار هذه الأوقاف قائمة حتى اليوم هناك.
ومنذ مطلع القرن الرابع عشر الميلادي ً، أصبحت أرض بني شنقول رافداً بشرياً لقبائل الفونج السودانية ، ثم مع حلول القرن السادس عشر الميلادي، تحولت إلى جزء من سلطنة الفونجالتى عاصمتها سنار ، كما هاجرت من شرق السودان إلى بني شنقول خلال القرن السادس عشر والسابع عشرقبائل سودانية اطلق عليها برتا او برثا،وخلال القرن التاسع عشر كانت بني شنقول مثل الكثير من الدول الأفريقية تضم عدة شياخات (إمارات والمفرد إمارة او مشيخة) وتمتعت كل امارة بحكم ذاتى وسلطة تنفيذية يرأسها شيخ يباشر أعماله بشكل مستقل.
وتعد لغة “البرتا” هى اللغة الاصلية لسكان الاقليم الاصليين عبر التاريخ ومنها اشتق اصل التسمية لقبيلة الأقليم وهو(بلا شنقول) وتعنى كلمة (بلا) الحجر أو الصخرة، أما كلمة “شنقول” بمعنى الشكل الدائرى، نسبة الى الصخرة الدائرية المقدسة التى عاش حولها السكان الاصليين، ثم عرب الاسم من بلا شنقول الى بنى شنقول للانتماء الى العروبة والاسلام.
ضعفت سلطنة سنار في الربع الأول من القرن التاسع عشر وظهرت الكثير من الاضرابات الداخلية وعدم استقرار الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفى عام 1820 نجحت حملات محمد على باشا فى دخول السودان والعمل على ضبط الاوضاع الداخلية، واصبحت الاقاليم السودانية والإفريقية تخضع تحت الحماية المصرية، وحتى يعزز محمد على باشا الوجود المصرى داخل باقى الامارات والشياخات المختلفة قام بتوقيع اتفاقيات الحماية والسيطرة ومنها بنى شنقول التى تعني أرضاً حراماً بلا صاحب، بعد انهيار مملكة الفونج وفقدان التبعية لها، وظلت على هذا الوضع حتى ستينيات القرن التاسع عشر الميلادي، حتى أصبحت جزءاً من المملكة المصرية بشكل رسمي، بعد ان قام محمد على باشا عام 1868 بتوقيع اتفاق سياسى معها ينص على رفع العلم المصري وخضوع الاقليم للحماية المصرية، ومن ثم اعتبر اقليم بني شنقول جزءًا من مديرية/ محافظة خط الاستواء المصرية.
وسجلت الجغرافيا والمستشرق الهولندى مارتن تيودور هوتسما (1851-1943) والمكتشف الألماني تيودور فون هيغلين (1824 – 1876) وغيرهم فى مؤلفاتهم وخرائطهم على عروبة ومصرية تلك الأراضي، حيث لعبت مصر دورا محوريا فى العمق الإفريقي وحرصت على تعزيز وجودها السياسي والعسكري والثقافي إلى أن جاء الاحتلال البريطاني لمصر عام 1882، وشهد هذا الدور في السنوات التالية تراجعاً حادا، بعد ان حل الإنجليز محل المصريين فى السودان وبنى شنقول، بالإضافةإلى تحركهم جنوباً للبحث عن الثروات المعدنية، والتحكم في طرق التجارة بشرق إفريقيا.
وفي إبريل عام 1898 م وقعت معركة «أم درمان» التي انتصرت فيها قوات الاحتلال البريطانى على الدولة المهدية وسيطرة على السودان، شجع هذا الانتصار السياسي والعسكرى فى السودان سلطات الاحتلال الإنجليزية على إجبار الحكومة المصرية على توقيع اتفاقية الحكم الثنائي للسودان فى يناير 1899، وكان من ابرز نصوصها (يستعمل العلم البريطاني والعلم المصرى معا فى البر والبحر بجميع اتحاد السودان المصري ماعدا مدينة سواكن فلا تستعمل إلا العلم المصري فقط ، وتفوض الرئاسة العليا العسكرية والمدنية فى السودان إلى موظف واحد يلقب حاكم عام السودان، ويكون تعيينه بأمر عال من الخديوى بناء على طلب حكومة جلالة الملكة).
وكان الاتفاق حبراً على ورق حيث أصبح الحاكم الفعلى للسودان القابض على السلطة كلها بريطانيا، والتى ما لبثت أن اعطت الأوامر للقوات الإثيوبية بدخول إقليم بني شنقول والسيطرة عليه، والذى كان فرصة ثمينة ربما لن تتكرر للسيطرة على الإقليم الغني بالموارد، وبحلول عام 1902 وقع اتفاق بين الحكومة الاثيوبية والإدارة الإنجليزية، تضمّن التنازل عن بني شنقول للحبشة، مقابل عدم بناء الحبشة لأيّة مشروعات على النيل الأزرق، دون موافقة حكومتَي مصر والسودان.
وعانت قبائل بنى شنقول من الاحتلال الإثيوبي والتمييز العنصري الذي اعتبرها اقاليم عربية مسلمة مصرية سودانية يجب إخضاعها ومحو ثقافتهاوهويتها لصالح عرقية الأمهرا صاحبة الهيمنة التاريخيةعلى إثيوبيا، كما فرضت عليهم دفع الضرائب، بحجة أنّها استأجرت الأرض من الإنجليز.
ولم تجد قبائل بنى شنقول الترحيب الكافي من السلطات الاثيوبية للاندماج السياسى معها بعد أن اعتبرهم مواطنين من الدرجة الثانية، وبحلول عام 1931 بدأت أولى ثورات بني شنقول ضد الاحتلال الإثيوبي، مطالبين بالعودة للأراضي السودانية وبحكم ذاتى، وهي الثورة التي لم تتوقف حتى اليوم.
ويكشف تاريخ الجغرافيا السياسية لإثيوبيا الحالية انها من صنع الاستعمار الغربي في القرن التاسع عشر، حيث قامت سلطات الاحتلال بضم عدد من الدول والشعوب الأفريقية إلى إثيوبيا من أجل زيادة المساحة الجغرافية لذلك الكيان وجعله منافسًا إقليميًا محتملًا لمصر في حوض النيل، ومن ضمن هذه الشعوب بنى شنقول أحد الأقاليم الأفريقية المحتلة التابعة للسودان ثم مصر قبل أن تقوم سلطات الاحتلال البريطاني بسلخها عن العالم العربي وضمها إلى إثيوبيا، على الرغم من ان الأقليم كان على مدار تاريخ طويل جزءًا أصيلا من الأراضي السودانية حيث يقع في شرقي السودان بحدود النيل الأزرق وأعالي النيل، ومساحته تقدر بحوالي 250 ألف كلم مربع، وعدد سكانه نحو أربعة ملايين نسمة، عبارة عن مزيج مختلف من القبائل ذات الأصل السوداني العربي المشترك، والتي هاجرت إلى الإقليم الواقع إلى الشمال الغربي من إثيوبيا قبل قرون بعيدة وانصهرت فى بوتقة واحدة ، ولا تزال إلى اليوم تمثل الأغلبية العددية فيه.