إستحضرت روح أمي الجميلة الله يرحمها، وتذكرت عشقها لمصيف رأس البر الذي كان المفضل عندها وكان مصيفها العائلي الدائم منذ شبابها ، وامتدت محبتنا له منها، وتوالت زياراتنا السنوية لقضاء الصيف في العشة التي كانت تملكها عائلتها وكانت هذه الأيام أحلي عندنا من أيام العيد.
إستعدت اليوم ذكريات الطفولة ولمّة العيلة وشماسي البحر وعشش البوص وركوب الطفطف والتمشية بطول اللسان علي الكورنيش حتي الفنار، ورؤية إلتقاء النيل بالبحر المتوسط، وقزفزة الجمبري والكابوريا المشوية وأم الخلول علي البحر وتناول السمك والمأكولات البحرية طوال الأسبوع علي أن يخصص يوم الخميس لأكل الـ “زفر” البط في دمياط حيث كان عمي يقيم هناك منتدبا للعمل وترافقه جدتي.
وركوب الحناطير واللعب في حواري دمياط القديمة وقصتي مع عمي وجدتي الذين قضيت معهم ما يقرب من العام وأنا طفلة صغيرة.
وما أحلي الذكريات في ركوب المراكب ذات المجداف صغير لعبور الجهة الأخري من النيل لقرية عزبة البرج في الصباح الباكر لشراء كميات من السمك بأسعار رخيصة أحد الأشياء الجميلة التي حافظت عليها كلما زرت رأس البر مع الفارق في أسعار الأسماك من زمان والآن.
لا أنسي النسوة البسيطات اللائي يبعن علي الشاطئ مناديل للرأس كانت تسمي مناديل الـ “أوية” يشغلنها بخيوط حريرية دقيقة غاية في الإبداع ومن حظي أني ورثت من أمي بعضا من هذه المناديل، اعتبره تراثا نادرا.
كنا نستمتع بالكثير والكثير من ملامح مصيف رأس البر، منه ما أندثر ومنه مازال موجودا مع تغيرات الزمن وأحكامه.
انبهرت برأس البر التي وصلتها أمس ووجدتها مدينة عصرية حديثة نظيفة ومنظمة وامتلأت بيوتا وفنادقا وأسواقا وكافيهات ووسائل مواصلات وترفيه متنوعة، مع تغيرات جوهرية؛ فقد أصبح دخول الشواطئ بتذاكر وتمتد مصدات الأمواج الجراتينية القبيحة علي مسافات كبيرة من البحر لمنع النحر في الشواطئ، وشواطئ خاصة بفئات وهيئات بعينها من دون غيرها، وجولات مسائية مبهرة للمصطافين علي صفحة النيل في المراكب،؟مع إحتفاظ أهلها بطيبتهم وحسن تعاملهم مع ضيوفهم وخاصة الأشقاء العرب والأفارقة والذين أصبحوا جزءا من السياحة في هذا المصيف القديم القابع في أقصي مكان من شمال مصر.
.. بصبح عليكم من مصيف العائلات رأس البر، بلد .. “مرج البحرين يلتقيان، بينهما برزخ لا يبغيان”.
كاتبة صحفية مصرية